احترس.. التدخين يقتلك

11 مايو 2014
التدخين يدمر الصحة (GETTY)
+ الخط -

مرّت خمسون عاما على تقرير رئيس الأطباء في الولايات المتحدة الذي أكد أخطار التدخين القاتلة، والذي نجم عنه حملة حكومية واسعة لتوعية الناس، وقرارات رسمية سرعان ما تبنتها كل دول العالم، تلزم بالحد من إعلانات السجائر ورفع الضريبة عليها، ومنع التدخين في معظم المرافق العامة.

ورغم ذلك، تظهر آخر الإحصاءات أن نحو خمس سكان العالم (مليار وثلاثمئة مليون نسمة) مازالوا يدخنون، وأن التدخين يتسبب في وفاة ما يفوق خمسة ملايين شخص حول العالم سنويا، وإصابة نحو 100 مليون آخرين كل عام بأمراض خطيرة.

ومع تزايد سكان المعمورة، يُتوقع أن يزداد عدد المدخنين، حيث تقدّر مراكز الإحصاء أن عدد الوفيات الناجمة عن التدخين ستفوق ثمانية ملايين بحلول عام 2030.

تخبرنا الدوائر المالية في الولايات المتحدة أن التدخين وما يلحقه من أضرار يكلف الدولة ما يفوق 100 مليار دولار كل عام، ولنا أن نتصور معنى هذه الخسارة في المجتمعات النامية حيث يكافح الناس للحصول على أساسيات الحياة من طعام ولباس ومأوى.

أضرار التدخين

يؤدي التدخين إلى تصلب الشرايين التي تغذي الدماغ والقلب، ما يسبب السكتة الدماغية أو النوبات القلبية، كما ربط باحثون بين التدخين ونشوء السرطان في أماكن عدة من الجسم، منها الرئتان والحنجرة والفم والأنف والبلعوم والمري والمعدة والبنكرياس والكليتان والمثانة وعنق الرحم والثدي عند النساء، ويمكن القول إن التدخين هو سبب الوفاة لواحدة من كل ثلاث إصابات معروفة بالسرطان.

وصار معلوما أن تدخين الأم الحامل يزيد من احتمال ولادة الطفل قبل أوانه، ومن ولادته مشوهاً أو ميتا، كما أنه أحد أسباب الإجهاض المتكرر، كما يسبب هشاشة العظام عند النساء.

وفي الرجال يُضعـف التدخين الحيوانات المنوية ويتسبب في ضعف الانتصاب. ويؤثر سلباً على الأسنان واللثة والجلد، ويزيد من احتمال تشكل "المياه البيضاء" في العين، ويجعل التحكم في داء السكري أكثر صعوبة، ناهيك عما هو معروف عن رائحة ثياب المدخنين ورائحة أنفاسهم المنفرة، وعدم قدرتهم على تحمل الجهد، وسهولة تعرضهم للأمراض وصعوبة شفائهم منها.

ويكفي أن نعلم أن حياة المدخن الملتزم هي إحصائياً أقصر من غير المدخن بمعدل عشر سنوات.

باختصار.. بات معروفاً أن التدخين يطال كل عضو في جسم الإنسان تقريباً بالضرر، ويكمن وراء نحو خمس الوفيات في العالم، ما يجعله أكثر ضررا من وفيات حوادث القتل والمرور والمخدرات والكحول والإيدز مجتمعة، ولعل الجهازين الأساسيين اللذين يسبب تلفهما معظم الوفيات الناجمة عن التدخين، هما الجهاز التنفسي والقلبي.

تأثير التدخين على الجهاز التنفسي والقلب

تؤذي المواد السامة، وأهمها القطران والنيكوتين وأحادي أكسيد الفحم، الخلايا المبطنة للقصبات ذات الأهداب الناعمة التي تنظف بحركتها الدائمة جدران الممرات الهوائية من الشوائب والجراثيم، فتجردها من مناعتها، ما يسمح لكل الأجسام الضارة أن تعلق بسطح القصبات الداخلي وتسد مجراها، وهو الأمر الذي يحاول المدخن التغلب عليه بالسعال المتكرر لتنظيف قصباته، ما يؤدي إلى التهاب القصبات المزمن الذي كثيراً ما يعانيه المدخنون.

وتضر مواد الدخان السامة الأسناخ الرئوية الدقيقة المسؤولة عن تبادل الغازات في الرئتين، فتصيب جدرانها بالتليف، ما ينجم عنه احتباس الهواء فيها، ويشكل مرض الانسداد الرئوي المزمن الذي يصيب كثيراً من المدخنين، فيجعلهم غير قادرين على طرد الهواء بعد كل نفس بشكلٍ طبيعي، ويؤدي لصعوبة التنفس بعد أقل مجهود، ونقص توقعات الحياة.

ويؤثر دخان السيجارة مباشرة على شرايين القلب فيضيق مجراها ويمنع وصول الأوكسجين إلى عضلة القلب، ما يسبب تسرع واضطراب النظام القلبي، وارتفاع ضغط الدم، وعطب العضلة القلبية المسؤول عن وفيات بنوبات قلبية.

لكن لماذا يدخن الناس، ولماذا لايتوقف أكثر المدخنين عن التدخين؟

الجواب بكلمة واحدة هي: الإدمان.

فبالإضافة لكونها عادة محببة للنفس كأية عادة، ثبت بما يقطع الشك أن النيكوتين مادة مخدرة تسبب الإدمان، تماما كالمورفين والهيروين.

والمشكلة هنا أن قابلية الإنسان للوقوع في إدمان النيكوتين تختلف من شخص لآخر! وليس لها علاقة من قريب أو بعيد بقوة جسمه، أو عنفوان شخصيته، أو قدرة تحمله الشدائد.

لذلك يجب أن تضع نصب عينيك هدف وقف التدخين بأي وسيلة، وقد بينت الإحصاءات أن فرص وقوعك ضحية الوفاة من نوبة قلبية تهبط إلى دون النصف بعد سنة من توقفك عن التدخين، وأن احتمال حدوث سكتة دماغية أو احتمال إصابتك بالسرطان يصبح كاحتمال الشخص غير المدخن بعد مرور بضع سنوات من اعتزالك هذه العادة.

ولا تقتنع بما يقوله البعض من أنك إذا أنقصت عدد السجائر التي تستهلكها في اليوم إلى النصف أو الثلث أو الربع، أو إذا اقتصرت على "سحب أنفاس" قصيرة من السيجارة، ستجنب نفسك أضرار التدخين، فمهما فعلت لن تستطيع إلغاء السموم التي تدخل إلى رئتيك مع كل استنشاق للسيجارة.



ولا تنس أن خطر التدخين لا يطال صاحبه فحسب، بل يؤثر على كل من حوله، وأن التدخين السلبي يقتل الذين يتعرضون له كذلك، ولو بنسبة أقل من التدخين الفعلي.

ثم لا تدع نصيحة البعض بأن تبدّل السيجارة إلى النرجيلة (الشيشة) كونها أقل ضررا، كونك لا تسحب ذات عدد الأنفاس التي تسحبها في السيجارة، وكون الماء الذي يمر به الدخان "يبرده" أو ينظفه من السموم.

لا تدع هذه النصيحة تغرر بك، فقد ثبت للخبراء أن خطر النرجيلة أعلى من خطر السيجارة بكثير، وأن تدخين النرجيلة لمدة ساعة يعادل وسطيا تدخين 200 سيجارة.

أما الاختراع الجديد المسمى السيجارة الإلكترونية التي تستخدم البطاريات لتبخير النيكوتين، فهي لا تخلو أيضا من الأضرار نفسها.

كيف تتوقـف عن التدخين؟

الخطوة الأولى هي قناعتك التامة بأضراره المميتة، وبضرورة استئصال هذه العادة من حياتك، إنما عليك أن تعلم أن إيقاف التدخين ليس أمراً سهلا، وخاصة في الأيام الأولى، وأن نسبة الذين يستطيعون وقف عادة التدخين معتمدين على إرادتهم وحدها قليلة جداً ولا تصل إلى عشرة في المئة في أفضل الحالات. لذا لابد من مساعدة من طبيب مختص أو جمعـيات نذرت نفسها لهذا الغرض.

ومعالجة إدمان التدخين بمساعدة المختصين تعتمد إحدى طريقتين أساسيتين أو تجمع بينهما: الطريقة الأولى نفسية - سلوكية وتطبق من خلال جلسات خاصة مع الطبيب أو جلسات جماعية مع مدخنين آخرين تحت إشراف خبير. ولابد أن تبدأ هذه الطريقة بملاحظة وتدوين الأمور التي يُلحِـقها المدخن بلذة التدخين والتي تدعوه ليشعل سيجارته مثل أخذ فنجان القهوة الصباحي مثلاً، أو الحديث مع صديق، أو حل مسألة معقدة، أو إصابته بحالة من القلق أو الغضب.

وككل إدمان آخر، يشمل هذا النوع من المعالجة تدريب المدخن على التحرر من تأثير هذه العوامل المحرّضة تدريجياً.

أما الطريقة الثانية التي كثيراً ما تـُضاف للأولى فهي الاعتماد على بعض الأدوية، وأكثرها شيوعاً تلك التي تحتوي جرعات متناقصة من النيكوتين (المادة المسببة للأدمان)، وهناك أدوية أخرى حديثة ثبت مفعولها كذلك لوقف عادة التدخين. وهذه الأدوية جميعها لابد أن تؤخذ تحت إشراف طبيب مختص.

إذا كنت غير مدخن، ولكنك قريب من إنسان مُدخن، فاعلم أنك معرض لنفس الخطر الذي يطال المدخنين، ولو بنسبة أقل، وأنك مؤهل لأن تصيبك الأمراض نفسها، حتى خطر الوفاة، خاصة إن كنت تشترك مع المدخن في نفس المنزل أو مكان العمل أو إن كنت يافعاً أو مصاباً بمرض مزمن مخفض للمناعة.

إن اعتراف المؤسسات العامة بهذه الحقيقة هي التي دفعت الحكومات لإصدار القوانين التي تمنع المدخنين عن ممارسة عادتهم في الأماكن العامة ووسائل السفر.

وأخيرا إذا كنت غير مدخن، فعليك واجب توعية كل من تعرف من المدخنين بالضرر الذي يُلحِـقه بنفسه وبمن حوله، ومساعدته على ترك التدخين والمساهمة في كل حملة إعلانية ضد التدخين حسب إمكاناتك.