تحذر منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن، ليز غراندي، في مقابلة خاصة بـ "العربي الجديد" من تهديد المجاعة مجدداً لليمنيين إذا لم تتمكن الأمم المتحدة من تقديم مساعداتها الإنسانية اللازمة. وكانت الأمم المتحدة قد حذرت من احتمال انهيار النظام الصحي في اليمن بشكل كامل مع انتشار وباء كورونا واستمرار الحرب
- ما هي آخر التطورات المتعلقة بانتشار فيروس كورونا الجديد في اليمن، سواء في مناطق الشمال التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيون) أو في مناطق الجنوب التي تسيطر عليها حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المعترف بها دولياً؟
شهد اليمن قبل سنتين تفشي الكوليرا الأسوأ في تاريخه الحديث، كما واجه مجاعة في السنة الماضية. وفي بداية هذه السنة كان هناك فيضان لم يشهد له مثيل خلال جيل كامل والآن تواجه البلاد كورونا. من بين كلّ هذه التهديدات، فإنّ وباء كورونا يحتمل أكثر من غيره أن يكون كارثياً. ويعود هذا لثلاثة أسباب؛ أولاً، أنّ المستوى العام للمناعة بين السكان هو الأدنى في المنطقة. ثانياً، أنّ نسب أولئك المعرضين للخطر هي الأعلى في المنطقة. ثالثاً، إذا جمعنا هذين العاملين مع تدهور النظام الصحي، فسنقول إنّ من شأن كورونا أن يكتسح اليمن. وما نعنيه هو أنّ من المرجح أن ينتشر الفيروس بسرعة وعلى مدى أوسع وبآثار مميتة أكثر من أي مكان آخر.
- بالنسبة للعامل الثالث الذي ذكرته، أي النظام الصحي. هل يمكن أن تتحدثي عن وضعه العام قبل انتشار فيروس كورونا الجديد، وما الذي يمكن أن يحدث حالياً مع انتشار الفيروس؟
بعد خمس سنوات من الحرب، فإنّ النظام الصحي ينهار في عدد من الأماكن، وقد انهار بالفعل في بعض المناطق. كذلك، فإنّ انتشار كورونا يعني أنّنا سنشهد انهيار النظام الصحي في أجزاء كبيرة من البلاد. ولا يتلقى العاملون في المجال الصحي رواتبهم بشكل اعتيادي ومن الصعب إدخال الإمدادات (كالمعدات الوقائية المتعلقة بمكافحة كورونا). وإذا أخذنا كلّ هذه العوامل بعين الاعتبار فإنّنا نشعر بقلق شديد للآثار المحتملة لكورونا بالمقارنة مع أيّ مكان في العالم.
- ما هو الوضع الميداني الحالي للنظام الصحي اليمني في ظلّ أزمة كورونا؟ وما هي التحديات التي تواجه الأطباء والممرضين والعاملين في الحقل الصحي، خصوصاً في ظلّ الأزمات المتلاحقة؟
في البداية، لا بدّ من القول إنّ الأطباء والممرضين والعاملين في الحقل الصحي يقومون بعمل بطولي، لكن، هناك نقص في كلّ شيء. لم تُدفع رواتب العاملين وليست لديهم المعدات الوقائية. هناك مئات من وحدات العناية المركزة لكنّ ما نحتاجه هو مئات الآلاف منها. لا يوجد في اليمن إلاّ الحد الأدنى من كلّ مادة يحتاجها لمواجهة كورونا. فهناك العدد الأدنى من الفحوص ومن الأسرّة ومن أجهزة التنفس الاصطناعي. البلاد تواجه واحدة من أسوأ الأزمات منذ قرن، ولا تمتلك ما تحتاجه لمواجهتها. هذا هو الواقع.
التمويل مطلوب
- أغلقت أطراف الصراع في اليمن، كلّ بحسب منطقة سيطرته، الموانئ البحرية بهدف محاربة انتشار الوباء، وهي إجراءات شبيهة بما اتخذته معظم دول العالم. مع ذلك، فإنّ لليمن وضعه الخاص، فكيف يؤثر هذا الإجراء على جهودكم لإدخال الإمدادات الإنسانية الضرورية إلى البلاد؟
يعاني شمال اليمن من حصار مستمر معظم فترة النزاع (الحصار الذي تفرضه قوات التحالف السعودي- الإماراتي في مواجهة الحوثيين). وهو ما يجعل استقدام الإمدادات عن طريق الجو أو البحر في غاية الصعوبة. كما أنّ علينا الحصول على موافقة التحالف بقيادة السعودية وكذلك موافقة من أنصار الله (الحوثيين). لقد أقمنا جسر إمدادات هائلاً. اشترينا 9 آلاف طن متري من الإمدادات في الأسابيع الماضية. وتمكنّا من إدخال نصفها إلى البلاد وما زلنا نعمل من أجل إدخال النصف الآخر.
- تحتاج الأمم المتحدة وشركاؤها إلى مبلغ 2.4 مليار دولار خلال الأشهر الستة المقبلة، لكي تستمروا في عملكم، وإلا فستضطرون إلى إغلاق أو تقليص 31 برنامجاً من مجموع 41. لماذا تعانون من هذا النقص؟
السبب هو أنّ المانحين لم يقدموا الدعم السخي الذي كانوا يقدمونه في السنوات الماضية. هذه هي أكبر عملية لتقديم المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة في العالم وهي تواجه أسوأ أزمة. لا يمكننا أن نقوم بما هو مطلوب إلاّ إذا دعمنا المانحون. وهذه هي المرة الأولى منذ بداية الحرب التي لم يقدم فيها المانحون المطلوب.
- المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة من خلال برامجها تغطي جميع نواحي الحياة اليومية من الغذاء والصحة والمياه والتعليم وغيرها. هل يمكن أن تعطينا أمثلة على عملكم وكيف سيؤثر عدم تلقيكم الدعم المالي على حياة اليمنيين؟
يوفر برنامج الغذاء العالمي كلّ شهر مساعدات غذائية لـ 13 مليون يمني. وهذه أكبر عملية مساعدات غذائية من نوعها في العالم. أما معونات العناية الصحية فتصل مباشرة إلى 8.5 ملايين شخص. وقبل تراجع المانحين كنا نقدم حوافز لـ 10 آلاف موظف في المجال الصحي. ووفرنا رواتب لـ130 ألف مدرس. ونوفر المياه والصرف الصحي شهرياً لـ 11.5 مليون يمني. إجمالاً، المعونات الإنسانية توفر الحماية المجتمعية للشعب اليمني وتسد احتياجاتهم الأساسية الطارئة.
خطر المجاعة
- تقول الأمم المتحدة إنّ مليوني طفل يمني ما دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية. هل اليمن على حافة مجاعة، وهل الوضع اليوم أخطر مما كان عليه في السنوات الماضية؟
هذه نقطة مهمة، وأعتقد أنّه بسبب التأثير الاقتصادي لكورونا، فإنّ المجاعة التي تمكنّا من إيقافها العام الماضي قد تعود مجدداً هذه السنة. في الواقع، هناك 7 ملايين شخص يعانون من سوء التغذية، من ضمنهم مليونا طفل ما دون الخامسة.
- لكي نوضح هذا الأمر ونضع وجوهاً على الأرقام، كما يقال، هل يعني هذا أنّ ملايين اليمنيين لن يجدوا ما يقتاتون عليه إلاّ إذا وفرتم لهم، من خلال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية المعونة اللازمة؟
بالضبط، هناك عشرون مليون يمني، من بين الثلاثين مليوناً، لا يعرفون عندما يستيقظون في الصباح من أين سيأتون بوجباتهم المقبلة. نحن الذين نوفر الغذاء لعشرة ملايين من هؤلاء، بالإضافة إلى اليمنيين المهجرين داخلياً. الباقون يمتلكون بالكاد ما يكفي لشراء الغذاء من السوق. وهذا ما نسميه "مجاعة مدخول" أي أنّ هناك غذاء في الأسواق لكنّ العائلات لا تملك مدخولاً يكفي لشراء الغذاء. ليس بإمكانهم أن يشتروا. هذه هي المشكلة. من الأسباب وراء الأزمة الاقتصادية عدم دفع الرواتب وارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 200 في المائة، كما الحصار الذي يمنع دخول الوقود وغاز الطبخ وفقدان 600 ألف وظيفة في البلاد. الحرب في اليمن حرب عسكرية وحرب اقتصادية. وبسبب الحصار، لا يتمكن القطاع الخاص الذي يوفّر السلع الضرورية للحياة من جلبها إلى البلاد. هذا ما نعنيه حين نقول إنّها حرب اقتصادية، وآثارها كارثية على الشعب. ولذلك نحن على حافة المجاعة في اليمن.
- ما هي تبعات كلّ هذا على مستقبل البلاد وسكانها؟ وكيف سيؤثر على اليمنيين الأكثر ضعفاً، خصوصاً الأطفال والنساء؟
هناك أربعة وعشرون مليون يمني بحاجة إلى المعونات، ونصف هؤلاء، أي اثنا عشر مليوناً، معرضون للخطر بشكل حاد. وهذا يعني أنّهم ليسوا بحاجة إلى بعض المساعدات فقط بل يحتاجون إلى معونة تبقيهم على قيد الحياة. ولهذا نقول عن هذه الأزمة إنّها الأسوأ في العالم كله، إذ إنّ ثمانين في المائة من اليمنيين بحاجة إلى مساعدات، فيما من يحتاجون إلى المعونة العاجلة من بينهم باتوا في وضع شديد الصعوبة. كذلك، فإنّ فيروس كورونا سيتنشر بشكل أسرع وأوسع وبأثر مميت يفوق أيّ مكان آخر في العالم. أنت جائع وأصبت بالكوليرا، ثم تصاب بكورونا! معدل الوفيات عالمياً من بين المصابين بكورونا نحو سبعة في المائة أما في اليمن، فإنّ المعدل يرتفع إلى عشرين في المائة من بين المصابين، أي نحو ثلاثة أضعاف المعدل العالمي.
ألم العجز
- كيف يمكن مقارنة عملك في اليمن بتجربتك في بلدان أخرى، علماً أنّها تجربة غنية تنقلتِ فيها بين عدة بلدان في قارات مختلفة؟
لا يمكن مقارنة أيّ أزمة إنسانية في العالم بما يحدث في اليمن. مجموع الذين يعانون من آثار الأزمة وقسوة المعاناة أكبر من أيّ مكان آخر. إنّها أسوأ أزمة إنسانية، كما أنّ اليمن من أصعب الأماكن على العاملين في المجال الإنساني، فنحن نواجه قيوداً على عملنا باستمرار، مع عقبات أمام استقدام المساعدات. يظن المرء أنّ جميع أطراف النزاع سيحاولون أن يسمحوا للقائمين على المساعدات الإنسانية بالقيام بعملهم لمواجهة أسوأ أزمة في العالم، لكنّهم لا يقومون بذلك. نحن في حاجة إلى النقود، كما نحتاج من السلطات إزالة القيود والسماح لنا بالوصول إلى الناس لكي نبقيهم على قيد الحياة في هذه الحرب الفظيعة.
- ما هي أصعب اللحظات أو التجارب في عملكم في اليمن؟
يكسر القلب منظر عيون أفراد عائلة ما، ونعلم أنّنا لا نملك ما يكفي من النقود لإطعامهم. ويكسر القلب أنّنا لا نملك أجهزة التنفس الاصطناعية لإبقائهم على قيد الحياة إذا أصيبوا بفيروس كورونا الجديد. ويكسر القلب النظر إلى عيون أفراد عائلة نعرف أنّنا لن نتمكن من مساعدتهم على توفير المياه الصالحة للشرب والاستخدام الذي يحتاجونه للعيش. هذه كلّها أشياء يمكننا أن نقدمها وأن نقوم بها، فقط حين يعطينا المانحون النقود وتسمح لنا السلطات بالقيام بعملنا. هذا كلّ ما نطلبه.
نبذة
الأميركية ليز غراندي، المتخصصة في علم الاجتماع من جامعتي "ستانفورد" و"نيو سكول" تقود أكبر عملية مساعدات إنسانية في العالم في اليمن منذ توليها منصبها عام 2018. كذلك، خدمت في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى عملها في مجال إعادة الإعمار والتنمية. وتولت عدداً من المناصب رفيعة المستوى في الأمم المتحدة من بينها منسقة الشؤون الإنسانية في العراق، ومناصب في أنغولا، والكونغو الديمقراطية، وتيمور الشرقية وفلسطين وجنوب السودان.
الأميركية ليز غراندي، المتخصصة في علم الاجتماع من جامعتي "ستانفورد" و"نيو سكول" تقود أكبر عملية مساعدات إنسانية في العالم في اليمن منذ توليها منصبها عام 2018. كذلك، خدمت في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى عملها في مجال إعادة الإعمار والتنمية. وتولت عدداً من المناصب رفيعة المستوى في الأمم المتحدة من بينها منسقة الشؤون الإنسانية في العراق، ومناصب في أنغولا، والكونغو الديمقراطية، وتيمور الشرقية وفلسطين وجنوب السودان.