تستمرّ احتجاجات العاملين والعاملات في القطاع الصحي، وجلّ ما يطلبه هؤلاء هو تحسين أوضاع القطاع، من دون أي تغيّرات ملموسة رغم الوعود الكثيرة. يتحدث المحتجون عن نقص في عدد العاملين والرواتب القليلة وغيرها من الضغوط
كان الأطباء والممرضون العاملون في المستشفيات الفرنسية محور الحديث والشكر والوعود الحكومية طوال فترة العزل الصحي الذي عاشته فرنسا بين منتصف مارس/ آذار ومنتصف مايو/ أيار الماضيين. حينها، وصفهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"أبطال" الأمّة، ووعدهم بـ"خطة هائلة" لتحسين وضع القطاع. لكن، ما إن خرجت البلاد من العزل، حتى عاد هؤلاء إلى الظلّ، ليواجهوا مجدداً شروط عمل "لم تعد مقبولة"، فيما لا تزال الوعود "مجرّد كلام"، بحسب الطبيبة آن جيرفيه، التي شاركت الثلاثاء الماضي في تظاهرة حاشدة للقطاع الصحي في العاصمة الفرنسية باريس، ضمن يوم "تعبئة" شهد عشرات التظاهرات لموظفي الصحة في مختلف المدن الفرنسية.
تقول جيرفيه التي تعمل في قسم الأمراض المعدية في مستشفى بيشا الواقع شمال باريس، لـ"العربي الجديد": "سمعنا وعوداً كثيرة، كذلك فإن الحكومة أعلنت أربع مرات عن خطط ضخمة للنهوض بوضع المستشفيات، لكن شيئاً من هذا الكلام الجميل وهذه الوعود لم يتحقق على أرض الواقع. لم تعطنا الحكومة حتى الآن أرقاماً عن خططها. ما نريده هو أفعال ملموسة". وفي الواقع، ما فتئت الحكومة الفرنسية، منذ ثلاث سنوات، تقتطع مبالغ من ميزانيّة القطاع الصحي السنوية، وطالبت بتخفيضها بقيمة 800 مليون يورو (نحو 900 مليون و600 ألف دولار أميركي) لعام 2020 وحده".
اقــرأ أيضاً
وتشير جيرفيه، الناشطة في تجمع Inter-hôpitaux لتنسيق الحراك بين المستشفيات الحكومية، إلى المفارقة التي تعتري خطاب الحكومة، والتي تشيد بأهمية الأطباء والممرضين أمام الإعلام، وتطالبهم بالعمل بجد. لكن من جهة أخرى، لا تقوم بزيادة أعدادهم لتغطية الطلب الصحي. ولم تقم، منذ سنوات، بإعادة النظر في رواتبهم غير المتكافئة مع الجهد الذي يبذلونه وظروف عملهم.
"يُطلب منا أن نعمل بجدّ، وهو أمرٌ نسعى إليه ونؤمن به قبل غيرنا. لكن ثمة نقص كبير في عدد العاملين، سببه عدم إبرام الحكومة عقوداً أو سوء هذه العقود في مقابل الجهد المطلوب، خصوصاً بين الممرّضين والمساعدين الصحيّين، الذين يقوم الواحد أو الواحدة منهم بعمل موظّفين أو ثلاثة. لا بدّ من توظيف أعداد جديدة من هؤلاء، برواتب لائقة، ولا بدّ من زيادة رواتب جميع العاملين الحاليين في القطاع الصحي بمقدار 300 إلى 400 يورو"، وهو مطلب ترفعه غالبية النقابات التي توعدت السلطة باستكمال حراك الثلاثاء الماضي إن لم تتحسّن ظروف العمل.
وتنتقد جيرفيه تقليص الحكومة أعداد الأسرّة في المستشفيات بشكل اعتباطي، وهو أمر تحيله النقابات على تعامل السلطة مع مؤسسات العناية الصحية كشركات تبحث عن تحقيق الأرباح من خلالها مع صرف أقل قدر ممكن من التكاليف. لكن أزمة كورونا الأخيرة التي كشفت، أكثر من أي وقت مضى، فقر فرنسا في الأسرّة والممرضين والمساعدين، أظهرت أن طريقة تفكير كهذه بعيدة كل البعد عن واقع العناية الصحية. "لسنا ضد إغلاق بعض الأسرّة – على العكس، قد يبدو هذا ضرورياً في بعض الحالات. لكن لا بد من التوقف ولو لدقيقة عن سياسة الاقتطاع هذه، والتفكير ملياً في كيفية إعادة تنظيم القطاع الصحي بما فيه احترام الحاجات المختلفة للمدن والبلدات والأقاليم التي تقع فيها المؤسسات الصحية. ثمة أماكن تعرف فائضاً من هذه المؤسسات، فيما تبدو أماكن أخرى أشبه بصحراء عناية صحية".
"ما نطلبه هو الإصغاء إلى العاملين في القطاع الصحي ومنحهم صلاحيات أكبر لتنظيم عملهم. لا يمكن اتخاذ قرارات كهذه من مكتب إداري في باريس. خلال الأزمة الصحية الأخيرة، ابتكر العاملون في المستشفيات أساليب جديدة لتنظيم أنفسهم وتقديم وسائل جديدة من العناية بالمرضى في ظروف استثنائية. جاؤوا بهذه الأساليب من أفكارهم، من مخيلاتهم ومن خبرتهم. لا بدّ لهذا الأمر أن يستمر، لأنه أبدى فعاليّته. لا بدّ من إشراك العاملين في الصحة في اتخاذ قرارات متعلقة بتنظيم عملهم. هم الأدرى به"، تقول.
يعمل في القطاع الصحي الفرنسي نحو مليون و300 ألف شخص، من بينهم أكثر من 950 ألف شخص يعملون في المستشفيات والمستوصفات الحكومية، التي تعدّ من أكبر المشغّلين في البلد. وإن كانت رواتب الأطباء والمسؤولين الإداريين تزيد على 3 آلاف يورو شهرياً، فإن رواتب المساعدين الصحيين تتوقف وسطياً عند عتبة الـ 1750 يورو (نحو 1969 دولاراً)، فيما تصل رواتب الممرضين وسطياً إلى نحو 2300 يورو (نحو 2588 دولاراً). لكن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة الواقع تماماً، وخصوصاً أنها تُحسب عبر دمج جميع الرواتب، شديدة الاختلاف، بين الموظفين القدامى والجدد. على سبيل المثال، لا يتجاوز راتب الممرض عند توظيفه 1500 يورو، وهو رقم ضئيل إذا ما قورن بطبيعة العمل وساعات الدوام الطويلة والمناوبات الليلية.
آنا مارشون ممرضة في مستشفى إدوار هيريو في ليون، وهي من منظّمي حراك القطاعات والتظاهرات في هذه المدينة، بوصفها نقابيّة في "الكونفدرالية العامة للعمل". تنتقد، في حديثها لـ"العربي الجديد"، اضطرار المستشفيات الحكومية إلى "إيقاف كل خدماتها تقريباً لتستطيع احتواء أزمة كورونا". إن دلّ هذا على شيء، بالنسبة إليها، فهو "يدل على الأزمة والنقص الكبير الذي نعاني منه على مستوى عديد الأسرّة والموظفين". ومثل زميلتها في باريس، شاركت مارشون في التظاهرة، مطالبة بزيادة أعداد الموظفين ورفع رواتبهم وتحسين عقودهم، إضافة إلى رفع أعداد الأسرّة بما يتيح لجميع الفرنسيين الحصول على العناية اللازمة عند حاجتهم إليها.
اقــرأ أيضاً
تحلّل مارشون طريقة تعامل الحكومة مع هذا الملف، وتجد أنها تساهم في "تدمير المستشفيات الحكومية. منطق الحكومة هو التالي: تعترف بأن المستشفيات ليست بحالة جيدة، وتقول إن هذا يستدعي العمل على إصلاحها. ولإصلاحها، تتحدث الحكومة عن خطط أمام الإعلام. لكن هذا الكلام هدفه تنويم الناس وتأجيل القضية أكثر من أي شيء آخر. فنحن لا نملك أي تفصيل أو رقم عن هذا الإصلاح، بعكس الخطط التي قدمها ماكرون لشركات مثل رينو وغيرها، إذ أعطاهم أرقاماً واضحة بعدة مليارات، من دون أن يطلب منهم مقابل".
نسأل مارشون عمّا إن كانت قد حصلت على العلاوة التي وعدت الحكومة الفرنسية، أكثر من مرة، بتقديمها للعاملين في القطاع الصحي. تقول: "لم يصلنا شيء بعد، لا أنا ولا الذين أعرفهم. وعلى أي حال، كانت السلطة مضطرة إلى إعلان منح علاوة أمام الاهتمام الإعلامي بالأزمة، وأمام خيارها إرسالنا للاعتناء بمرضى مصابين بكورونا من دون حمايتنا وتزويدنا بالمعدات اللازمة لذلك".
تقول جيرفيه التي تعمل في قسم الأمراض المعدية في مستشفى بيشا الواقع شمال باريس، لـ"العربي الجديد": "سمعنا وعوداً كثيرة، كذلك فإن الحكومة أعلنت أربع مرات عن خطط ضخمة للنهوض بوضع المستشفيات، لكن شيئاً من هذا الكلام الجميل وهذه الوعود لم يتحقق على أرض الواقع. لم تعطنا الحكومة حتى الآن أرقاماً عن خططها. ما نريده هو أفعال ملموسة". وفي الواقع، ما فتئت الحكومة الفرنسية، منذ ثلاث سنوات، تقتطع مبالغ من ميزانيّة القطاع الصحي السنوية، وطالبت بتخفيضها بقيمة 800 مليون يورو (نحو 900 مليون و600 ألف دولار أميركي) لعام 2020 وحده".
وتشير جيرفيه، الناشطة في تجمع Inter-hôpitaux لتنسيق الحراك بين المستشفيات الحكومية، إلى المفارقة التي تعتري خطاب الحكومة، والتي تشيد بأهمية الأطباء والممرضين أمام الإعلام، وتطالبهم بالعمل بجد. لكن من جهة أخرى، لا تقوم بزيادة أعدادهم لتغطية الطلب الصحي. ولم تقم، منذ سنوات، بإعادة النظر في رواتبهم غير المتكافئة مع الجهد الذي يبذلونه وظروف عملهم.
"يُطلب منا أن نعمل بجدّ، وهو أمرٌ نسعى إليه ونؤمن به قبل غيرنا. لكن ثمة نقص كبير في عدد العاملين، سببه عدم إبرام الحكومة عقوداً أو سوء هذه العقود في مقابل الجهد المطلوب، خصوصاً بين الممرّضين والمساعدين الصحيّين، الذين يقوم الواحد أو الواحدة منهم بعمل موظّفين أو ثلاثة. لا بدّ من توظيف أعداد جديدة من هؤلاء، برواتب لائقة، ولا بدّ من زيادة رواتب جميع العاملين الحاليين في القطاع الصحي بمقدار 300 إلى 400 يورو"، وهو مطلب ترفعه غالبية النقابات التي توعدت السلطة باستكمال حراك الثلاثاء الماضي إن لم تتحسّن ظروف العمل.
وتنتقد جيرفيه تقليص الحكومة أعداد الأسرّة في المستشفيات بشكل اعتباطي، وهو أمر تحيله النقابات على تعامل السلطة مع مؤسسات العناية الصحية كشركات تبحث عن تحقيق الأرباح من خلالها مع صرف أقل قدر ممكن من التكاليف. لكن أزمة كورونا الأخيرة التي كشفت، أكثر من أي وقت مضى، فقر فرنسا في الأسرّة والممرضين والمساعدين، أظهرت أن طريقة تفكير كهذه بعيدة كل البعد عن واقع العناية الصحية. "لسنا ضد إغلاق بعض الأسرّة – على العكس، قد يبدو هذا ضرورياً في بعض الحالات. لكن لا بد من التوقف ولو لدقيقة عن سياسة الاقتطاع هذه، والتفكير ملياً في كيفية إعادة تنظيم القطاع الصحي بما فيه احترام الحاجات المختلفة للمدن والبلدات والأقاليم التي تقع فيها المؤسسات الصحية. ثمة أماكن تعرف فائضاً من هذه المؤسسات، فيما تبدو أماكن أخرى أشبه بصحراء عناية صحية".
"ما نطلبه هو الإصغاء إلى العاملين في القطاع الصحي ومنحهم صلاحيات أكبر لتنظيم عملهم. لا يمكن اتخاذ قرارات كهذه من مكتب إداري في باريس. خلال الأزمة الصحية الأخيرة، ابتكر العاملون في المستشفيات أساليب جديدة لتنظيم أنفسهم وتقديم وسائل جديدة من العناية بالمرضى في ظروف استثنائية. جاؤوا بهذه الأساليب من أفكارهم، من مخيلاتهم ومن خبرتهم. لا بدّ لهذا الأمر أن يستمر، لأنه أبدى فعاليّته. لا بدّ من إشراك العاملين في الصحة في اتخاذ قرارات متعلقة بتنظيم عملهم. هم الأدرى به"، تقول.
يعمل في القطاع الصحي الفرنسي نحو مليون و300 ألف شخص، من بينهم أكثر من 950 ألف شخص يعملون في المستشفيات والمستوصفات الحكومية، التي تعدّ من أكبر المشغّلين في البلد. وإن كانت رواتب الأطباء والمسؤولين الإداريين تزيد على 3 آلاف يورو شهرياً، فإن رواتب المساعدين الصحيين تتوقف وسطياً عند عتبة الـ 1750 يورو (نحو 1969 دولاراً)، فيما تصل رواتب الممرضين وسطياً إلى نحو 2300 يورو (نحو 2588 دولاراً). لكن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة الواقع تماماً، وخصوصاً أنها تُحسب عبر دمج جميع الرواتب، شديدة الاختلاف، بين الموظفين القدامى والجدد. على سبيل المثال، لا يتجاوز راتب الممرض عند توظيفه 1500 يورو، وهو رقم ضئيل إذا ما قورن بطبيعة العمل وساعات الدوام الطويلة والمناوبات الليلية.
آنا مارشون ممرضة في مستشفى إدوار هيريو في ليون، وهي من منظّمي حراك القطاعات والتظاهرات في هذه المدينة، بوصفها نقابيّة في "الكونفدرالية العامة للعمل". تنتقد، في حديثها لـ"العربي الجديد"، اضطرار المستشفيات الحكومية إلى "إيقاف كل خدماتها تقريباً لتستطيع احتواء أزمة كورونا". إن دلّ هذا على شيء، بالنسبة إليها، فهو "يدل على الأزمة والنقص الكبير الذي نعاني منه على مستوى عديد الأسرّة والموظفين". ومثل زميلتها في باريس، شاركت مارشون في التظاهرة، مطالبة بزيادة أعداد الموظفين ورفع رواتبهم وتحسين عقودهم، إضافة إلى رفع أعداد الأسرّة بما يتيح لجميع الفرنسيين الحصول على العناية اللازمة عند حاجتهم إليها.
تحلّل مارشون طريقة تعامل الحكومة مع هذا الملف، وتجد أنها تساهم في "تدمير المستشفيات الحكومية. منطق الحكومة هو التالي: تعترف بأن المستشفيات ليست بحالة جيدة، وتقول إن هذا يستدعي العمل على إصلاحها. ولإصلاحها، تتحدث الحكومة عن خطط أمام الإعلام. لكن هذا الكلام هدفه تنويم الناس وتأجيل القضية أكثر من أي شيء آخر. فنحن لا نملك أي تفصيل أو رقم عن هذا الإصلاح، بعكس الخطط التي قدمها ماكرون لشركات مثل رينو وغيرها، إذ أعطاهم أرقاماً واضحة بعدة مليارات، من دون أن يطلب منهم مقابل".
نسأل مارشون عمّا إن كانت قد حصلت على العلاوة التي وعدت الحكومة الفرنسية، أكثر من مرة، بتقديمها للعاملين في القطاع الصحي. تقول: "لم يصلنا شيء بعد، لا أنا ولا الذين أعرفهم. وعلى أي حال، كانت السلطة مضطرة إلى إعلان منح علاوة أمام الاهتمام الإعلامي بالأزمة، وأمام خيارها إرسالنا للاعتناء بمرضى مصابين بكورونا من دون حمايتنا وتزويدنا بالمعدات اللازمة لذلك".