خلال أربع وعشرين ساعة، توفي أربعة أطباء مصريين، متأثرين بإصابتهم بفيروس كورونا، ما دفع عددا من زملائهم لتقديم استقالاتهم من وزارة الصحة المصرية، اعتراضاً على تهاون النظام في حق الأطباء، وعدم توفير الرعاية الكاملة لهم في حربهم ضدّ الوباء العالمي.
وتقدّم كلا الطبيبين خالد نشأت ومحمود عبد العظيم باستقالتيهما، اعتراضاً على ما حدث للطبيب وليد يحيى، الذي توفي بفيروس كورونا، أمس الأحد.
وأرجع الطبيبان استقالتيهما، إلى ما وصفاه بـ"المأساة التي تعرّض لها د. وليد يحيى، وثبوت الإهمال من جانب وزارة الصحة تجاه الأطباء".
وقال الطبيب خالد نشأت، في استقالته: "حيث إننا كالجسد الواحد يتداعى بالسهر والحمى إذا اشتكى منه عضو واحد، فقد قرّرت تقديم استقالتي وأتبرأ أمام الله من كوني طبيبا عاملا بوزارة الصحة".
كما قال الطبيب محمود عبد العظيم في استقالته: "ترسّخ لدي اليقين بأن لا عصمة لنا ولا ثمن، وأنّ الوزارة لا تكتفي بتحميل أطبائها عجزها وفشلها وسوء إدارتها، ولكن تتقاعس حتى عن نجدتهم فى حال سقوط أحدهم حتى يقابل وجه الله".
أيّدت موقف الطبيبين نقابة الأطباء المصريين، التي أصدرت بدورها بياناً رسمياً، طالبت فيه جميع الجهات التنفيذية والتشريعية والرقابية بالقيام بدورها في حمل وزارة الصحة على حماية الطواقم الطبية، وسرعة توفير مستشفيات عزل خاصة لأعضاء الطواقم الطبية لضمان سرعة علاجهم.
وقالت النقابة في بيانها: "إن هذا حق أصيل للأطباء، وأيضا حتى يعودوا لتحمل المسؤولية في الدفاع عن سلامة الوطن".
وحذّرت النقابة من "تزايد وتيرة الغضب بين صفوف الأطباء لعدم توفير الحماية لهم، الأمر الذي سيؤثر سلباً على تقديم الرعاية الصحية"، كما حذّرت من أنّ "المنظومة الصحية قد تنهار تماماً، وقد تحدث كارثة صحية تصيب الوطن كلّه في حال استمرار هذَين التقاعس والإهمال من جانب وزارة الصحة، حيال الطواقم الطبية".
ثم أصدرت نقابة الأطباء المصريين، بياناً آخر بخصوص تزايد أعداد "الشهداء والمصابين بكورونا من الأطباء"، قالت فيه: "إنّ مواجهة جائحة وباء كورونا، هي واجب مهني ووطني يقوم به الأطباء وجميع أعضاء الطواقم الطبية بكل جدية وإخلاص، وهم مستمرون في أداء واجبهم دفاعاً عن سلامة الوطن والمواطنين. ومن نافلة القول إنّ هناك واجبا على وزارة الصحة حيال هؤلاء الأطباء وأعضاء الطواقم الطبية، الذين يضحّون بأنفسهم ويتصدّرون الصفوف دفاعاً عن سلامة الوطن، ألا وهو ضرورة توفير الحماية لهم وسرعة علاج من يصاب بالمرض منهم".
وتابعت النقابة: "لكن للأسف الشديد، فقد تكرّرت حالات تقاعس وزارة الصحة عن القيام بواجبها في حماية الأطباء، بداية من الامتناع عن التحاليل المبكرة لاكتشاف أي إصابات بين أعضاء الطواقم الطبية، إلى التعنّت في إجراء المسحات للمخالطين منهم لحالات موجبة، لنصل حتى إلى التقاعس في سرعة توفير أماكن العلاج للمصابين منهم، حتى وصل عدد الشهداء إلى تسعة عشر طبيباً كان آخرهم الطبيب الشاب وليد يحيى الذي عانى من ذلك حتى استشهد، هذا بالإضافة لأكثر من ثلاثمائة وخمسين مصاباً بين الأطباء فقط".
وحمّلت نقابة الأطباء، في البيان، وزارة الصحة المصرية المسؤولية الكاملة في ازدياد الإصابات والوفيات بين الأطباء، نتيجة تقاعسها وإهمالها في حمايتهم.
وقالت النقابة إنّها ستتخذ جميع الإجراءات القانونية والنقابية لحماية أرواح أعضائها، وستلاحق جميع المتورطين في هذا التقصير الذي يصل إلى درجة جريمة القتل بالترك.
ودعت النقابة جموع الأطباء للتمسّك بحقهم في تنفيذ الإجراءات الضرورية، قبل أن يبدأوا بالعمل، حيث إن العمل من دون توافرها يعتبر جريمة في حق الطبيب والمجتمع، وعلى الأخصّ في عدد من الإجراءات، منها "توفير وسائل الوقاية الشخصية الكاملة، وتلقي التدريب الفعلي على التعامل مع حالات كورونا، سواء في مستشفيات الفرز أو العزل، وإجراء مسحات في حال وجود أعراض أو مخالطة مصابين، من دون وسائل الحماية اللازمة، وتوفير المستلزمات والأدوية اللازمة لأداء العمل".
كما دعت النقابة جموع الأطباء لإخطارها عن وجود أية مشاكل في وسائل الحماية أو تقاعس في سرعة علاج المصابين، حتى تقوم النقابة بواجبها في مساندة الطبيب، وكذلك حتى يتم تقديم بلاغ للنائب العام، تتصدّى له الإدارة القانونية في النقابة، بكل واقعة على حدة.
تجدر الإشارة إلى أنّ مصر تعاني نقصاً شديداً في أعداد الأطباء لديها، وهجرة الأطباء والكوادر الطبية منذ سنوات.
ويقدّر عدد الأطباء في المستشفيات الحكومية والجامعية والخاصة في مصر، بحوالي 82 ألف طبيب من كافة التخصّصات، من أصل 213 ألف طبيب مسجّلين، بنسبة 38 في المائة من القوى الأساسية المرخّصة بمزوالة المهنة، وفق دراسة أعدّتها أمانات المستشفيات الجامعية والمكتب الفني لوزارة الصحة المصرية ومجموعة من الخبراء والمختصّين، حول أوضاع مهنة الطب البشري، واحتياجات سوق العمل من الأطباء البشريين في مصر.
ويقدّر عدد الأطباء في وزارة الصحة وحدها بحوالي 57 ألف طبيب، موزّعين على كل القطاعات الحكومية في الوزارة، ما بين طبيب تكليف أو ريف أو تخصّص، بينما العدد الأمثل لقطاعات وزارة الصحة هو 110 آلاف، أي أنّ هناك عجزاً قدره 53 ألف طبيب بالحكومة.
وحسب الدراسة نفسها، فإن 62 في المائة من الأطباء البشريين، إمّا يعملون خارج مصر أو استقالوا من العمل الحكومي أو حصلوا على إجازة.
وأضافت الدراسة أنّ طبيبًا واحدًا مخصّص لـ1162 مواطنًا، في حين أنّ المعدل العالمي هو طبيب لكل 434 فردًا، أو 8.6 أطباء لكل 10 آلاف مواطن، في وقت إنّ المعدلات العالمية هي 23 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن.
من جانبها، حاولت وزارة الصحة المصرية تدارك الأمر، بإعلانها "بدء العمل لتجهيز مستشفى عزل للأطباء المصابين بكورونا".
حيث أعلنت الوحدة المركزية لشؤون مقدمي الخدمة بوزارة الصحة والسكان المصرية، التجهيز لإعداد مستشفى عزل خاص للمصابين بفيروس كورونا، من أعضاء الفرق الطبية. وقالت الوحدة عبر حسابها على فيسبوك، إنّه "يجري اتخاذ اللازم نحو تجهيز وبدء العمل بمستشفى عزل للطواقم الطبية بالفعل خلال ساعات".
أطباء يتحركون للضغط
ظهرت الطبيبة والنقابية البارزة، منى مينا، عبر بث مباشر على حسابها الخاص على "فيسبوك"، للحديث مع الأطباء وأعضاء المهن الطبية، عن آليات الضغط على النظام المصري والحكومة ووزارة الصحة، لتنفيذ مطالب الأطباء والأطقم الطبية بعد سقوط عدد كبير منهم ضحايا لوباء كورونا.
وانتشرت دعوات بينهم، على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو لتقديم استقالات جماعية، أو تنظيم إضراب جماعي، من أجل إنقاذهم من الإصابة بالفيروس، باعتبارهم خط الدفاع الأول في مواجهة الوباء.
لكن منى مينا، رفضت تلك الدعوات، في البث المباشر، من المنطلقين الأخلاقي والقانوني، وأكّدت أن القوانين والأعراف العالمية تتنافى مع الإضراب أو الاستقالات الجماعية في ظلّ هذا الوباء العالمي.
وقدمت، في المقابل، عدة اقتراحات أخرى لعرضها على الأطباء، ومجلس نقابة الأطباء المصريين، لمناقشتها والبدء في تنفيذها، باعتبارها آليات للضغط لا تملك النقابة سواها، باعتبارها جهة نقابية وليست جهة تنفيذية.
ومن ضمن المقترحات التي قدمتها مينا، تنظيم مظاهرة إلكترونية، تبدأ بالتقاط صور للأطباء يرفعون لافتات مكتوبًا عليها "يسقط البروتوكول القاتل"، أو "أنقذوا المهن الطبية"، أو "تساقط الفرق الطبية يجعل الشعب المصري فريسة بدون دفاع أمام كورونا"، وغيرها من الشعارات.
كانت نقابة الأطباء المصرية، قد أعلنت احتجاجها رسميًا على بروتوكول مكافحة العدوى الذي عدلته وزارة الصحة المصرية أخيرًا، وطالبت النقابة، رسميًا، مؤسسة الرئاسة ووزارة الصحة المصريين، بالتدخل السريع والعاجل لتغيير تعليمات مكافحة العدوى التي جرى تعديلها أخيرًا، والذي أوقف إجراء المسحات الطبية على الأطقم الطبية المخالطة لحالات اشتباه بفيروس كورونا "كوفيد 19".
كما اقترحت مينا، تفعيل وسم ثابت ليشارك من خلاله الأطباء مطالبهم، التي تتمثل في تخصيص مستشفى عزل للأطقم الطبية في كل محافظة، لا مستشفى واحد فقط على مستوى الجمهورية، وتزويد الأطقم الطبية بوسائل وآليات مكافحة العدوى وخاصة البدل الوقائية.
وأشارت إلى أنه، في حال لم تتم الاستجابة لتلك المطالب، فسيتم تنظيم وقفة احتجاجية رمزية على سلم النقابة، مع المحافظة على التباعد الاجتماعي، للاعتراض على ما وصفته بـ"مظاهر الفوضى في مجابهة كورونا وخاصة مع الفريق الطبي".
وأعلنت منى مينا رفضها القاطع لتبني نقابة الأطباء مسؤولية معالجة الأطقم الطبية، لعدة أسباب، أولها أن "هذا وباء عالمي، وجميع الحكومات مسؤولة عن علاج الشعوب بما فيها الأطقم الطبية، ولا يمكن أن تتحمل تلك الأطقم أو نقاباتهم نفقة علاجهم"، فضلًا عن أن "أسعار العلاج في المستشفيات الخاصة بدأت من أول 20 ألف جنيه، وهو ما يعني إنفاق مئات الملايين، وهو ما يفوق أضعاف ميزانية النقابة بمراحل"، إلى جانب أنّ "النظام المصري أعلن تخصيص 100 مليار جنيه (حوالي 6 مليارات دولار) لمواجهة الوباء، من ضمنهم 5 مليارات جنيه فقط (حوالي 315 مليون دولار) لقطاع الصحة، وهو نسبة ضئيلة جدًا لخطوط الدفاع الأولى من الأطباء والأطقم الطبية في مواجهة الوباء، في الوقت الذي تمّ تخصيص ما يقارب الـ 50 مليارا لقطاع السياحة وحده".
Facebook Post |