أفراح غزة... كورونا يُعيد الشباب إلى الانتفاضة الأولى

25 ابريل 2020
حفل ولو بسيط (محمد الحجار)
+ الخط -

غيّر انتشار فيروس كورونا الجديد في العالم، ووصوله إلى قطاع غزة، الكثير من مخططات الشباب، خصوصاً المقبلين منهم على الزواج. هؤلاء اضطروا إلى الاكتفاء بالحفلات الصغيرة العائلية، كما في الماضي

أعادت حالة الطوارئ في قطاع غزة، نتيجة انتشار فيروس كورونا الجديد، القطاع إلى ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، خصوصاً في ما يتعلّق بطقوس الزفاف، حين كانت العائلات تحتفل على طريقتها خلال فرض حظر التجول من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في القطاع، عقب الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وقبل مجيء السلطة الفلسطينية عام 1994.

وتتذكر المسنة كريمان الأخرس (70 عاماً)، وهي من مخيّم الشاطئ، أنها أقامت لابنتها مريم حفل زفاف في ديسمبر/ كانون الأول في عام 1989، بعدما وزعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بياناً فرضت من خلاله حظر التجول نتيجة عمليات فدائية نفذت قبل يومين من موعد الزفاف الذي كان سيقام في أحد منازل العائلة الكبيرة. إلا أنها عادت وأقامته في منزلها الصغير وتجمعت نساء الحي وبعض الأقارب من المخيم.

وكرّر التاريخ نفسه مع الأخرس. كان حفل زفاف حفيدتها مقرراً في الخامس من إبريل/ نيسان الحالي في صالة على شاطئ بحر غزة، إلا أن العائلة اضطرت إلى إلغاء الحفل، واكتفت بزفّ العروس والعريس وسط زقاق المخيم وزغاريد الجيران. وتذكر أن الاحتلال الإسرائيلي كان يحصر كل طقوس الفرح داخل البيوت.

خاتم الزواج (محمد الحجار) 


وتقول لـ "العربي الجديد": "عشنا حروباً إسرائيلية ونكبات ونكسات كثيرة. إلا أننا شعب يحب الفرح ليس رغبة في نسيان الأحزان بل لأننا نريد عيش ما تيسّر من الفرح، ولو للحظات قليلة. ما هو إيجابي خلال فترة الحجر المنزلي أنني فعلاً أتذكر كل المناسبات والأفراح التي كانت تحصل خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي، وأراها تتكرر اليوم. المهم أن نعيش الفرحة، حتى لو لم تكن كاملة".

على هذا النحو، يتزوج الغزيون منذ إعلان إغلاق صالات الأفراح والمطاعم ومنع التجمعات في 25 مارس/ آذار الماضي. لكن على الرغم من ذلك، يُزفّ العرسان بما يتماشى مع الظروف الحالية. البعض يقيم احتفالات صغيرة، في وقت يُحضّر آخرون وجبات عشاء عائلية.



ويعمد كثيرون إلى إلغاء حجوزات الصالات والحفلات بهدف التخفيف من تكاليف الزواج، على غرار سمير أبو نهيل (28 عاماً) وعروسه آية (24 عاماً)، اللذين تزوجا في الثامن من الشهر الجاري. وقررا إقامة حفل صغير في منزل العروس، وعيش بعض التفاصيل الصغيرة والجميلة من خلال جلسة تصوير في إحدى المزارع شمال قطاع غزة، وأداء رحلة العمرة بعد انقضاء الأزمة في السعودية، بدلاً من صرف المال على حفل الزفاف.

في المقابل، الكثير من المقبلين على الزواج لم يترددوا في الزواج خلال هذه الأزمة. ويقول أبو نهيل لـ"العربي الجديد": "تصل كلفة بعض الأفراح إلى خمسة آلاف دولار. لكنني فكرت في أداء العمرة مع زوجتي وعيش أجواء دينية. المهم أن نفرح في النهاية". على الرغم من ذلك، لا ينكر أبو نهيل شعوره بالضيق بعض الشيء، إذ افتقد سهرة الشبان التي يتجمع فيها أصدقاؤه وجيرانه وأقاربه، إضافة إلى الجزء المتعلق بحناء العروس مع والدته. لكن بعد يومين من زواجه، شعر بالسعادة والرضا لأن قراره كان صائباً على حدّ قوله، ولأن كثيرين ممن يتزوجون يتكبدون تكاليف كبيرة يمكن الاستغناء عنها، وقد تمكن من توفير المال من أجل منزله وزوجته.

صورة للذكرى (محمد الحجار) 


من جهته، أقام باسل النجار (30 عاماً) حفلاً صغيراً في 10 إبريل/ نيسان الماضي، وذلك في منزل جدّه القديم في حي الشجاعية، ووضع "كوشة" في المنزل على غرار ما كانت تفعل العائلات سابقاً. ولم ينس بذل ذبيحة صباح يوم الزفاف بهدف مساعدة الفقراء والمحتاجين. قرر الشاب مساعدة المحتاجين بدلاً من صرف المال على حفل الزفاف، والذي يمكن أن يتجاوز العشرة آلاف دولار.

على مدار خمسة أعوام من عمل النجار كصاحب محل عطارة، عمد إلى ادخار المال لإقامة حفل زفاف كبير، خصوصاً أنه أكبر أحفاد جده الذي يعد مختار العائلة. لكن مع بداية أزمة كورونا، شجعه بعض أصدقائه على توفير التكاليف على الرغم من إصرار عائلته على إرجاء الفرح حتى نهاية صيف هذا العام.



يقول النجار لـ"العربي الجديد": "ندرك خطورة الوباء. ولعلّ هذه الأيام الصعبة تعطي دروساً كبيرة لنا كشباب، حتى لا ندفع الكثير من المال سواء في الأفراح أو الأحزان. كنت أشعر بأنني حرمت من الفرح بسبب الأزمة في غزة. لكن بعد يوم من الحفل الصغير، وجدت أن السعادة الحقيقية نستطيع أن نعيشها بأقل التكاليف. وأتمنى أن تنتهي أزمة كورونا قريباً وأقول لها شكراً لأنها كانت سبباً في توعيتنا حول التفاصيل الأساسية في الحياة".

دلالات