بدأ الأردن، الأحد الماضي، تخفيف الإجراءات الخاصة بحظر التجوّل من مدينة العقبة، على أن يشمل الأمر تدريجياً المحافظات التي لم تسجّل إصابات بفيروس كورونا. يأتي ذلك في حين ما زال كثيرون يشكون من التشدّد وإن كان بهدف وقايتهم.
قبل شهر واحد، في الواحد والعشرين من مارس/ آذار الماضي، فرضت السلطات الأردنية حظر تجوّل وحجراً منزلياً في كلّ أنحاء البلاد وذلك في إطار الإجراءات الخاصة بمواجهة فيروس كورونا الجديد. ولضمان نجاح الأمر، أكّدت الحكومة الأردنية مراراً على لسان القادة الأمنيين ووزيرَي الإعلام أمجد العضايلة ووزير الصحة سعد جابر، أنّها لن تتهاون مع تنفيذ ذلك التدبير وسيُضبط كلّ من يخالفه مع اتخاذ الإجراء القانوني بحقّه (غرامات وسجن)، مطالبة الجميع بالالتزام.
على الرغم من محاولات العودة التدريجية إلى الحياة اليوم، ما زال الأردنيون بمعظمهم يعانون في ظلّ حظر التجوّل. فاطمة العبادي، ربّة منزل، من بين هؤلاء الذين يشعرون بالضيق داخل جدران المنزل بعيداً عن الشوارع الفارغة. تقول لـ"العربي الجديد": "نحن بين نارَين هما الخوف من انتشار فيروس كورونا وخطره الذي يتهدّد الأردن، والضيق الذي ينتاب العائلة إذ إنّ البيت تحوّل سجناً صغيراً". تضيف: "لم نعتد مثل هذه الظروف، وثمّة معاناة من جرّاء نقص بعض الاحتياجات. الظروف لا تسمح بتلبية المتطلبات كلها، منها ما يرغب الأطفال في شرائه، لا سيّما أنّ المحال بمعظمها مغلقة باستثناء ما هو مرتبط بالمواد الغذائية كالبقالات ومحال بيع الخضار". وتشير إلى أنّه وسط الأوضاع الراهنة، فإنّ "التوتّر يسود البيوت ويؤثّر على العلاقات الأسرية، فيما الملل أصاب الجميع. نحن نشعر أنّنا في عزلة تامة، ونتمنّى أن تتغيّر الأوضاع في أقرب وقت".
من جهته، يشكو محمد سليم الذي يعمل في قطاع البناء، من أنّ "حظر التجوّل قطع أرزاقنا التي كنا نؤمّنها تقريباً يوماً بيوم. فأجرتي كنت أتقاضاها إمّا يومياً وإمّا أسبوعياً. واليوم مع استمرار التوقّف عن العمل، تتراكم المستحقات". يضيف لـ"العربي الجديد": "صحيح أنّ الحكومة تسعى إلى الحدّ من انتشار الفيروس ونحن نقدّر ذلك، غير أنّ الوضع غير مريح. ومنع التنقّل والعمل ينعكس سلبياً على الأسرة"، آملاً "ألا يستمر الحظر طويلاً".
في هذا الإطار، يقول عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤته الدكتور حسين محادين لـ"العربي الجديد": "من الناحية العلمية تتقدّم حياة الإنسان على المنجزات. وتبعات قرار الحظر وهي متعدّدة العناوين تصبّ في مركز الأشياء وهو الإنسان. فعندما تهدّد حياة الإنسان بمرض معد أو فيروس عدواني، تتراجع كلّ المعطيات حتى الحرية الفردية والمفاهيم الديمقراطية بهدف الحفاظ عليه كونه وسيلة الحياة وهدفها". وحول فكرة الوقاية من خلال حظر التجوّل، يؤيّد محادين أن "يميل صنّاع القرار إلى الوقاية والحلّ الأكثر صرامة، خصوصاً في ظلّ التجارب الإقليمية والعالمية بالتعامل مع فيروس كورونا"، لافتاً إلى أنّ "الفيروس توسّع في انتشاره في الدول التي أهمل مواطنوها الإجراءات الاحترازية وبالتالي أتت النتائج سلبية فيها". يضيف محادين أنّ "القرارات الحكومية جريئة بهدف توسيع مساحة الوقاية، خصوصاً أنّ هذا الفيروس لم يظهر له علاج بعد".
ويشير محادين إلى أنّ "الشعوب نوعان في الامتثال لمثل هذه القرارات: شعوب تؤمن بالعمل المؤسسي والديمقراطي، ويكون ضبطها داخليا كالدين والضمير والأخلاق والمصلحة العامة، وشعوب تحتاج إلى ضبط خارجي لمثل هذه القرارات الحاسمة نتيجة تهوّر قلة من الأشخاص وعدم امتثالهم للقانون والمصلحة العامة". ولا ينكر محادين أنّ "الترقّب من أصعب ما تعيشه المجتمعات من منظور علم النفس الاجتماعي، لكنّه يتوجّب على الجميع الالتزام الشامل بتوجيهات السلطات الرسمية وأوامرها، للحؤول دون انتشار الفيروس". ويتابع محادين أنّه "مع الحظر، بوسعنا أن نقضي وقتاً كافياً مع أولادنا وأسرنا في بيوتنا، وأن نتناول الطعام ونلجأ إلى النِكات والألعاب ونتشارك المشاعر في ما بيننا، فنستمتع بوقتنا من دون أن يرحل العالم عنّا كما كنّا نظنّ ربّما قبل اجتياح كورونا ليومياتنا".
أمّا المستشارة النفسية والأسرية الدكتورة دلال العلمي، فتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة أشخاصاً لا يستطيعون تحمّل مثل هذا القرار الذي يحشرهم في البيوت"، مشيرة إلى أنّها تلقّت "اتصالات استشارية من مواطنين شكوا من أنّهم لا يستطيعون البقاء كلّ هذا الوقت في البيت بعدما اعتادوا الحركة بحرية تامة. فذلك يجعلهم يشعرون بحالة من الاكتئاب". تضيف العلمي أنّه "ليس بمقدور الجميع التعامل مع الحظر بإيجابية، إنّما المحاولة ضرورية لكي يعدّ الناس فترة حظر التجوّل هذه إجازة ووقتاً للراحة وفرصة لترتيب الأولويات وتخصيص وقت أكبر للهوايات المحببة".
وتنصح العلمي "الأمهات، لا سيّما العاملات منهنّ، بقضاء وقت أكبر مع أولادهنّ كفرصة لإعادة توثيق الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة من خلال اللعب الجماعي والأحاديث المشركة"، داعية إلى "تخصيص غرفة للعب الجماعي للأطفال إذا كان ذلك ممكناً وحثّهم على مسابقات ثقافية وفنية عائلية والمطالعة والرسم". وتشدّد العلمي على أنّ "هذا الوقت مناسب ليتقرّب أفراد الأسرة من بعضهم بعضا"، لافتة إلى ضرورة التخفيف من التوتّر العصبي غير المفيد من خلال التكيّف مع الحظر المفروض". وتتابع العلمي أنّ "ظرفاً مماثلاً يكون أقلّ وطأة على النفس عندما يكون مفروضاً على الجميع والهدف منه حمايتهم، غير أنّ استعداد الناس وتحمّلهم يتفاوتان من شخص إلى آخر".