يواجه نحو 8.5 ملايين يمني ممّن يحصلون على مساعدات غذائية شهرية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين انخفاضاً بلغت نسبته 50 في المائة من حجم المساعدات المقدمة من برنامج الأغذية العالمي. أمّا السبب فقد أعاده تقرير أعدّته شبكة نُظم الإنذار المبكر من المجاعة التابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى البيئة المقيّدة للعمل الإنساني المستقل والمحايد التي يواجهها البرنامج بشكل متزايد في تلك المناطق. وكان البرنامج قد حذّر في نهاية عام 2019 من زيادة القيود التشغيلية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مؤكداً أنّ تلك العوائق ستدفع البرنامج إلى تخفيض المساعدة الغذائية الشهرية للعدد المشار إليه آنفاً، علماً أنّ إجمالي عدد المستفيدين في كلّ أنحاء اليمن يصل إلى 13 مليوناً.
وهذا الإجراء سيقلّل إلى حدّ خطير وصول الغذاء إلى اليمنيين الذين كانوا يعانون بالفعل انعداماً في الأمن الغذائي، وسيسهم في تفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلاد بحسب خبراء. ومن المتوقع أن يزداد خطر الجوع بسبب الآثار السلبية المتوقعة على خلفية تخفيض المساعدات وارتفاع أسعار المواد الغذائية في ظلّ تزايد المخاوف من تفشي فيروس كورونا وما يترتّب على ذلك من انعدام للأمن الغذائي، خصوصاً بالنسبة إلى النساء والأطفال.
يأتي ذلك في حين فرضت السلطات المتصارعة والمختلفة، وسط المخاوف من كورونا، إجراءات وقائية عدّة من بينها ما يقضي بتخفيض أعداد العاملين في القطاعَين العام والخاص المتضرّرَين أساساً من الحرب التي أفقدت ملايين اليمنيين مصادر رزقهم. وفي السياق، يوضح الخبير في المجال التنموي والغذائي عبد الإله محمد أنّ "الضرر الناتج من هذا الإجراء كبير وأنّ الأسر اليمنية المستحقّة لهذه المساعدات تعاني نقصاً في الغذاء على الرغم من المساعدات". يضيف محمد أنّ "الإجراءات المتّخذة للحدّ من انتقال فيروس كورونا (منذ ما قبل وصوله إلى اليمن) تسبّبت في تسريح عدد كبير من العمّال في القطاع الخاص، فهؤلاء خضعوا لتعميم وزارة الشؤون الاجتماعية بتخفيض العاملين بنسبة 80 في المائة. كذلك تكرّر الأمر مع القطاع الحكومي، فكثيرون ممّن كانوا يعملون فيه كانوا يتلقّون بدلات مصاريف كانت تغطي على قلّتها ثغرات بالنسبة إليهم". ويلفت محمد إلى أنّ "7.4 ملايين معرّضون للموت جوعاً، وقد صاروا في الدرجة الخامسة من مؤشّر التصنيف المرحلي المعتمد من قبل كتلة الغذاء والزراعة (مجموعة منظمات تهتم بتوزيع الغذاء والزراعة)".
ويتابع محمد أنّه "خلال الأشهر القليلة الأولى من العام الجاري، أصيب اليمنيون بنكبات متتالية أصابت بجميعها مصادر رزقهم وغذاءهم في مقتل"، مشيراً إلى أنّ "الحكومة الأميركية هدّدت بقطع مساعداتها التي بلغت 740 مليون دولار أميركي في عام 2019، في منتصف فبراير/ شباط الماضي، لتنفّذ ذلك وتوقف معظم مساعداتها لمناطق سيطرة الحوثيين مع نهاية مارس/ آذار الماضي. وهو ما يحرم الملايين من الأشدّ فقراً". أمّا خفض المساعدات المقدمة من برنامج الأغذية العالمي فيأتي قبيل شهر رمضان بحسب ما يقوله محمد؛ "في حين أنّ الناس يأملون الحصول على مساعدات البرنامج مثلما درجت العادة. وكثيرون ممّن حُرموا من نصف المساعدات أخيراً ينتظرون مساعدات من معارفهم أو أقاربهم المغتربين ومعظمهم في السعودية. لكنّ مغتربين كثيرين لن يتمكّنوا من تقديم المساعدة التي اعتادوا أن يقدموها في السابق، بعد انخفاض حاد في مداخيلهم بسبب الحظر المفروض عليهم من قبل السلطات السعودية نتيجة فيروس كورونا. بالتالي، لم يعد أمام فقراء اليمن سوى زيادة الشدّ على بطونهم للتكيّف مع الأسوأ".
ويستنكر محمد "قيام المنظمات الإغاثية بمعظمها بتقديم المساعدات الغذائية، وعدم دعم المجتمعات المتضررة عبر آلية النقد في مقابل العمل لا سيّما مع طوال أمد الحرب". بالنسبة إليه، "إنّ أحد الحلول المستدامة التي يمكن من خلالها مواجهة مشكلة تقليل نسبة المساعدات يتمثّل في تحوّل عمل المنظمات بمعظمه إلى دعم المزارعين، عبر استصلاح الأراضي الزراعية وتوفير البذور ووسائل الريّ الاقتصادية. بذلك يُوفَّر للمزارعين الفقراء وأسرهم الغذاء الدائم مع تحقيق العرض الغذائي اللازم للسوق المحلية". ويوضح أنّ "مثل هذه الإجراءات سيكون لها أثر في خفض أسعار الغذاء والتوقّف عن الاتكال المستمر على المنظمات والاختناق بمشكلاتها المتكررة مع السلطات".
ويُعَدّ برنامج الأغذية العالمي أكبر لاعب إغاثي في اليمن، فهو خصّص 1.2 مليار دولار أميركي في العام الماضي لدعم الفقراء بالغذاء والمساعدات المالية غير المشروطة وتقديم الغذاء للأمهات الحوامل والأطفال دون الخامسة المصابين بسوء التغذية المتوسط. تجدر الإشارة إلى أنّ في ظلّ الحرب المستمرّة في البلاد منذ أكثر من خمسة أعوام، كانت الأمم المتحدة قد أعلنت أنّ "اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأنّ نحو 80 في المائة من سكانه في حاجة إلى مساعدات وحماية".