ملتزمون بالحجر في لبنان

28 مارس 2020
يلتزم بوضع الكمامة (حسين بيضون)
+ الخط -

بعض اللبنانيين الذي شكّوا في احتمال إصابتهم بفيروس كورونا الجديد آثروا البقاء في منازلهم حفاظاً على صحتهم وصحة الآخرين، ورووا لـ "العربي الجديد" تجربتهم

يسيطر الخوف على الكثير من اللبنانيين في ظل ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا الجديد، لكن مع ذلك، يبقى هناك تفاوت في الالتزام بالحجر المنزلي. في المقابل، أظهر كثيرون ارتفاعاً في حسّ المسؤولية وعزلوا أنفسهم منذ بداية الأزمة وقبل أن تعلن الدولة اللبنانية التعبئة العامة في 15 مارس/آذار الماضي.
عاشت اللبنانية سلمى يونان فترة صعبة جداً. شعرت بعوارض مشابهة لعوارض فيروس كورونا الجديد، علماً أنها تتكرّر معها سنوياً خلال فصل الربيع، إذ تعاني من التهابات في الحنجرة من جراء تغيّر الطقس، بحسب ما تروي لـ "العربي الجديد". نقلت من المنزل إلى المستشفى من خلال الصليب الأحمر اللبناني، ما أحدث حالة من الهلع في بلدتها مغدوشة (جنوب لبنان)، وأثر عليها معنوياً.

تضيف: "على الرغم من علمي بالعوارض، أردت إجراء الفحص الخاص بكورونا من أجلي وبهدف حماية عائلتي، لا سيما أنّ مناعتي ضعيفة جدّاً. بقيت في المستشفى 11 ساعة تقريباً قبل أن تصدر النتيجة وأعرف أنها سلبية". فور مغادرتها المستشفى، حرصت يونان على تصوير مقطع فيديو بثته عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك" لتعلن نتيجة الفحوصات، وتمنت على أهالي بلدتها الكفّ عن تداول خبر إصابتها بالفيروس الذي طاول عائلتها أيضاً، ما أثّر عليهم كثيراً وعلى تعاطيهم مع الجيران.

تقول لـ "العربي الجديد": "لو كنت مصابة بالفيروس، كنت سأعلن عن الموضوع سريعاً، لأن هذا المرض ليس لعبة، وعلينا ألّا نخجل منه، بل على العكس يجب الاعتراف به من أجل تخطيه واتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم تعريض أي شخص للخطر، وعلينا الالتزام بالبقاء في المنزل لتمرّ هذه الفترة، وتسريع الحدّ من انتشار الوباء حتى نستعيد حياتنا الطبيعية".



بدورها، سافرت اللبنانية ريتا فخري من بيروت إلى دبي قبل إعلان التعبئة العامة وارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا، وخضعت للفحوصات اللازمة في المطارَيْن، وملأت الاستمارات المطلوبة في لبنان والتي تضمّ معلومات عنها ومكان سكنها ورحلتها وغيرها من التفاصيل التي تعرّف عنها ومكان وجودها عند العودة إلى بلدها، كما تقول لـ"العربي الجديد".

وتشير إلى أنّ ارتفاع عدد الإصابات في لبنان أحدثَ خوفاً لديها وجعلها تقرّب موعد عودتها إلى بلدها، ولا سيما أن رحلتها كانت الأسوأ في حياتها، نظراً لالتزامها الاختياري البقاء في الفندق نتيجة شعورها بالمسؤولية تجاه نفسها والمواطنين، حيث كانت تقيم في دبي.

وتؤكد أنّه لدى عودتها، حرصت على تغليف حقيبتها واتباع كافة الإرشادات والتعليمات اللازمة للوقاية من كورونا. كما أن شقيقتيها اللتين اصطحبتاها من المطار، عمدتا إلى تعقيم الأمتعة والسيارة، مشيرة إلى أنّها التزمت الحجر المنزلي لمدة أسبوع، على الرغم من عدم إصابتها بالفيروس وعدم ظهور أي عوارض كورونا عليها. لكنّها أصرّت على ذلك قبل أن تلتقي والديها الكبيرين في السنّ. كما طلبت منها الشركة التي تعمل فيها البقاء في المنزل لفترةٍ قبل العودة إلى العمل، وذلك قبل إقفال الشركة تطبيقاً لقرار التعبئة العامة.

يتأكدان من التزام المواطنين بالحجر (حسين بيضون) 


وتُقرّ ريتا أنّها تلتزم الوقاية بشكل تام. لم تعد تلتقي أي شخص، كما أنّها تُعقّم كل شيء في المنزل على مدار اليوم، ولا تلمس شيئاً قبل تعقيمه جيداً، مشيرة إلى أن أسلوب حياتها كلّه تغيّر خوفاً من الإصابة أو نقل العدوى لأهلها إذا ما ظهرت عليها العوارض.

في السياق، يؤكد الطبيب والاستشاري النفسي باسكال رعد لـ "العربي الجديد" أنّ تداعيات كورونا نفسية أيضاً وليست فقط جسدية، في ظل الحجر الصحي المنزلي الذي يحصر الناس في مكانٍ واحدٍ لفترةٍ طويلة نسبياً مقارنة مع روتين حياتهم السابق. ويشدّد على أنّ الحجر يزيد من الشعور بالقلق والتوتر، خصوصاً في ما يتعلّق بالأشخاص الذين يعانون من أزمات نفسية يحاولون تخطّيها عادةً بالخروج والسهر وتمضية الوقت مع الأصدقاء.



ويلفت رعد إلى أنّ الأزمة النفسية التي يعيشها كثيرون ليست مرتبطة فقط بكورونا، بل تنتج أيضاً عن الأزمة الاقتصادية التي كانوا يعانون منها، وباتت أخطر اليوم بسبب الدمار الذي يلحقه الفيروس بالاقتصاد الذي تأثر مع إقفال المؤسسات لفترة قاربت الشهر، ما يدفع البعض إلى عدم الالتزام بالبقاء في المنزل، لأنهم يخرجون لتأمين لقمة عيشهم.

ويشير إلى أنّه من الحالات النفسية التي أحدثها فيروس كورونا ما يعرف بـ "الوسواس القهري" بكلّ ما يتعلق بالنظافة، إذ يصبح الشخص مهووساً بمحاربة الفيروسات والميكروبات، ما يؤثر أيضاً على وضعه النفسي ويشعره بالتعب، وقد يرتفع منسوبه إذا طالت فترة الحجر.
انطلاقاً من هنا، ينصح رعد الناس بالبحث عن بدائل تلهيهم، وتحديداً لمن ليس معتاداً على البقاء وحده وتسلية نفسه. من هذه البدائل، ممارسة الرياضة داخل المنزل، ما من شأنه أن يقوي المناعة أيضاً ويعطي الجسم النشاط الذي يفقده نتيجة غياب الحركة والجلوس طيلة النهار، إضافة إلى العمل من البيت والتحدث مع الأصدقاء والعائلة عبر وسائل التواصل بتقنية الفيديو، وغيرها من الأمور الترفيهية وحتى التثقيفية.
دلالات
المساهمون