تكاتف لمساعدة المتضررين في العراق

26 مارس 2020
الشوارع شبه خالية في العراق (فاطمة بحرامي/ الأناضول)
+ الخط -

يسعى المواطنون العراقيون إلى مساعدة بعضهم بعضاً خلال أزمة فيروس كورونا الجديد، خصوصاً دعم أولئك الذين فقدوا مصدر دخلهم
منذ أن فرضت السلطات العراقية حظر التجول، نتيجة الإعلان عن وجود حالات إصابة بفيروس كورونا الجديد في البلاد، مطلع مارس/آذار الجاري، تضررت أعداد كبيرة من العائلات، خصوصاً تلك التي تعتمد في معيشتها على الأعمال الخاصة أو تتقاضى أجراً يومياً. ويعدّ عمال الأجر اليومي وأصحاب الدخل المحدود الذين يعملون في مهن بسيطة في الأسواق والمحال التجارية، الأكثر تضرّراً بسبب انقطاع مواردهم المادية.

لكن ما لفت الانتباه هو حالة التكاتف الواسعة التي ظهرت في المجتمع، بعدما انتشرت دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المناطق السكنية، لمساعدة العائلات التي تضررت نتيجة الحجر المنزلي وحظر التجول. وتفاوتت حملات التكاتف بين إعلانات من مالكي العمارات السكنية وأصحاب المولدات الكهربائية ومالكي المحال التجارية إعفاء المستفيدين والساكنين من مستحقات هذا الشهر والشهر المقبل. وعمد آخرون إلى أخذ بدلات رمزية. كما أعلن الكثير من الأطباء إجراء فحوصات مجانية. أما بعض الدكاكين، فمزق أصحابها دفاتر الديون.

وللأسبوع الثاني على التوالي، يواصل ناشطون محليون في مدن مثل بغداد والموصل والفلوجة وبعقوبة وتكريت والنجف والناصرية إطلاق حملات عفوية لمساعدة الأسر التي كانت تعتمد على الأجر اليومي في قوت يومها، وتفاوتت بين توزيع مبالغ مالية بسيطة وسلال غذائية. ويقول أحمد طالب (34 عاماً)، وهو ناشط في الموصل، إنهم يجمعون مساعدات غذائية من أصحاب المحال والتجار ويقومون بترتيبها وتوزيعها على الناس. يضيف لـ "العربي الجديد" أن الأمر عبارة عن "مبادرات ذاتية منا، لأن نسبة الفقر زادت لدى الكثير من العائلات بفعل حظر التجول". ويقول: "فرحتهم تكفي لنستمر في هذا العمل".



وكان رئيس الجمهورية برهم صالح قد دعا إلى التكاتف لمواجهة أزمة فيروس كورونا، وأقر بأن البنى التحتية للمنشآت الصحية ليست بالمستوى المطلوب. وكان لرجال الدين موقف واضح في هذا الشأن، وبادر كثيرون إلى حث الناس عبر خطب الجمعة، للتبرع بالمال أو المواد الغذائية من أجل توزيعها على الأسر المتضررة. ويقول سلام الدليمي، وهو إمام مسجد في منطقة الرصافة في بغداد لـ "العربي الجديد"، إن هذه التجربة ليست الأولى في هذا الصدد، مؤكداً أن "هذا ما دأب عليه جميع أئمة المساجد باستمرار، خصوصاً عند الشدائد". يضيف: "كل المساجد، سواء السنية أو الشيعية، أخذت دورها في هذا الجانب وبدأت تعمل على مساعدة المتضررين من حظر التجول ممن يسكنون في الرقعة الجغرافية التي تقع فيها هذه المساجد. هذا التكافل يساعدنا على تخطي الأزمة، ويساعد السلطات المحلية في أداء واجبها للقضاء على هذا الوباء".

بدوره، يقول عمر عزالدين، وهو ناشط في المجال الإغاثي، إن "التكاتف في مثل هذه الظروف يساعد كثيراً في القضاء على الوباء". يضيف لـ "العربي الجديد": "من خلال عملي الإغاثي، أنا على اطلاع عن قرب على الواقع الصحي في العراق الذي يعتبر سيئاً من ناحية البنى التحتية ووجود نقص كبير في الخدمات العلاجية البسيطة، وهذا يصعب على الكوادر الطبية إتمام عملها بنجاح في حال ارتفعت نسب الإصابة بفيروس كورونا".

يتابع: "الوقاية خير من العلاج. هذا ما نعمل عليه نحن مجموعة من المتطوعين في منظمات مدنية. رأينا أن توفير احتياجات العائلات المتضررة من حظر التجول، والذين يتقاضون أجوراً يومية، يساهم في القضاء على الفيروس أو عدم إصابة أعداد أكبر به". ولم تشمل المساعدات المواد الغذائية فقط، وكلها تصب في صالح الأشخاص الأكثر تضرراً من جراء حظر التجول.

من جهته، يقول جواد كاظم، الذي يُلمّع الأحذية في شارع الكرادة وسط بغداد، إنّ عمله توقف بسبب حظر التجول، وأغلقت المحال التجارية والمقاهي والمطاعم أبوابها، في حين أن عليه توفير احتياجات أسرته، وبدل مولد الكهرباء. وكان قد قرر أن يلغي اشتراكه الشهري ويكتفي بالكهرباء الحكومية التي تصل إلى نحو 8 ساعات يومياً. يضيف لـ "العربي الجديد" أن مالك مولد الكهرباء رفض أن يلغي اشتراكه حين علم بحجم الضرر الذي لحق به، وقرر أن يزوده بالكهرباء مجاناً حتى يرجع الحال إلى ما كان عليه في السابق.



كاظم يقول إن صاحب المولد ليس الوحيد الذي سانده في محنته هذه، بل حتى صاحب الدكان الذي اعتاد التسوق منه. ويوضح أنه "رفض أن أدفع له ثمن الخضار التي اشتريتها منه، حتى أنه زاد عليها بعض الفاكهة، وقال لي خذ ما تحتاجه حتى تعود إلى عملك". وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وثق كثيرون حملات تطوعية لتوزيع مساعدات غذائية مختلفة على العائلات التي تعاني من ضائقة مالية نتيجة الحظر. ويؤكد القائمون على تلك الحملات أن نشرها على مواقع التواصل يحث الآخرين على التبرع أو المبادرة بمساعدة أقاربهم أو جيرانهم أو أصدقائهم المتضررين.

تقول فائزة نعيم، وهي ربة بيت (47 عاماً)، إن صور حملات التكاتف التي وصلتها من خلال رسائل عبر منصات التواصل الاجتماعي شجعتها على تقديم معونات لعائلات داخل حيها الذي تسكنه. تضيف لـ "العربي الجديد": "أصبحت أحث أقاربي ومعارفي على مساعدة العائلات المتضررة من جراء الحظر. أجد أن الحال الذي نمر به يحتم علينا مساعدة الآخرين وأن نتكاتف لكي ننجو جميعاً من هذا الوباء".
دلالات