أستراليا تحترق... 84 ألف كيلومتر مربّع من الرماد

E5B52447-A8DA-4A9A-B77F-49F96916FBDA
ميليا بو جوده
صحافية لبنانية، محرّرة في قسم المجتمع بموقع وصحيفة "العربي الجديد".
10 يناير 2020
C2B7E964-59DB-48B9-AA15-3277A8069DEE
+ الخط -

هائل هو الدمار الذي خلّفته وما زالت الحرائق المستمرة في أستراليا منذ أربعة أشهر، فيما تُحمَّل رئاسة الوزراء المسؤولية، نظراً إلى عدم تصدّيها للتغيّر المناخي الذي يُعَدّ واحداً من أسباب الكارثة.

تمضي النيران في التهام مساحات كبيرة من أستراليا وفي الإجهاز على الحياة بمختلف أشكالها في تلك المناطق، على خلفيّة التغيّر المناخيّ وما يترتّب عليه من ارتفاع في درجات الحرارة مضافَين إلى سنوات طويلة من الجفاف. وخبراء كثر كانوا قد توقّعوا هذه الكارثة الممتدّة منذ سبتمبر/أيلول الماضي. علماً أنّ أستراليا تُعرف بأنّها أكثر البلدان تعرّضاً للحرائق. وإلى حين كتابة هذه الأسطر، التهمت النار نحو 84 ألف كيلومتر مربّع (أي أكبر من مساحة بلد كالنمسا)، منها 49 ألفاً في ولاية نيو ساوث ويلز، الأمر الذي يُعَدّ رقماً قياسيّاً، بحسب الجهات المعنيّة. وفي مجرّد ملاحظة، فإنّ الحرائق التي اجتاحت الأمازون في العام المنصرم والتي تأهّب من أجلها قادة العالم والناشطون البيئيّون وغيرهم، قضت على نحو 25 ألف كيلومتر مربع من الغابات المطيرة. 

الحرائق ليست غريبة على أستراليا، فهي تتكرّر عادة في كلّ فصل صيف في القارة الأستراليّة، من ديسمبر/كانون الأوّل إلى فبراير/شباط. لكنّ الحرائق الأخيرة اشتعلت قبل أشهر من موسمها المعتاد، على خلفيّة ارتفاع كبير في درجات الحرارة، لتستعرّ منذ نهاية العام المنصرم وتطاول، إلى جانب ولاية نيو ساوث ويلز، ولايات فيكتوريا وكوينزلاند وجنوب أستراليا وغرب أستراليا وتسمانيا. وابتداءً من سبتمبر/أيلول الماضي، سُجّل مقتل 27 شخصاً وفقدان عدد آخر وإجلاء عشرات الآلاف من السكان وتدمير آلاف المنازل وانقطاع خدمات الكهرباء والهاتف الخلويّ عن بعض البلدات. كذلك، اضطرّ آلاف السيّاح إلى مغادرة الساحل الجنوبيّ الشرقيّ لأستراليا على عجل. بالتزامن، أعلنت الحكومة الأستراليّة عن حالة طوارئ، كاشفة عن إجراءات استثنائيّة في السياق. فهي استدعت الآلاف من جنود الاحتياط لتقديم المساعدة في مكافحة الحرائق، وطالبت بموارد إضافيّة للإغاثة، منها سفينة بحريّة ثالثة مجهّزة لعمليّات الإغاثة الإنسانيّة والإنقاذ من الكوارث. لكنّ الانتقادات التي توجَّه إلى رئيس الوزراء الأستراليّ سكوت موريسون تكثر في الآونة الأخيرة، على خلفيّة أنّه لم يعر الأزمة الكبرى التي تعرفها البلاد الاهتمام اللازم، لا بل أتت استجابته متأخّرة بعض الشيء. ويُحمَّل موريسون مسؤوليّة عدم العمل من أجل التصدّي للتغيّر المناخيّ الذي يُعَدّ واحداً من الأسباب الأساسيّة للكارثة ذات التكلفة الباهظة جدّاً على الصعد كافة.



ويطاول الضرر الأكبر الحياة البريّة، منها الحيوانات التي يرمز عدد منها إلى أستراليا تحديداً. وتفيد الأرقام الأخيرة المتوفّرة بأنّ أكثر من 800 مليون حيوان نفق من جرّاء حرائق نيو ساوث ويلز وحدها، فيما يتجاوز العدد المليار على مستوى أستراليا كلّها. هذا ما كشفه البروفسور كريستوفر ديكمان من جامعة سيدني، في الثامن من يناير/كانون الثاني الجاري، في تحديث لتقرير أعدّه خبراء بيئيّون في جامعة سيدني ونشروه قبل ذلك بخمسة أيّام. يُذكر أنّ الرقم المشار إليه في الثالث من يناير/كانون الثاني الجاري كان نحو 480 مليون حيوان منذ سبتمبر/أيلول الماضي، ما يعني أنّ العدد تضاعف مرّتَين في هذه الفترة الزمنيّة القصيرة جدّاً.

وقد أوضح الخبراء بقيادة ديكمان أنّ الأرقام تشمل الحيوانات الثدييّة والطيور والزواحف، من دون احتساب الحشرات والضفادع والخفافيش. ونفوق تلك الحيوانات يأتي إمّا بسبب الاحتراق وإمّا من تبعات الكارثة، خصوصاً فقدان مصادر الغذاء والملجأ أو وقوعها ضحيّة حيوانات مفترسة. وثمّة خوف يُسجَّل من اختفاء أنواع جديدة من الحيوانات بأنواعها في مثل هذه الكوارث، لا سيّما أنّ 34 نوعاً ونوعاً فرعيّاً من الحيوانات الثدييّة الأصليّة انقرضت في أستراليا في الأعوام المائتَين الماضية، وهو ما يُعَدّ المعدّل الأعلى لخسارة الحيوانات في أيّ منطقة من العالم، بحسب ما يؤكّد تقرير الخبراء نفسه. يُذكر أنّ في أستراليا أكثر من 300 نوع من الحيوانات الثدييّة الأصليّة.




ويُعَدّ الكنغر والكوالا من الحيوانات التي نفقت حرقاً أكثر من سواها، علماً أنّ نحو ثلث حيوانات الكوالا في نيو ساوث ويلز لقيت حتفها فيما دُمّر ثلث موطنها الأصليّ هناك، بحسب ما صرّحت وزيرة البيئة الأستراليّة سوسان ليي، في حديث إذاعيّ، في السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأوّل المنصرم. ولفتت ليي في الحديث نفسه إلى أنّ العمل جارٍ مع خبراء في شؤون الكوالا بهدف إقامة ممرّات آمنة لها ووضع خطط لإطلاق تلك التي كانت تُعالج في المستشفيات. واليوم، من المتوقّع أن يكون الرقم قد ارتفع، وهذا أمر لا يبشّر بالخير؛ إذ إنّ الكوالا من الحيوانات المهدّدة بالانقراض في الأساس.

وتستعرّ الحرائق في المناطق المتضرّرة، لا سيّما منذ الأيّام الأخيرة من العام المنصرم، نتيجة الأحوال الجويّة المسجّلة في المنطقة. فدرجات الحرارة المرتفعة والرياح وسواهما تجعل من المستحيل السيطرة على النيران. على الرغم من ذلك، يستمرّ رجال الإطفاء الأستراليّون وكذلك المتطوّعون في بذل جهود كبرى لاحتواء ألسنة النار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. يُذكر أنّ الأمطار الأخيرة والانخفاض في درجات الحرارة أتيا ليخفّفا على هؤلاء بعض الشيء، فيتمكّنون من أخذ نفس عميق نوعاً ما قبل موجة جديدة من الحرائق إثر ارتفاع درجات الحرارة مرّة أخرى. وهؤلاء الذين يعرّضون حياتهم للخطر في كلّ لحظة، سقط منهم بالفعل عدد من الضحايا ما بين قتيل وجريح، وهم اليوم ماضون في مهامهم فتُوجَّه إليهم التحيّة.



إذاً الطبيعة هي التي تفرض أحكامها، لا سيّما مع ارتفاع درجة حرارة الأرض هناك، على خلفيّة التغيّر المناخيّ. وفي تقريرها الأخير حول مناخ أستراليا في عام 2019، الصادر أمس الخميس في التاسع من يناير/كانون الثاني، تؤكّد دائرة الأرصاد الجويّة الأستراليّة أنّ العام المنصرم كان الأكثر سخونة في تاريخها المسجّل، مع ارتفاع في معدّل الحرارة السنويّة قدره 1.52 درجة مئويّة. بذلك يكون هذا العام قد تخطّى ما سُجّل في عام 2013 مع 1.33 درجة مئويّة. وتؤكّد الدائرة أنّ العام المنصرم يُعَدّ الفترة الأكثر جفافاً في البلاد منذ عام 1902، موضحة أنّ معدّل هطول الأمطار انخفض بنسبة 40 في المائة مسجّلاً 2.776 مليمتر. وهذا ما دفع خبراء كثيرين في السابق إلى التحذير من الأسوأ الذي نشهده اليوم بالفعل.

ولأنّ أستراليا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحياتها البريّة، راحت تنتشر صور وتسجيلات لحيوانات مختلفة، مصابة أو نافقة في معظمها، وتُرفَق في أحيان كثيرة بأدعية أملاً في انتهاء النكبة الكبرى من دون خسائر إضافيّة وفي وقت سريع. لكنّ تلك الصور والتسجيلات شأنها شأن أخرى كثيرة من التي تُشارَك على مواقع التواصل الاجتماعيّ، تأتي ملفّقة، بعضها قديم وبعضها مركّب. ثمّة من يهدف من خلال صور وتسجيلات مماثلة إلى إثارة المشاعر واستجلاب العطف، غير أنّ الكارثة كبيرة كفاية والمبالغة من خلال التزييف لا تجدي نفعاً، لا بل وبخلاف ذلك قد يضرّ القضيّة المحقّة. وتُستخدَم مثل تلك الصور والتسجيلات في حملات على مختلف المواقع، تضامناً مع أستراليا وأهلها. منها على سبيل المثال، صورة انتشرت مثل النار في الهشيم تعود لاثنَين من الكنغر وهما يتعانقان. تجدر الإشارة إلى أنّ الصورة كانت قد التُقطت قبل أكثر من عقد، في عام 2009 تحديداً.




وبالحديث عن الحملات، لا تبدو تلك التي أُطلقت في الفترة الأخيرة كافية بالمقارنة مع حجم المأساة التي حلّت وما زالت تتفاقم. وتبدو حملة "براي فور أستراليا" (صلِّ من أجل أستراليا) من الأبرز، غير أنّ خبراء كثرا يشدّدون على أنّ ما يحدث يتطلّب أكثر بكثير من الصلاة، في حين يصرّ متضامنون على أنّه في وجه ما يجري وعدم القدرة على ردع النيران التي تستعرّ أكثر فأكثر، تبقى الصلاة هي الأمل الوحيد أو بالأحرى الفعل الوحيد المتاح.

ذات صلة

الصورة
ناج من زلزال سورية (العربي الجديد)

مجتمع

بعد نجاته من الموت الذي خطف أفراد أسرته، بات حلم حمزة الأحمد (17 عاماً)، أن يكون لديه طرف اصطناعي ذكي عوضاً عن القدم التي فقدها في زلزال فبراير.
الصورة
مذيعة الراديو أنطوانيت لطوف

منوعات

هدّد صحافيو هيئة الإذاعة الأسترالية "إيه بي سي" (ABC) في سيدني بالتوقف عن العمل، ما لم تعالج الإدارة المخاوف التي أعقبت فصل المذيعة أنطوانيت لطوف.
الصورة
مدينة درنة في ليبيا التي اجتاحتها فيضانات العاصفة دانيال (Getty)

مجتمع

ثمانية في المائة من سكان مدينة درنة الليبية قُتلوا أو فُقدوا في الفيضانات التي سبّبتها العاصفة دانيال، في حين أنّ ربع أحيائها مُسح من الخريطة.
الصورة
بحيرة انحسرت مياهها بسبب الجفاف في إيطاليا (مانويل رومانو/ Getty)

مجتمع

أظهرت دراسة علمية حديثة أنّ أكثر من نصف البحيرات والمسطحات المائية الكبيرة في العالم تجفّ منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي لأسباب عدّة على رأسها تغيّر المناخ.
المساهمون