في كلّ موسم شتاء، تتكرّر حوادث المدافئ التي يصفها مصريون كثر بأنّها أشبه بقنابل موقوتة في منازلهم، لا سيّما مع تسبّبها في وفيات إمّا صعقاً بالكهرباء وإمّا اختناقاً. ولعلّ تلك الحوادث ترتبط بمنتجات جهات غير معروفة، يُقال إنّها "مصانع بير السلّم"، في ظلّ عدم توفّر أيّ رقابة قانونية عليها من قبل الجهات المسؤولة في مصر. ويلجأ المواطنون إلى وسائل تدفئة مماثلة في مثل هذه الأيام، خصوصاً مع موجات البرد التي تجتاح البلاد، ويأتي ذلك وسط إعلانات كثيرة تُبث عبر قنوات التلفزيون أو تُنشَر عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تشجّع الشراء بأسعار متدنية.
وفي واحدة من الحوادث الأخيرة المسجّلة في البلاد، شهدت منطقة المقطّم، وهي من أحياء محافظة القاهرة، قبل أيام، حريقاً في شقة أدّى إلى وفاة ثلاثة أطفال بسبب مدفأة. وقد سُجّلت في شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، حوادث قاتلة عديدة بسبب مدافئ بير السلّم التي تنتشر في الأسواق المصرية. وفي واحدة من تلك الحوادث، لقي والد الفنان إيهاب توفيق مصرعه في منزله في مدينة نصر، شرقي القاهرة، بعدما تسببت مدفأة في إشعال النيران واختناقه. وفي أخرى، قضى عروسان في المنوفية (شمال)، مصرعهما اختناقاً، بسبب مدفأة كهربائية في غرفة نومهما. كذلك تسبّبت مدفأة كهربائية في مقتل تلميذ في الصف الأول الثانوي في منطقة 6 أكتوبر، استسلم إلى النوم بالقرب منها بعد إغلاقه جميع منافذ الغرفة، فاختفى الأكسجين، الأمر الذي أدّى إلى اختناقه.
ومن الحوادث التي سُجّلت في سياق مشابه في خلال الشهر الجاري، مصرع ربّة منزل وإصابة زوجها وطفلهما بالاختناق في منزلهم الواقع في دائرة قسم شرطة ثاني العاشر من رمضان في محافظة الشرقية (شمال). كذلك، أنهت مدفأة كهربائية حياة تلميذ ثانوي آخر في داخل شقة عائلته في الجيزة، القريبة من العاصمة. فهو، كما في الحالة المذكورة آنفاً، استسلم إلى النوم بعد إشعال المدفأة وقد أغلق كلّ منافذ الغرفة، بالتالي اختنق نتيجة تنشّقه كميات كبيرة من أكسيد الكربون. وقد قتلت مدفأة كهربائية أخرى طفلاً يبلغ من العمر عاماً ونصف العام ووالده بعد تعرّضهما إلى الاختناق في منزل العائلة في محافظة المنيا بصعيد مصر.
يقول المهندس عبد الحكيم سليمان، وهو صاحب محل لبيع الأدوات الكهربائية في وسط القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "السوق مليء بالمدافئ الرديئة ومدافئ مصانع بير السلّم غير المطابقة للمواصفات التي تُصنَّع من أسلاك وتوصيلات عشوائية، بالتالي هي غير قادرة على العمل إلا لمدّة محدودة"، مؤكداً أنّ "المستهلك لا يدرك ذلك، بالتالي قد تشتعل أو تتسبّب في اختناقات تؤدّي إلى الوفاة". يضيف أنّ "ثمّة مدافئ في محلات للأجهزة الكهربائية مهرّبة ومجهولة المصدر، والمستهلكون يقبلون عليها لأنّ ثمنها مقبول بالمقارنة مع المدافئ الرسمية المزوّدة بضمان ورقم تسجيل. ومثل هذه المدافئ تسبّب مشكلات خطيرة في المنازل، إذ إنّ السلك الكهربائي الخارجي الموصول بها قد يتضرّر، نظراً إلى زيادة الأحمال عليه وسحبه كمية كبيرة من الكهرباء تفوق قدرته، ومن شأن ذلك أن يؤدّي إلى حرائق في المنزل. كذلك قد تُصنَّع هذه الأجهزة بأساليب غير مطابقة للمواصفات، وبالتالي عند ارتفاع درجة حرارتها بطريقة لا تتحمّلها مكوّنات المدفأة، قد يحدث حريق يقضي على كلّ ما يقع بالقرب منها، لا سيّما المفروشات".
من جهته، يقول جمال عمر، وهو كذلك صاحب محل لبيع الأدوات الكهربائية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة إقبالاً من قبل المصريين على شراء المدافئ، نظراً إلى سوء الأحوال الجوية الذي تعرفه البلاد حالياً. لكنّ هؤلاء يلجأون في الغالب إلى شراء البضائع ذات الأسعار الرخيصة، من دون أن يبالوا بخطرها واحتمال وقوع كارثة في هذا الإطار". ويوضح عمر أنّ "أسعار أجهزة التدفئة تلك تبدأ مع 150 جنيهاً مصرياً (نحو 10 دولارات أميركية) وقد تصل إلى 500 و600 جنيه (نحو 32 - 38 دولاراً)، وثمّة أجهزة تتخطّى أسعارها 1500 جنيه (نحو 95 دولاراً)، ومعظمها من دون ضمان أو تسجيل بلد المنشأ. وهذا هو الأمر الذي يدفعنا كتجار، إلى القيام بعروضات، من قبيل الحصول على مدفأة مجاناً في مقابل شراء اثنتَين. بالتالي، أغرى الأمر المستهلك، فراح يشتري وسائل تدفئة من دون ضمان". يضيف أنّ "ثمّة مستهلكين لا تهمّهم جودة المنتج، فما يعنيهم هو ثمنه. وهذا ما أدّى إلى زيادة عدد مصانع بير السلّم".
في سياق متصل، تصف أستاذة الأمراض الصدرية في كلية طب قصر العيني، الدكتورة مايسة شرف الدين، المدافئ بأنّها "قاتل صامت". تضيف أنّه "من الشائع وقوع حالات اختناق من جرّاء استنشاق أوّل أكسيد الكربون الناجم عن تلك المدافئ، لأنّ هذا الغاز يعرقل الأكسجين في جسم الإنسان، وبالتالي يؤدّي إلى إصابته بفشل تنفسي ثمّ فقدان للوعي وبعدها الوفاة".