متظاهرو العراق: الخطاب الطائفي جريمة

19 يناير 2020
يكافح المحتجون العراقيون الخطاب الطائفي (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

يؤكد متظاهرون ومراقبون في العراق، أن التظاهرات التي توشك أن تدخل شهرها الرابع، كتبت نهاية عصر الخطاب الطائفي المشحون بالكراهية، والذي عرفه العراقيون بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003، عبر قوى وأحزاب ومليشيات وتنظيمات مختلفة.

وبات الخطاب الطائفي اليوم جريمة في العراق، وفقا للناشطين الذين يؤكدون أن تظاهراتهم حققت إنجازا عظيما يتمثل في بث الروح الوطنية، وتجاوزها للانتماءات الطائفية والحزبية، وأن ساحات الاحتجاج وميادين التظاهر العراقية ستواصل مكافحة الخطاب الطائفي، ما يؤكده تصدّر هتاف "إخوان سنة وشيعة... هذا الوطن ما نبيعه".

وانتشرت مظاهر السخرية من شخصيات عُرفت بحديثها الطائفي طيلة السنوات الماضية، مثل نوري المالكي، وحنان الفتلاوي، وقيس الخزعلي، وطه الدليمي، حتى باتت من طقوس المحتجين. وساهم انحسار الحس الطائفي والمذهبي في تراجع الفئة المستفيدة من استمرار خطاب حصر الآخر داخل تابوهات العزلة.

وتخشى الأحزاب الدينية النافذة من تراجع مواقعها في الشارع من جرّاء ارتفاع النبرة الوطنية في مواجهة ماكينات إعلامية وحزبية عملت لسنوات على إعلاء الحس الطائفي، في حين أن المتظاهرين، وغالبيتهم من مواليد نهاية تسعينيات القرن الماضي، لم تعد تنفع معهم حملات التحشيد الطائفية.

وقال الناشط محمد علاء، وهو أحد معتصمي ساحة التحرير في بغداد، إن "ساحات الاحتجاج في العاصمة ترفض الطائفيين. كما أن المحتجين يمنعون أي حديث مذهبي، بعد أن أدرك غالبيتهم الكارثة التي لحقت بالبلاد خلال سنوات حكم الطائفيين. عادت الانتماءات الدينية إلى خانة الحريات الشخصية المحترمة، أما الوطن فيجمع مختلف الانتماءات".

وبيّن علاء لـ"العربي الجديد"، أن "ساحة التحرير تضم جميع المكونات من كل المحافظات، فهنا شباب من كردستان يشاركون في الاحتجاجات، وأصدقاء من الموصل، والأنبار، ونفس الأمر ينطبق على ساحات مدن الجنوب، والجميع يرفض الحديث الطائفي، والبعض بلغ حد رفض الحديث عن الألقاب والعشائر. لم يكن العراق طوال تاريخه بلداً طائفياً، والحكومات الطائفية التي أنتجها الاحتلال الأميركي، والموالاة إلى إيران، هي المسؤولة عن كل الخراب".

وقال عضو تنسيقية تظاهرات البصرة، أكرم العيداني، إن "الخطاب الاحتجاجي لا علاقة له بالطوائف أو المذاهب، والكل يسعى إلى دولة قوية لا ترتهن إلى الانتماء القومي أو الديني، ولا تخضع لإرادة خارجية"، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن "الشعب ليس طائفياً، وإنما الحكومة هي الطائفية، حتى أنها تقتل على الهوية".

وشدد عضو مجلس النواب العراقي، غايب العميري، على أن "التظاهرات فضحت الطائفيين، ولم تعد هناك إمكانية لإعادة تشغيل ماكينة الحشد الطائفي من قبل أي جهة، وهذا النجاح يُضاف إلى النجاحات التي حققتها الثورة، ومنها تعزيز الهوية الوطنية التي حاولت الأحزاب والعصابات المسلحة طمسها طيلة سنوات".



وأضاف العميري، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "مرحلة ما بعد الثورة لابد أن تشهد محاسبة كل السياسيين الذين تاجروا بدماء العراقيين بحديثهم الطائفي، فمعظم مشاكل البلاد السياسية والأمنية والاجتماعية كان سببها عدد من الشخصيات، ولم يستفد من ذلك غير السياسيين المتحزبين".

واعتبر الباحث العراقي عبد الله الركابي، أن "الخطاب السائد حاليا هو خطاب مدني علماني حطم كل القوالب التي صنعتها الأحزاب، فمنصب رئيس الحكومة ظل حكرا على الأحزاب الشيعية طيلة سنوات، إلا أن المتظاهرين، وغالبيتهم العظمى من الشيعة، لا يمانعون أن يتولاه سني أو مسيحي أو كردي أو تركماني، فالمهم أن لا يتبع الخارج، وهذا التوجه يسري على بقية المناصب السياسية".

وتابع الركابي لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب والفصائل المسلحة تسعى من خلال قمع المحتجين إلى إنهاء التظاهرات، لأن استمرار الاحتجاجات يخصم من عمرها وسلطتها وتجارتها التي ما كانت لتتوسع لولا قتل الآخرين بدافع الحفاظ على المذهب والطائفة والدين".