"المياه فيها سمّ قاتل". تتردد تلك الجملة على ألسنة أهالي محافظة الوادي الجديد الواقعة إلى جنوب غربي محافظة القاهرة، فهم يتلقّون مياه شرب برائحة ولون متغيّرَين لا تصلح للاستخدام البشري، فيما الحلّ بالنسبة إليهم شراء المياه المعدنية التي تُباع بأسعار غالية في المحلات التجارية. يأتي ذلك على خلفيّة خوف هؤلاء على صحتهم وصحة أولادهم، خصوصاً بعد انتشار عدد من الأمراض بين أبناء المحافظة، لعلّ أخطرها الفشل الكلوي والتهاب الكبد وأمراضاً سرطانية، وسط غياب شبه تام لدور الجهات الحكومية المسؤولة في البلاد.
وكان عضو مجلس النواب عن المحافظة تامر عبد القادر قد شنّ هجوماً على الحكومة ومحافظ الإقليم اللواء محمد الزملوط، نتيجة ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض مختلفة بطريقة ملحوظة بين أبناء المحافظة وارتباط ذلك بمياه الشرب الملوّثة. وأطلق عبد القادر مبادرة "صحتك تهمنا" قبل أسبوع، بالتنسيق مع عدد من الوزارات، لتوعية أبناء محافظة الوادي الجديد حول ارتفاع نسب الإصابة بأمراض مزمنة بصورة لافتة للأنظار، مشيراً إلى أنّ الأمر يشكّل خطورة كبرى على حياة المواطنين ويمثّل كارثة صحية. وقد طالب عبد القادر بتأليف لجنة من الوزارات والهيئات المعنية لوضع الحلول اللازمة ومواجهتها، بهدف التخلّص من مسببات إصابة المواطنين بتلك الأمراض، بالإضافة إلى تنظيم حملات تستهدف المواطنين وتحثّهم على اتّباع الطرق اللازمة للوقاية من الأمراض.
يقول المتخصص في طبّ الباطنة في أحد مستشفيات محافظة الوادي الجديد، الدكتور أيمن رشوان، لـ"العربي الجديد" إنّ "المستشفيات والوحدات الصحية بالمحافظة تتلقى يومياً عدداً كبيراً من المصابين بأمراض خبيثة من كل الأعمار، لكن بسبب ضعف إمكانيات المستشفيات تُحوَّل الحالات إمّا إلى مستشفيات أسيوط القريبة من المحافظة أو القاهرة، علماً أنّ كثيرين يفضّلون التوجه إلى القاهرة نظراً إلى ارتفاع عدد الأطباء المتخصصين والمستشفيات الخاصة فيها". ويشير رشوان إلى أنّ "تلوّث مياه الشرب يمثّل خطراً كبيراً على الصحة العامة للمواطنين نتيجة وجود مواد كيميائية بتركيز عالٍ في المياه"، مطالباً بـ"ضرورة تحليل المياه بشكل كامل لمنع تحوّل الإصابات إلى حالات مرضية متفشية، خصوصاً أنّها تتزايد بصورة كبيرة في خلال الفترة الأخيرة".
في سياق متصل، يتحدّث المهندس محمد مجدي لـ"العربي الجديد" عن "مشكلة أخرى في محافظة الوادي الجديد، وهي الاعتماد الكلي في الزراعة على المياه الجوفية الملوّثة التي تُعَدّ خطراً على الإنسان والحيوان والتربة"، شارحاً أنّ "المحافظة تفتقر إلى ترع وأنهر، بالتالي فإنّ الآبار الجوفية في المحافظة غير آمنة وتختلط مياه معظمها بمياه الصرف الصحي، وهو ما يخلّف آثاراً خطرة على صحة المجتمع وانتكاسات خطيرة في المجال الاقتصادي. فالزراعات في المحافظة ترتكز على الآبار التي تحتوي عناصر ضارة والملوّثة ببكتيريا المجاري، بالتالي هي مصدر لأمراض قد لا يُكتشَف أمرها إلا في وقت متأخر".
من جهته، يؤكد محمد توفيق وهو من سكان المحافظة، أنّ "المياه فيها غير صالحة للاستخدام البشري"، لافتاً لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "المواطنين اعتادوا على رؤية ألوان غريبة في مياه الشرب فور فتح الصنبور. وقد تقدمنا بعشرات البلاغات والشكاوى إلى الجهات المسؤولة لكنّنا لم نحصل على أيّ ردّ". يضيف أنّ "كثيرين من الأهالي في القرى والمدن يترددون على الأطباء إمّا لمرض أصابهم أو آخر أصاب أحد ذويهم، في حين تعلو صرخة الأطباء الذين ينهونهم عن شرب المياه من الحنفيات (الصنابير)"، لكنّه يؤكد أنّ "ظروف الأهالي المعيشية الصعبة تمنعهم من شراء المياه المعدنية للشرب وإعداد الطعام. لذا فإنّ البعض لا يأبه بالعواقب ويلجأ إلى استهلاك المياه الجوفية".
تجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هو الذي أطلق تسمية "الوادي الجديد" على المحافظة في عام 1958، عندما قرّر البدء بإنشاء وادٍ مواز لوادي النيل يخترق الصحراء الغربية لإعمارها وزراعتها ارتكازاً على مياه العيون والآبار، بهدف تخفيف التكدّس السكاني في وادي النيل. وكانت تُسمّى قبل ذلك محافظة الجنوب. وتقع المحافظة إلى جنوب غربي القاهرة، وتشترك في الحدود الدولية مع ليبيا غرباً والسودان جنوباً، أمّا حدودها الداخلية فهي مع محافظات المنيا والجيزة ومرسى مطروح شمالاً، ومحافظات أسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان شرقاً. وتشتهر المحافظة بمنتجات زراعية مختلفة، أبرزها الزيتون والمشمش وفواكه أخرى والبقوليات ونباتات الزيوت العطرية فيما تكثر فيها أشجار النخيل.