غزيون متفوقون بلا جامعات

08 سبتمبر 2019
عمر أحد المتفوقين (محمد الحجار)
+ الخط -

لن يتمكن بعض الطلبة المتفوقين في غزة من الالتحاق بالجامعات نتيجة الوضع الاقتصادي المتأزم. في المقابل، يأمل البعض الحصول على منح 

في الثامن عشر من يوليو/ تموز الماضي، أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية نتائج الثانوية العامة في فلسطين، وكانت المعدّلات مرتفعة بالمقارنة مع السنوات السابقة، بنسبة نجاح بلغت 67.24 في المائة، أي بزيادة 2.5 في المائة عن العام الماضي، الأمر الذي أدخل البهجة لدى عائلات التلاميذ المتفوقين. على الرغم من ذلك، فإن نسبة كبيرة منهم لن يدخلوا الجامعة بسبب ظروفهم الاقتصادية. هكذا تحولت مشاعر الفرح والسرور إلى حزن لدى التلاميذ المتفوقين، الذين كانوا يأملون دراسة تخصصات علمية طبية وأخرى تكنولوجية وهندسية. لكن الرسوم الجامعية مرتفعة، والمنح الدراسية قليلة.

طبّ

عمرو أحمد الحجار (18 عاماً) حصل على معدل 95 في المائة في الثانوية العامة. لكنها لم تكن سنة عادية بالنسبة إليه. هو وتلاميذ آخرون تعرضوا لضغوط نفسية نتيجة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة مرات عدة، والتهديد بالتصعيد، وكان يترقب الأخبار لعدم حدوث أي تصعيد إسرائيلي. كان الحجار يحلم أن يدرس تخصّص الطب البشري، لكن مجموعه من النقاط لا يسمح له بدراسة ذلك. وبحث إمكانية دراسة طب الأسنان، لكنه وجد أن رسوم المادة الدراسية الواحدة هي نحو 140 دولارا أميركيا، ولا يستطيع التسجيل فيها لأن والده كان يعمل خياطاً وبات عاطلاً من العمل. يقول الحجار لـ"العربي الجديد": "والدي عاطل من العمل منذ سنين. لو أردت تحقيق حلمي بدراسة الطب في غزة، أحتاج في كل فصل دراسي أكثر من 3 آلاف دولار وهذا مستحيل. حتى التخصصات الأخرى بدلاتها مرتفعة، وتعيش جامعات غزة أزمات مالية كبيرة".

يشير عمرو إلى أن أسعار بعض التخصّصات مرتفعة، مثل الصيدلة (56 دولاراً للمادة الواحدة). أما تخصص اللغة الإنكليزية فهو 28 دولارا أميركياً للمادة الواحدة.
ويحاول عمرو الحصول على منحة من تلك التي تقدمها الدول المانحة للطلاب الفلسطينيين، على أمل أن يسافر ويحقق حلمه في دراسة الطب في الخارج. حالياً، يشعر بخوف كبير على مستقبله في ظل عدم استطاعته التسجيل في الجامعة، إضافة إلى قلة عدد المنح والواسطة. يضيف: "هناك أكثر من 20 طالبا من زملائي لا يعرفون كيف يتدبرون أمورهم في الجامعة، فيما استدان آخرون لتأمين رسوم الفصل الدراسي الأول فقط على أمل الفرج بعدها".



أمل

أحمد أبو اللبن (18 عاماً)، توقف عن التفكير في دراسة هندسة البرمجيات كما كان يخطط قبل عام، على الرغم من حصوله على معدل 94.5 في المائة، لأن والده لا يستطيع تأمين الرسوم الجامعية على الرغم من أنه موظف في القطاع العام ويتبع للسلطة الفلسطينية في رام الله، لكنه لا يتقاضى سوى نصف راتبه ويسدد قرضاً مصرفياً. ولم تستمر سعادة أبو اللبن أكثر من يوم، حين أحضر والده الحلوى والمشروبات وقدمها للضيوف. لكن في اليوم التالي، لم يحصل على إجابة من والده الذي اكتفى بالدعاء له عله يحصل على منحة أو غير ذلك. ويقول لـ"العربي الجديد": في البداية، كنت أعيش ضيقاً نفسياً، لكن عندما بدأت أتحدث مع أصدقائي في المدرسة، تبيّن لي أن حالهم مثل حالي. أفكّر في مستقبل الجيل الجديد. هذا حالنا نحن المتفوقين، فماذا عن الآخرين؟ وماذا عن حظوظنا في التوظيف؟ لا أتمنى سوى الدراسة والعيش خارج غزة".

في إحدى الجامعات (محمد الحجار) (محمد الحجار) 


من جهته، يأمل عاهد النجار (18 عاماً) أن يجد عملاً حتى يستطيع تأمين مصاريف جامعته، بعدما حصل على معدل 91.3 في المائة هذا العام. ولم يفقد الأمل علماً أنه لم يحصل على عمل. يخطط أن يجمع المال ويدرس في الفصل الدراسي الثاني. يقول لـ"العربي الجديد": "لا أملك المال ووالدي فقير. كان يعمل حداداً وقد بات عاطلاً من العمل. كما أن أمي لا تنتمي إلى عائلة ثرية. لذلك، حتى لو وجدت عملاً أتقاضى خلاله مائة دولار في الشهر الواحد، سأعمل لأدرس. في المقابل، سيحصل أبناء السياسيين والقيادات الفلسطينية على منح للدراسة في الخارج، وسيسجلون في الجامعة من دون أي صعوبة".



وأصدرت الحكومة الفلسطينية في نهاية يوليو/تموز الماضي، قراراً يتعلق بالرسوم الجامعية لأبناء العاملين في الوظيفة الحكومية في الضفة الغربية وقطاع غزة، يشير إلى ضرورة أن تتقاضى الجامعات في الضفة الغربية وقطاع غزة 50 في المائة من الرسوم الجامعية من أبناء هؤلاء. وبحسب القرار، ترحّل النسبة الباقية (50 في المائة) كدين على الطلاب إلى حين انتهاء الأزمة المالية التي تمر بها الحكومة، ليتم تسديدها من الطلاب. لكن خريجي الثانوية العامة اعتبروا أن القرار لا يلبي حاجاتهم. ويشير أكاديميون وإداريون جامعيون إلى أن الجامعات الفلسطينية (عامة) في قطاع غزة، تعاني من أزمة مالية خانقة، وتهدد استمرارية عملها خلال العام الدراسي الذي يبدأ في سبتمبر/أيلول المقبل.

وبحسب اللجنة المشتركة لحل أزمة الجامعات في غزة، فإن نسبة الالتحاق الجامعي انخفضت إلى 30 في المائة، ما تسبب في عدم قدرة الجامعات على دفع رواتب المدرسين. وتتراكم مستحقات العاملين في الجامعات بقيمة تتراوح بين 28 و35 مليون دولار، بينما وصلت الديون المستحقة على الطلاب إلى ما بين 28 و35 مليون دولار.
المساهمون