في أثناء زيارة قام بها رئيس وزراء مصر الدكتور مصطفى مدبولي لمحافظة المنيا في صعيد مصر قبل أيام، انتقد حال مستشفى مدينة سمالوط العام، على خلفية نقص كبير في الرعاية الطبية وعدم توفّر أطباء فيه. وفتحت تلك الزيارة من جديد ملف المستشفيات الحكومية في محافظات صعيد مصر، التي تعاني من قلّة الإمكانيات وتدنّي الخدمات الصحية، الأمر الذي يهدّد حياة أهالي الصعيد، وذلك وسط تجاهل واضح من قبل المسؤولين وفسادٍ مستشرٍ في كل المنظومة الصحية في محافظات الجنوب.
يتحدّث الدكتور محمد حسين من إحدى مستشفيات محافظة الأقصر لـ"العربي الجديد"، عن "تحقيقات في أدراج هيئة النيابة الإدارية حول فساد كبير مستشرٍ في محافظات الصعيد، من دون تحرّك أيّ من الجهات المسؤولة"، مؤكداً أنّ "الفساد المالي في وزارة الصحة وصل إلى الركب ورائحته تشمئزّ منها الأنوف". يضيف أنّ "أهالي الصعيد في المقابل يستغيثون بالجهات المختصة لمساعدتهم في إنقاذ الأرواح. وتعلو صرخاتهم التي تطالب وزارة الصحة في البلاد بإيجاد حلول سريعة للمباني المتهالكة، وبإنشاء مستشفيات مجهّزة لاستقبال المرضى. فَوفيّات عدّة تُسجّل يومياً على خلفية الإهمال، فيما المستشفيات تعاني كذلك نقصاً في العمالة الخاصة بالتمريض والنظافة". ويتابع حسين أنّ "مستشفى سمالوط التي زارها رئيس الوزراء عيّنة من بين مستشفيات كثيرة تعاني حالة من الفوضى"، موضحاً أنّ "الإهمال يطاول محافظات الصعيد أكثر من محافظات الوجه البحري".
في السياق، يلفت مسؤول في أحد مستشفيات الصعيد فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "صيدليات مستشفيات الوجه القبلي خالية من الأدوية. أمّا أطباء تلك المستشفيات، فيحضرون ساعة واحدة وسرعان ما يغادرون المكان أو إنّهم يعتذرون عن الحضور على الرغم من العدد الكبير للمرضى الذين ينتظرونهم للكشف عليهم". ويتّهم المسؤول "وكلاء الصحة في المحافظات والمحافظين بالتقاعس عن أداء دورهم وعدم المرور يومياً على المستشفيات لمتابعة أوضاعها"، مضيفاً أنّ "الفوضى في مستشفى سمالوط وعدم توفّر أطباء ولا أدوية أمور نجدها في كل مستشفيات محافظات صعيد مصر". ويتابع المسؤول نفسه أنّ "في مستشفيات الصعيد، يزدحم المرضى، معظمهم من الفقراء، وعنابر المرضى لا تعرف معنى التعقيم فيما القمامة منتشرة في كلّ مكان. كذلك فإنّ الأسرّة غير مناسبة للاستخدام وفرشها قد تنقل الأمراض المعدية من مريض إلى آخر. أمّا دورات المياه فهي غير صالحة للاستخدام البشري، بالإضافة إلى أنّ النفايات الطبية تنتشر في الطرقات المحيطة بالمستشفيات. بالتالي، لم يعد أمام المريض في صعيد مصر سوى انتظار قضاء الله. فالداخل إلى المستشفيات مفقود والخارج منها مولود".
أمّا الوحدات الصحية في القرى، فحدّث ولا حرج. هي مهجورة تقريباً، في حين تكثر فيها الحشرات والقوارض والثعابين. وقد طالب عشرات من نواب الصعيد الحكومة ووزارة الصحة، مراراً وتكراراً، بالتحرّك لإنقاذ تلك الوحدات المهملة. يُذكر أنّ فيها، بالغالب، طبيباً يقتضي دوره تحويل الحالات الصحية إلى المستشفيات، إلى جانب عدد من الموظفين لتسجيل الولادات والوفيات. وكان عضو مجلس النواب أحمد إدريس قد طالب وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد بالتحرّك لمواجهة أزمات الوحدات الصحية بالقرى، واصفاً وضعها بالكارثيّ وسط الخدمات الصحية المتردية التي لا تناسب في أيّ حال من الأحوال المرضى من أصحاب الحالات الخطرة. وقد أكّد كذلك أنّ الكادر البشري في تلك المستشفيات سيّئ جداً.
ويؤكد أهل الصعيد أنّ المريض مهدّد في مستشفيات محافظات الوجه القبلي، نتيجة ضعف الإمكانيات وعدم صيانة المستشفيات وتجديدها منذ عشرات السنين. يوسف عبد العال واحد من هؤلاء، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "قرى الصعيد تعاني من جرّاء اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، الأمر الذي ينعكس بالفعل على المستشفيات التي يشرب فيها المرضى مياهاً ملوّثة بالصرف الصحي. وهو ما يعني عدم احتمالية تماثلهم للشفاء". يضيف أنّ "الوحدات الصحية في القرى تحوّلت إلى مساحات للأشباح، فيما تنتشر أكوام النفايات في مستشفيات المدن إلى جانب قلّة عدد الأطباء، خصوصاً في أقسام الطوارئ". ويتابع عبد العال أنّ "الإهمال وغياب الضمير قتلا المنظومة الصحية، فصارت الخدمات الطبية خارج نطاق الخدمة ولا يستفيد منها الأهالي. وفي الوقت نفسه، ثمّة كارثة نقص المستشفيات ووفاة عشرات المرضى نظراً إلى عدم توفّر أماكن تكفي لعلاجهم".
أمّا ليلى سليم فتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الصراصير والحشرات المختلفة تملأ غرف المرضى في مستشفيات صعيد مصر، فيما الجدران غير نظيفة ومتهالكة أحياناً كثيرة"، مشيرة إلى أنّ "مستشفيات الصعيد صارت وسيلة لنقل الأمراض، بالإضافة إلى المعاملة الجافة التي تتعاطى بها إدارة المستشفيات مع المرضى وإجبارهم على شراء مستلزماتهم الطبية من الخارج". وتتحدّث سليم كذلك عن "انتشار العيادات الخارجية للأطباء في جوار المستشفيات التي يمتلكها أطباء يعملون فيها".
من جهتها، تشكو أم تامر وهي من المرضى المترددين على أحد مستشفيات صعيد مصر، لـ"العربي الجديد"، من أنّ "الوساطة والمحسوبية تسيطران في ما يتعلّق بالعمليات الجراحية وصور الأشعة والفحوصات والاستشفاء عموماً". وتؤكد أنّ "منظومة الصحة بكاملها تعاني حالة من الفوضى والإهمال، وتحتاج إلى إعادة هيكلة"، مشدّدة على أنّ "نقص الأطباء يُعَدّ أزمة كبيرة جداً في محافظات الصعيد". بدوره، يتذمّر أحمد عبد الكريم المصاب بفشل كلويّ من الواقع، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المرضى الذين يحتاجون إلى غسل الكلى يعانون الإهمال والموت البطيء يومياً. ومئات من هؤلاء مصابون بأمراض أخرى نتيجة الإهمال، فيما المشاكل في أجهزة غسل الكلى قد تودي بحياتهم".