حجّ السوريين فرصة للقاء الأهل

08 اغسطس 2019
ربّما كان أبناء لهم ينتظرونهم بمكّة (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -

شرّدت الحرب الدائرة في سورية أهل البلاد، فلجأ بعضهم إلى الخارج فيما نزح بعض آخر في الداخل، وبالتالي تشتت أفراد العائلة الواحدة في أكثر من بقعة في المعمورة وحُرم كثيرون من اللقاء، لا سيّما أنّ تنقلهم من بلد إلى آخر صار أمراً صعباً في ظلّ التشديد على حركتهم من قبل الدول المضيفة أو غير ذلك.

أحمد شاهين (37 عاماً) من دمشق، نجح أخيراً في لقاء والدَيه بعد نحو سبعة أعوام من الفراق القسري، في مكّة المكرّمة. يخبر "العربي الجديد" أنّه "في ذلك الحين، اتّخذت قرار مغادرة سورية واللجوء إلى تركيا، عقب تعرّضي مرّات عدّة للاعتقال وتهديدي بأنّني سوف اعتقل من جديد ولن أخرج أبداً من السجن". يضيف أنّه "في المرّة الأخيرة التي التقيت فيها والدَيّ، لم يتخطّ ذلك اللقاء نصف ساعة من الوقت قضيناها في البكاء والدعاء"، مشيراً إلى أنّ "والدَيّ توجّها بعد ذلك مع أشقائي الأربعة إلى لبنان. ومن بين هؤلاء من وصل إلى أوروبا".

يتابع شاهين أنّه "كلما كنت أتواصل مع والدَيّ كانا يقولان لي: أمنيتنا أن نراك قبل أن نموت. وهذه الفكرة كانت ترعبني، فأنا لم أتمكّن في يوم من تصوّر ما يمكن أن يحلّ بي في حال أصاب أحدهما مكروه وأنا بعيد عنهما. وقبل أشهر، أخبرتني أمّي عن رغبتها في الحجّ هذا العام وقد جمعت تكاليف الرحلة. حينها، خطر لي تسجيل اسمي للحجّ كذلك". ويلفت إلى أنّ "وضعي المادي لا يسمح لي بتحمّل تكاليف الحجّ المالية التي تصل إلى نحو ثلاثة آلاف دولار أميركي، لكنّ المبلغ المطلوب تأمّن بسهولة. فأنا كنت قد ادّخرت قليلاً من المال، وأرسل لي أحد أشقائي من أوروبا القليل، واستدنت ما كان ينقصني. المهم لديّ كان تمكّني من الحجّ ولقاء أمّي وأبي". ويكمل شاهين في حين تغرق عيناه بالدموع وتغصّ الكلمات في حلقه، "لا يمكنني وصف لحظة لقائنا. لهفتي كانت كبيرة، فأجهشت في بكاء طويل كأنّني طفل أضاع أمّه ورآها فجأة. ورحت ألمس وجهها ويدَيها وأشمّ رائحتها، فيما لم تكن حالها أفضل من حالي. هي كذلك راحت تذرف الدموع وتلمس وجهي وشعري، في حين كانت تردد: آخ يا ابني... الله يحرمه مِن ضناه مَن حرمني منك".




من جهته، اتفق باسل الشامي (53 عاماً) مع أخيه باسم (57 عاماً) على اللقاء في الحجّ هذا العام، بعدما عجزا طوال خمسة أعوام عن زيارة بعضهما البعض أو العودة إلى سورية. ويخبر الشامي "العربي الجديد": "لجأت إلى تركيا فيما انتقل باسل إلى مصر، بعدما شهدت منطقة سكننا في ريف دمشق الغربي حملات اعتقال عشوائية وعمليات عسكرية. في البداية، انتقلنا للسكن في دمشق، إلا أنّنا رحنا نتعرّض إلى مضايقات، بالإضافة إلى خطر اعتقالنا عند أيّ حاجز، فقط بسبب مكان الولادة المقيّد على البطاقة الشخصية". يضيف الشامي أنّه "حتى فترة قصيرة، كنت أظنّ أنّني سوف أموت من دون أن ألتقي بأخي. فأنا مصاب بمرض في القلب وحياتي مهددة في كل لحظة، بالإضافة إلى أنّني لا أرى بارقة أمل تشير إلى قرب عودتنا إلى بلدنا، طالما أنّ الوضع على حاله. ونحن علمنا أنّنا مطلوبان أمنياً، في حين أنّ منزلنا المؤلّف من أربع طبقات تحوّل إلى ركام، وخسرت كذلك ورشتي الخاصة".

ويلفت الشامي إلى أنّ "ما ينغّص علينا اللقاء اليوم، هو عدم تمكّن أخينا الأصغر الذي لجأ إلى إحدى الدول الأوروبية من الحجّ". ويتابع أنّه "منذ وصولنا إلى مكّة المكرمة، نلازم بعضنا ونستعيد شريط حياتنا مذ كنّا طفلَين صغيرَين، ونضحك على بعض المواقف والأحداث ونترحّم على تلك الأيام وندعو الله أن يجمع شمل عائلتنا كلها من جديد. لكنّنا لا نكفّ عن التساؤل حول تمكّننا من اللقاء مجدداً، إذ إنّ الحجّ ليس متاحاً لنا في كلّ عام. ونأمل ألا تمضي هذه الأيام سريعاً".



أمّا عبد الله محمد (47 عاماً)، وهو من حمص، فتوجّه لأداء فريضة الحجّ من دون أن يضرب موعداً لأيّ من أهله. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه لم يتوقّع رؤية أيّ من أقاربه في مكّة المكرّمة، موضحاً "أتيت أحج بيت الله الحرام عن روح أبي، فهو توفي قبل عامَين في سورية ولم تُتَح لي فرصة القيام بواجبي تجاهه. كذلك لم أتمكّن من حمل نعشه، وهو قهر لن يزول حتى مماتي". يضيف محمد: "لم يمضِ على وجودي في مكّة ساعات، حتى راح أحدهم يربت على كتفي ويقول: عبد الله؟! نظرت إليه فوجدت أنّه ابن عمّي فارس. شعرت حينها كأنّني رأيت والدي وكل أهلي، علماً أنّ أخبار فارس كانت قد انقطعت عنّي منذ نحو ستة أعوام. فتعانقنا طويلاً من دون التفوّه بأيّ كلمة، في حين راح شريط عمري يمرّ في ذهني، ورأيتنا نلعب أمام منزل جدّنا". ويتابع عبد الله: "جلسنا لوقت طويل، فسألني عن أخباري وسألته عن أهل بلدتنا، الكبار والصغار، ومن تزوج ومن أنجب ومن مات. فاستغرب قائلاً: تتذكر كل هؤلاء الأشخاص! أنا أعيش بينهم ولست على دراية بأحوالهم". ويشير محمد إلى أنّ "القهر يجعلك تستعيد ذكرياتك بأصغر تفاصيلها".