"دمشق صغيرة" مزدهرة في قلب الخرطوم

05 اغسطس 2019
المطاعم أحد نجاحات السوريين في السودان (Getty)
+ الخط -
محالّ تحمل أسماء حلب وحمص، وروائح مأكولات وحلويات شامية، وأحاديث بلهجة سورية، ترحب بك في "دمشق الصغيرة" في قلب الخرطوم.

يتجاور عدد كبير من محالّ الطعام السورية في منطقة كافوري الراقية في شمال الخرطوم، حيث تعبق رائحة الشاورما السورية في الشارع المقابل لمسجد النور، ذي القباب الرمادية المبني على الطراز التركيّ. وباتت المنطقة جذّابة لمئات السودانيين من محبي المطبخ السوري.

يقول الشاب صلاح الدين آدم وهو يشتري ساندوتش شاورما الدجاج الذي يحبه من مطعم في المنطقة، إنّ "المطاعم السورية مميزة. تصميم المحلّ جذّاب والمكان دائماً نظيف وقائمة الطعام متنوعة".

وتابع تاجر اللحوم البالغ 34 عاماً، الذي يرتدي جلباباً تقليدياً أنّ "المطاعم السورية تتميز بتقديم المقبلات وهو ما يعطي الأكل طعماً خاصاً. دائماً تشعر بأن الأكل شهيّ وطيب، وله صوت وصورة".

وكانت طاولات المطعم المعدنية السبعة مكتظة بالروّاد السودانيين، فيما كان ثلاثة زبائن محليين ينتظرون تسلّم طلباتهم جوار منضدة، رصّت عليها أطباق بلاستيكية تحتوي حلويات سورية.

ووفد أكثر من 200 ألف سوري إلى السودان، حسب بيانات منظمات مجتمع مدني محلية عام 2018، إثر الحرب الأهلية التي اندلعت قبل نحو تسع سنوات عند اندلاع الثورة السورية، وردّ النظام عليها بالقصف والقتل، وخصوصاً أن البلد العربي الأفريقي يسمح لهم بالدخول بدون تأشيرة.

أما المهندس أحمد سليمان الذي قال إنّه يتردد على المحلّ يومياً، فقد أثنى على "المذاق والجودة". وقال الشاب البالغ 28 عاماً إنّ "الشاورما والشيش طاووق والكباب كلها موجودة في السودان منذ سنين، لكن ليس بنفس الجودة الموجودة في المطاعم السورية. الفارق واضح في المذاق والطعم".

وبمجرد دخول المنطقة الراقية، يخيل للمرء أنه وصل إلى سوريا، إذ تحمل أسماء المحالّ كلمات مثل "الشام" و"السورية"، فيما يمكن سماع اللهجة السورية بين عشرات المارّة في المنطقة.

وهذا الوجود الواسع يثير تنافساً بين المحالّ لتقديم وجبات أكثر جودة وأفضل مذاقاً. وقال سليمان إنّ "كل مطعم يتميز بصنف طعام محدد. هم يبدعون في تقديم الطعام وهو شيء لا يتميز السودانيون به للأسف".

كما أشار إلى أن ارتياده المطعم يحمل رسالة إنسانية، "نحاول أن ندعمهم في أزمتهم عبر التردد على مطاعمهم".

وتشهد سورية نزاعاً دامياً منذ اندلاع الثورة عام 2011، تسبّب بمقتل أكثر من 370 ألف شخص وبدمار هائل في البنى التحتية، وبنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، في ظل الحرب الشرسة التي شنّها النظام مع حلفائه على الثورة، وقبل أن تُعسكر.

ويحصل السوريون في السودان على التعليم والرعاية الصحية وكأنهم مواطنون سودانيون، كما أنّ لهم الحق في العمل وافتتاح مشروعات تجارية خاصة. بل حصل العديد منهم على الجنسية السودانية أخيراً. من بينهم مالك عبد الوهاب البالغ 32 عاماً المنحدر من حلب، الذي وصل إلى السودان قبل تسع سنوات وافتتح مطعماً سمّاه "أيامك يا شام" يوظف 15 موظفاً غالبيتهم من أبناء وطنه.

وقال عبد الوهاب إنه يحرص على "توفير أقصى نظافة وجودة ممكنة ونهتمّ بالمعاملة الطيبة مع الزبون".

ويفتقر المطبخ السوداني للتنوع في تقديم الطعام الذي يعتمد على اللحوم المشوية للأغنياء والفول والفلافل للفقراء، كما أنّ المطاعم السودانية نفسها بسيطة المظهر والإمكانيات.

وقال عبد الوهاب: "حرصنا أن نقدم لهم أكلات جديدة ومتنوعة. أكلات جديدة لا يعرفها السودانيون". وتابع أن المطبخ السوري متنوع ويتضمن أكثر من مئة صنف، مثل "أرزّ الكبسة والكبّة والشاورما والملوخية".

وأشادت الموظفة السودانية نهاد الفاتح بـ"تنوع الأطباق والأصناف المتاحة في المطاعم السورية". وتنوّه، وهي تنتظر طبق الشاورما بالثومية، بأنّ "نظافة المطاعم السورية جعلتني زبونة دائمة في مطاعمهم".

وفي منطقة الرياض للطبقة المتوسطة في شرق العاصمة، تنتشر أيضاً مطاعم ومحالّ حلويات سورية تلقى رواجاً كبيراً.

ويمكن سماع الأغاني السورية تصدح في المنطقة. وأدت الاضطرابات السياسية المستمرة، رغم إطاحة الرئيس السابق عمر البشير في نيسان/ إبريل الماضي، إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وانهيار الجنيه السوداني مقابل الدولار.

لكنّ عبد الوهاب يقول: "نحاول ألا نرفع الأسعار بشكل كبير، وأن نحافظ على نفس الجودة رغم ارتفاع أسعار جميع المدخلات".

كما تنتشر في المنطقة محالّ أخرى للأثاث والعطور تلقى رواجاً، وقال سودانيون إنهم معجبون بمهارة ودقة الحرفيين السوريين.

ولا يتردد المهندس محمد عبدالصبور كثيراً على المطاعم السورية، لكنّه يقول إنّ "الشعب السوداني ليس لديه ثقافة الترحيب بالزبون عكس المطعم السوري". ويقول خالد الذي يدير مطعماً سورياً في منطقة الرياض: "أصبح لدينا زبائن سودانيون دائمون.. نحاول أن نرضي الزبون وأن يغادر المطعم، وهو عازم على العودة مجدداً".

(فرانس برس)

المساهمون