الدور المفقود للتلاميذ الثانويين

31 اغسطس 2019
الرياضة في أوقات الفراغ (حيدر الحمداني/ فرانس برس)
+ الخط -

يصل تعداد التلاميذ الثانويين في الدول العربية إلى عشرات ملايين الشبان والشابات، بعضهم يندرج في الدراسة الأكاديمية وبعضهم في الدراسات المهنية على تنوعها. هؤلاء يعانون مع أسرهم في كيفية تمضية العطلة الصيفية بعيداً عن قيود منازلهم بجدرانها الأربعة. فهم في أعمار بات الخروج على إطار وقواعد الأسرة أمراً طبيعياً، لكنهم لا يستطيعون ذلك لألف سبب وسبب، بعضها أسري والبعض الآخر عام. فما يستهوي الأسرة المؤلفة من أب وأم وصغار لا يجذبهم إلى عالمه. وعليه تبدو مشكلتهم مضاعفة بالنظر إلى تفجر طاقاتهم وعجزهم عن تصريف هذه القوة الفائضة في تحقيق حرياتهم، والحصول على ما هو ممتع ومنتج في الوقت نفسه. بالطبع هناك فروقات بين الذكور والإناث، لكن السمة المشتركة الغالبة تتحدد بعدم الإفادة من وقت الفراغ في تنمية شخصياتهم وبلورتها، وهو هدف التعليم على أي حال، كأساس لإعداد المواطن القادر على لعب دوره في مجتمعه وتقدم وطنه.

الدراسات التي أجريت على هؤلاء الشباب ربطت وعلى نحو وثيق بينهم وبين أوضاع أسرهم في كيفية إنفاق أوقات الفراغ. بمعنى أن الموقع الاجتماعي للأسرة هو المحدد لكيفية تمضية الإجازة. ويتأثر هؤلاء أيضاً ليس فقط بموقع ودخل ودور رب الأسرة، بل بدور ربة الأسرة أيضاً، فالمرأة العاملة تختلف عن غيرها، وهذا عامل إضافي يجب تسجيله، مع الانتباه إلى أهمية متوسط دخل الأسرة وقدرتها الشرائية، وقبل ذلك كله مستواها الثقافي ومصادره.

عندما نتحدث عن التلاميذ الثانويين العرب، فنحن نتحدث عن بيئات مختلفة وظروف متباينة بين مكوناتها. فالدول التي تشهد اضطرابات سياسية وأمنية تعاني الشلل وتقلص امتياز التجوّل بحرية داخل البلد الواحد. وكانت قد جرت العادة أن تعمد شريحة من هؤلاء الشباب إلى استثمار وقتها في تحصيل مدخول يساعدها على إسناد ميزانية الأب أو الأم إذا كانت هي المعيلة، وعليه تصبح هذه الفترة فترة منتجة تساهم في تحقيق التوازن الاقتصادي للأسرة. وغالبية مثل هذه الشريحة تنتمي إلى أصول اجتماعية فقيرة أو متوسطة.

بالطبع هناك شبان وشابات ما إن يقترب موعد العطلة الصيفية وينجزون الامتحانات الرسمية والصفية المقررة حتى يبادروا بحثاً عن عمل ليس بالضرورة أن يعثروا عليه. لكنهم يحاولون على الأقل. فمثلاً كان القطاع الفندقي والسياحي في المدن الكبرى ولا سيما الساحلية منها يجذب إليه عدداً وافراً من هؤلاء. وبذلك يضمنون تمضية عطلة مفيدة مناخياً ومادياً. الوضع هذا يتغيّر تبعاً لظروف كل من هذه المدن ونشاط القطاع والإقبال عليه.




هذا ما هو معروف، ولكن ما يجهله الكثيرون أن إدارة وقت الفراغ تحتاج إلى ثلاثة مراحل متكاملة. الأولى تتمثل بالتخطيط لوقت الفراغ وهي غالباً من مسؤولية الأسرة، والثانية هي التنفيذ، أمّا الثالثة فهي التقييم بمعنى فحص ما تحقق في المرحلتين السابقتين ومعرفة الإيجابي والسلبي في التجربة على كل أفراد الأسرة، وليس على بعضها فقط. وقد أظهرت الإحصاءات والدراسات أن الأسر التي تسهر على العناية بالمراحل الثلاث هي التي تحقق العائد الأكبر من وقت الفراغ، بدلاً من ترك الأمور للصدف أو العروض المقدمة من جهات سياحية خدماتية هاجسها الربح والربح وحده.

*باحث وأكاديمي
دلالات
المساهمون