ألمانيا: مقتل طفل في محطة فرانكفورت يشعل سجالاً حول اللاجئين

31 يوليو 2019
أعاد الحادث جدل الهجرة واللجوء (أسوشييتد برس)
+ الخط -
أشعلت حادثة مقتل طفل ومحاولة تصفية آخرين بدفعهم تحت عربات قطار في محطة فرانكفورت الألمانية السجال مجدداً حول مهاجري أوروبا، وتحديدا ألمانيا، التي يتواصل فيها تراشق الأحزاب وتحميل المستشارة أنجيلا ميركل مسؤولية ما يجري بعد 4 سنوات من تدفق اللاجئين إلى 2015.

وفي تفاصيل ما شهدته محطة قطارات فرانكفورت، أول من أمس الإثنين، فقط كان طفل في الثامنة من عمره برفقة والدته حين دفعه رجل إلى سكة قطار سريع قادم، قتل الطفل على أثر ذلك ونجت الوالدة.

ولم يكتف الفاعل بذلك بل حاول دفع سيدة في الـ78 من عمرها لقتلها بالطريقة نفسها، فنجت هي الأخرى، وبدأت الشرطة والمواطنون بمطاردة الفاعل الذي أوقف أخيرا.

وكُشف النقاب سريعاً عن كون الفاعل مواطنا سويسريا من أصول إريترية، ليشتعل النقاش الذي استغله اليمين المتشدد بعد ذلك، وعلى رأسه حزب "البديل لأجل ألمانيا"، ليصبح "الحادث المأساوي"، بحسب ما وصفته الصحف ووسائل الإعلام الألمانية، بعد وضع أكاليل زهور مكانه، دافعا جديدا للتراشق بمنسوب غضب على سياسات البلد في مجال الهجرة واللجوء، رغم أن الفاعل المفترض مواطن في الجارة سويسرا وحضر في 2006 وحصل على اللجوء في 2008.

واضطر وزير الداخلية الألماني، هورست سيهوفر، تحت وقع ما يشبه التحريض ومهاجمة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى قطع إجازته ليعلن عن تنديده بما جرى، وتوجه بدعوة سريعة للسلطات الأمنية إلى اجتماع طارئ في برلين. وبعد ظهر أمس، حثّ الناس في بلده على الهدوء في النقاش المحتدم بعدما وصف مقتل الطفل بـ"الحادث الذي يصيب القلب مباشرة". فالقتل بهذه الطريقة، ونجاة الوالدة بأعجوبة، مع توارد التفاصيل الدقيقة لما جرى أشعل تعاطفاً شعبياً كبيراً ممزوجاً بغضب على مواقع وسائل التواصل الرسمية والشخصية.


ووعد سيهوفر في مؤتمره الصحافي بزيادة "التدابير الأمنية والتقنية لتأمين السكك الحديدية في ألمانيا". وأضاف سيهوفر، الذي يعرف تأثير مثل هذه الأحداث على الواقع والمستقبل السياسي لأحزاب يمين الوسط، التحالف والاتحاد الديمقراطي والاجتماعي المسيحي، مع تقدم واضح لمعسكر اليمين المتشدد على وقع أزمات شبيهة، ومرتبطة بالجدل حول سياسات الهجرة والاندماج بشكل رئيس، أن مثل تلك الأحداث "تصيبنا جميعا بشلل، لكننا بدأنا اتخاذ اللازم لمعرفة ما جرى من قتل ومحاولة قتل".

وبحسب المعطيات المتوفرة، فقد تبين بعد إلقاء القبض على القاتل المفترض، أنه "لا علاقة بين الفاعل والضحايا، ومن غير المعلوم بعد ما هي الدوافع وراء ما جرى في محطة فرانكفورت". لكن التركيز الإعلامي على خلفية القاتل المفترض أنه "في الأربعين من العمر ومتزوج ولديه 3 أطفال، ومندمج بشكل جيد في سويسرا، التي حصل فيها على لجوء في 2008 وهو من إريتريا بالأصل".

ولم يخفف من شدة السجال الكشف عن أنه لم يكن ضمن لاجئي 2015، الذين عادة ما يكونون مادة للهجوم على سياسات المستشارة الألمانية واتهامها بـ"فتح الأبواب"، وفقا لمعارضيها من اليمين القومي المتشدد الذي يرى في اللاجئين عبئا على البلد ويصر على أنهم "جنائيون".

وكشفت وسائل الإعلام الألمانية أن السلطات السويسرية كانت قد أصدرت "مذكرة بحث وتوقيف بحق الرجل بعد حادثة عنف هدّد فيها جارته بسكين في سويسرا، وسافر من هناك إلى ألمانيا".

ولم يفوّت حزب "البديل لأجل ألمانيا" هذه الحادثة لصب الزيت على اشتعال السجال والمناقشات الغاضبة وتوجيه انتقادات لاذعة للمستشارة ميركل وسياسات اللجوء عموما في البلد. فقد دخلت السياسية اليمينية المتشددة من "البديل"، أليس فايدل، على الخط بتغريدات على موقعها الرسمي ترفض فيها ما ذهب إليه وزير الداخلية عن مسألة "تأمين المحطات ومستوى أمن السكك الحديدية، فالقضية ترتبط بالهجرة غير النظامية الكثيفة". واعتبرت هذه السياسية وعضو البرلمان عن البديل، في تغريدة لها أمس، أن "القول إنه لم يحضر في 2015 هل هو كافٍ لنستمر بحياتنا وكأن شيئا لم يحدث؟"، هذا إلى جانب كتابة مقالة حادة ذكرت فيها العديد من الانتقادات لكيفية تعاطي السياسيين وبعض وسائل الإعلام مع مقتل الطفل بالقول إن "ما جرى هو عملية دفع له ولأمه (...) فهو ببساطة قتل بدم بارد وليس محاولة سرقة (كما ذهب البعض)".

وهاجمت فايدل سياسات بلدها وجارتها سويسرا في ما يخص السماح ببقاء اللاجئين، وسلطت هجومها على الإرتريين بشكل خاص وتجولهم في بلدها وخارجه "وبعضهم يدعي أنه مطلوب ومضطهد في بلده ويسافر سياحة إلى بلده الأصلي بعد حصوله على وثيقة سفر بحجة حضور حفل زفاف أو مرض الوالدين أو حتى قضاء الإجازة".

استغلال اليمين المتشدد لهذه الحادثة لأجل جذب الجمهور الألماني لدعم تقدم شعبويي ألمانيا تجاوز أليس فايدل إلى عقد مؤتمر صحافي في يوم الحادثة قدم فيه عضو البرلمان والقيادي في الحزب، مسؤول فرعه في برلين، الدكتور غوترفرايد كريو، المعروف بمواقفه المتصلبة من المهاجرين واللاجئين في صفوف حزبه وبين الألمان، استعراضا في برلين يصب في مجمله على ما سماه "سياسة الترحيب"، متسائلا "كم ضحية ألمانياً يجب التضحية بهم على مذبح ثقافة الترحيب باللاجئين؟".

وبالرغم من أن وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر قدم، أمس الثلاثاء، بحسب ما نقلت عنه الصحافة الألمانية، الأربعاء، عرضاً تفصيلياً عن الرجل الإريتري بالتعاون مع السلطات السويسرية عن أنه "مريض نفسياً وعصبياً"، إلا أن صيغ التعميم والهجوم والتحريض على اللاجئين لم تهدأ، بل وصلت حد الدعوة إلى "وقف كل عمليات الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط". وعن تلك النقطة، ذكّر سيهوفر بأن "من يدخل ألمانيا لطلب اللجوء يتم بالأصل التحقق منه أمنياً"، رافضاً القفز إلى نتائج ما يمكن أن تثيره عملية القتل في فرانكفورت على عموم سياسة الهجرة واللجوء في بلده.

سلسلة أحداث عنف

قطع وزير الداخلية الألماني لإجازته بعد حادثة الإثنين، يأتي على خلفية تزايد حوادث العنف في البلد، فبالإضافة إلى الحادثة الأخيرة في محطة القطارات بفرانكفورت شهدت محطة قطار مدينة دويسبورغ، في أقصى غرب البلد، قبل نحو 10 أيام، مقتل سيدة بعدما دفعها شاب ومواطن ألماني من أصول كوسوفو-ألبانية أمام قطار سريع.

وشهد الثاني من يونيو/حزيران الماضي عملية اغتيال للسياسي فالتر لوبكه بإطلاق نار على يد رجل يميني متطرف على خلفية مواقف السياسي القتيل من الانفتاح على استقبال اللاجئين. وفتحت عملية القتل نقاشا عما سمي في ألمانيا "تخفيف الاستخبارات الألمانية من خطورة إرهاب اليمين المتطرف".


وقبل فترة وجيزة تعرض أحد المساجد الألمانية لهجوم، مع الكشف عن تهديدات تعرضت لها مساجد عدة في ألمانيا بهجوم بالقنابل. وكان شرق البلد قد شهد عددا من أحداث العنف راح ضحيتها قبل أعوام قليلة لاجئ إريتري، وأشعل مقتل شاب ألماني طعنا في العام الماضي في كيمنتس سلسلة من أحداث العنف بين لاجئين وألمان أبدى بعضهم في تظاهرات منظمة تعاطفه مع الحركة النازية وحزب البديل لأجل ألمانيا.

وبالإضافة إلى تصويت أكثر من 10 في المائة من ناخبي ألمانيا في انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو/أيار الماضي للبديل، يبدو أن هذا الحزب يتقدم في استطلاعات الرأي في عدد من المقاطعات الألمانية على وقع مثل هذه الأحداث التي تعطي صورة وكأن "ألمانيا لم تعد في مأمن"، محملين كل ما يجري إلى سياسات اللجوء التي انتهجتها حكومة المستشارة ميركل منذ 2015.

واستغل بعض المعلقين ما جرى في فرانكفورت للتحريض على اللاجئين عموما بنشر رسوم والتعبير بكلمات عن أن المحطة ذاتها استقبلت اللاجئين في 2015 واليوم يُدفع الألمان تحت عجلات القطارات ليقتلوا.

ويوضح أحد الرسوم بشكل لا يقبل التأويل أن المقصود أفارقة. وذهبت مواقع حزب البديل إلى عرض غرافيك يوضح فيه أعداد عمليات الطعن بالسكاكين خلال شهر يوليو/تموز الحالي، لإضفاء مزيد من التحريض على الأجانب.​