لا تقتصر مشكلات السوريين في تركيا اليوم على امتلاك بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك) فحسب، بل يتعلّق الأمر بتسوية أوضاع العائلات وتحديث المعلومات الخاصة بأفرادها والمرتبطة بتلك البطاقة وبوثائق أخرى، لا سيّما في حالات الزواج أو تبديل محلّ الإقامة أو في حال كان أحد أفراد عائلة ما ممنوعاً من بطاقة "كيملك" وغير ذلك.
محمد ع. من ريف حمص الشمالي، وقد لجأ إلى تركيا في فبراير/ شباط من عام 2013. يخبر محمد "العربي الجديد" أنّه "بعد الدخول إلى تركيا، كنّا نتنقل من دون أن نُسأل من قبل الشرطة عن أيّ أوراق ثبوتية. وفي مدينة الريحانية بإقليم هاتاي حيث أقيم، لم يبدأ إصدار بطاقات الحماية المؤقتة إلا في عام 2014، وحينها كنت قد تزوّجت من دون أن أملك البطاقة. أمّا زوجتي التي كانت تقيم في ولاية غازي عنتاب، فكانت تملك بطاقة كيملك إذ إنّ السلطات التركية هناك بدأت تصدرها في نهاية عام 2013". يضيف محمد: "بعد مدّة، راجعت السلطات الأمنية في الريحانية للحصول على بطاقة الحماية المؤقتة، وقد حصلت عليها بالفعل من دون أن تُطلب منّي أيّ مستندات أو أوراق ثبوتية، بل سُئلت فقط عن اسم الأب وكذلك اسم الأم وتاريخ الميلاد والوضع العائلي. ما زلت أذكر أنّني انتظرت من الساعة التاسعة صباحاً حتى السابعة والنصف مساءً لأستلمها، فوجدت أن اسم الأب هو اسمي ذاته وتاريخ الميلاد خاطئ. وعندما راجعت المترجم أفادني بأنّ لا مشكلة في ذلك، ولا داعي للقلق".
ويتابع محمد: "عندما رزقت بابنتي الأولى، استحصلت لها على بطاقة كيملك من ولاية غازي عنتاب، فكُتب فيها لقب العائلة بشكل خاطئ وكذلك الأمر بالنسبة إلى اسمي. حاولت تعديلها لكنّني لم أنجح بذلك، وبعد فترة بدأوا بتبديل بطاقات الحماية المؤقتة. فقصدت السلطات الأمنية المختصة في ولاية غازي عنتاب للحصول على إذن لنقل زوجتي وابنتي إلى إقليم هاتاي حيث نقيم. تمّ التعديل لكنّ الأخطاء لم تسوَّ، فراجعت دائرة الهجرة لينصحني موظف تركي يتكلم العربية بأنّ الحلّ الوحيد أمامي هو تثبيت زواجي في بلدية الريحانية والحصول على البطاقة العائلية منها". ويكمل محمد: "في بداية عام 2018 تمكّنت من تثبيت زواجي والحصول على البطاقة، فحلّت المشكلة وعدّل لقب ابنتي وكذلك ابني الذي كان قد ولد في الفترة الماضية، وعدّل كذلك تاريخ ميلادي واسم والدي. هكذا سوّيت أوراقنا الثبوتية بعد جهد، فترجمتها وصدّقتها عند كاتب عدل، لكنّني لم أنتهِ من العقبات حتى آخر تحديث للبيانات في مارس/ آذار من العام الجاري".
أمّا عمر ج. من إدلب والمقيم في ولاية إسطنبول، فلم يجد حلاً لما يعدّه "معضلة". يقول لـ"العربي الجديد": "تزوّجت قبل عامَين وزوجتي تحمل بطاقة حماية مؤقتة صادرة عن مدينة نزب في ولاية غازي عنتاب. ومنذ ذلك الحين، حاولت جاهداً تعديل الوثائق الخاصة بزوجتي وضمّها إليّ والحصول على رقم عائلي واحد لنا، لكن الأمر لم يحصل، ففي كل مرّة أراجع السلطات المعنية تفيدني بأنّ هذا الأمر ممنوع". يضيف عمر أنّ "المشكلة تفاقمت عند ولادة ابننا الأوّل إذ إنّ سلطات إسطنبول المعنية رفضت منحه بطاقة حماية مؤقتة، إذ إنّها تعتمد في شهادة الميلاد على المعلومات الخاصة بالأم، وفي حالنا على بطاقة حمايتها المؤقتة. واليوم أحاول الاستحصال على بطاقة حماية مؤقتة لابننا من المدينة حيث يقيم أهل زوجتي، على أمل تجنّب مزيد من المشكلات".
اختلاف الولايات حيث تُصدر بطاقات الحماية المؤقتة لأفراد عائلة واحدة ليس السبب الوحيد لما يعانيه السوريون في ما يتعلّق لتسوية أوضاعهم في تركيا. يقول أمجد ع. لـ"العربي الجديد": "حجزت موعداً لتحديث بياناتي وبيانات عائلتي (زوجة وثلاثة أبناء) في مدينة الريحانية، فتفاجأت عندما أبلغني الموظف أنّ شخصاً آخر مقيّداً بالبصمات نفسها، وبالتالي من الممكن ترحيلي إلى سورية على هذا الأساس". يضيف أنّه "بعد حديث طال مع الموظف والتأكد من أنّني حصلت على بطاقة الحماية المؤقتة من المركز نفسه، طلب منّي المراجعة بعد 15 يوماً ليتم التحقّق وتسوية المشكلة التي لا أتحمّل بالتأكيد مسؤوليتها".
من جهته، يواجه أحمد مشكلة يتوقّع أنّ يكون حلّها أمراً صعباً. يقول لـ"العربي الجديد": "في بداية عام 2019 دخلت إلى تركيا آتياً من اليونان بطريقة غير شرعية، علماً أنّني أقمت في تركيا لمدّة أربعة أعوام قبل أن أغادرها متوجهاً إلى ألمانيا. ولأنّني لم أتمكّن من الحصول على إقامة دائمة هناك وبالتالي عدم السماح بلمّ شمل أسرتي التي كانت تقيم حينها في مخيّم جيلان بيلار بولاية أورفا التركية، قرّرت العودة، فألقي القبض عليّ وأُجبرت على توقيع أوراق الترحيل إلى سورية. وبعد محاولات عدّة، تمكّنت من عبور الحدود بمساعدة مهرّبين، ثمّ توجّهت إلى مدينة إسبرطة (جنوب غربي تركيا) حيث يقيم أخي وقد التحقت أسرتي بي". ويشكو أحمد من "الظروف الصعبة جداً حالياً، وأرجو أن يصدر عفو أو شيء من هذا القبيل أستطيع على أثره الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة لأتمكّن من العمل"، لافتاً إلى أنّ "السماسرة طلبوا منّي ألفَي دولار أميركي لقاء منحي بطاقة كيملك، لكنّ لا قدرة لي على توفير هذا المبلغ. كذلك أظنّ أنّ في ذلك عمليات نصب واحتيال للإيقاع بمن هو في حاجة إلى البطاقة".
في السياق، يقول عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ياسر الفرحان، لـ"العربي الجديد" إنّه "في خلال اجتماع وزير داخلية تركيا مع رئيس الائتلاف الوطني السوري، أبدى الوزير استجابة لطلب رئيس الائتلاف إيجاد صيغة لقبول نقل إقامة أفراد العائلة إلى إسطنبول في حال كان أحد الوالدَين يحمل بطاقة إقامة صادرة عن إسطنبول". وأوضح الفرحان أنّ "الائتلاف عرض ذلك من ضمن مجموعة من الأولويات، إذ إنّ لمّ شمل العائلة ضرورة تقتضيها الظروف المعيشية والنفسية، فضلاً عن أنّ لمّ الشمل حقّ أساسي تضمنته مبادئ حقوق الإنسان ورعته القوانين والقيم التركية، فيما تنظر إليه المعارضة السورية كحقّ لأفراد العائلة من أجل تماسكها وبناء مجتمع سليم".
ويوضح الفرحان أنّ "التعاون بين السلطات التركية والائتلاف الوطني في ما يخصّ تسوية قيود العائلات السورية يأتي في شقَّين. الشقّ الأوّل يتعلّق بقيدهم في سجلات الحكومة التركية بوصفهم مقيمين على أراضيها، وتختص بهذا الشأن المؤسسات التركية المعنية كإدارة الهجرة ودوائر النفوس، ونحن في هذا نحترم سيادة الدولة تركيا على أراضيها ونقدّر شرعية تنظيمها وجود الأجانب وإقامتهم لديها. أمّا الشقّ الثاني فيتعلق بقيد الوفيات والزيجات والولادات للسوريين في سجلات الأحوال المدنية السورية، وهذا ما تهتمّ به ممثليات الائتلاف وتعتمده المؤسسات التركية في بعض المعاملات، ونحن نعمل على إيجاد آلية تحمي السوريين من الابتزاز السياسي وتوفّر عليهم المشقة والتكلفة المالية الباهظة التي يتكبّدونها في خلال مراجعتهم قنصلية النظام السوري للحصول على وثائقهم". ويعيد الفرحان "الأخطاء في تدوين الألقاب إلى الاختلاف ما بين حروف اللغة العربية واللغة التركية"، مشيداً في الوقت نفسه بما تؤمّنه "بطاقة الحماية المؤقتة من حقوق ومزايا للسوريين تجعل وجودهم في تركيا شرعياً، الأمر الذي يخفّف صعوبات كثيرة في حياتهم ويؤسّس لاندماجهم".