منذ مايو/ أيار الماضي، أثيرت مسألة مشاركة المساجين التونسيين في الانتخابات الرئاسية وكذلك التشريعية المتوقّعة بـالبلاد في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني المقبلَين. وقد تناولت الهيئات الفرعية المستقلة للانتخابات إمكانية ذلك الأمر والقدرة على إجرائها على أرض الواقع، إذ إنّ القانون الانتخابي في تونس يمكّن السجين من حقّ الاقتراع ويسمح للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بإنشاء مراكز اقتراع في السجون مثلما هي الحال في دول ديمقراطية أخرى.
كانت البداية عندما قدّم المحامي زبير السعيدي في مايو/ أيار الماضي طلباً إلى رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بهدف تمكين المساجين من تسجيل أسمائهم للمشاركة في الانتخابات المقبلة. فدرست الهيئة المبادرة ووافقت عليها لا سيّما أنّها مسألة لا تتناقض مع القانون المنظم للانتخابات ولا تمثل أيّ إشكال قانوني. بالتالي، كان من المنتظر أن يشمل الأمر السجون التونسية كلها مع تسجيل آلاف المساجين ليكون سابقة، إذ إنّ السجين لا يفقد صفته كناخب وفق القانون التونسي. فالفصل الخامس من القانون الانتخابي ينصّ على أنّه "يعدّ ناخباً كل تونسي مرسم في سجل الناخبين بلغ 18 سنة كاملة في اليوم السابق للاقتراع ومتمتّع بحقوقه المدنيّة والسياسيّة". في المقابل، نصّ الفصل السادس من القانون نفسه على أنّه "ينحصر عدم التسجيل في السجل الانتخابي في ثلاث حالات فقط وهي الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة تكميليّة على معنى الفصل الخامس من المجلة الجزائيّة بما يحرمهم من ممارسة حقّ الانتخاب، والعسكريون كما حدّدهم القانون الأساسي العام للعسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي، والأشخاص المحجور عليهم لجنون مطبق طيلة مدة الحجر".
تجدر الإشارة إلى أنّه خلال الانتخابات البلدية الأخيرة في عام 2018، أُشركت قوات الأمن الداخلي وكذلك العسكريون كسابقة في تاريخ البلاد بعدما صادق مجلس النواب في يناير/ كانون الثاني من عام 2017 على السماح للأمنيين والعسكريين بالمشاركة في الانتخابات البلدية والجهوية دون سواهما. لكنّ ذلك ولّد جدالاً كبيراً بين مرحّب بالفكرة ورافض لها بدعوى ضرورة تحييد المؤسستَين الأمنية والعسكرية.
والأمر نفسه يحدث اليوم. فقد أثارت مطالب مشاركة المساجين في الانتخابات المقبلة جدالاً حول كيفية إجراء الانتخابات في داخل السجون، وكيفية مراقبة العملية الانتخابية في ظل غياب الشروط اللازمة لتنظيمها أو كيفية تنظيم انتخابات في مكان يشهد اكتظاظاً كبيراً. وثمّة تونسيون يرون أنّ طلب إشراك المساجين في العملية الانتخابية من دون تحضيرات مسبقة هدفه تزوير الانتخابات، متسائلين عمّا يضمن الإشراف على الصناديق في داخل السجون من قبل مكلفين من الهيئة الوطنية لمراقبة الانتخابات أو مراقبة الصناديق في خلال نقلها. بالنسبة إلى آخرين، فإنّ المسألة اليوم تختلف عن إشراك العسكريين والأمنيين في الانتخابات البلدية، والذي تمّ بعد مصادقة البرلمان قبل عام من العملية الانتخابية، وهي مدّة كافية لتنظيم المسألة فيما مطلب إشراك المساجين قدّم قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات المقبلة، بالتالي هذه المدّة غير كافية للانتهاء من الإجراءات الكفيلة بتأمين انتخابات نزيهة في داخل السجون. يُذكر أنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فتحت مكتب تسجيل للانتخابات في السجن المدني في صواف بمحافظة زغوان (شمال شرق) لتمكين المساجين من الانتخاب بمبادرة من قاضي تنفيذ العقوبات منير الرياحي.
في السياق، يقول عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنيس الجربوعي لـ"العربي الجديد"، إنّ "القانون الانتخابي ينصّ على تمتّع المساجين جميعهم، مبدئياً، بكل حقوقهم المدنية والسياسية بما فيها حقّ الاقتراع إلا في حالتَين اثنتَين: إمّا الأشخاص المحكومون بعقوبات تكميليّة وإمّا الذين سجنوا من أجل جناية تفوق مدّة عقوبتها 10 أعوام". ويشرح: "أوضحت سابقاً أنّ المبادرة في الأساس تقضي بالسماح لبعض المساجين بالاقتراع وليس جلّهم، بمعنى أنّها تستثني الذين صدرت في حقّهم عقوبات تكميلية تحرمهم من حقّ الاقتراع أو المحرومين من حقوقهم السياسية والمدنية. أمّا المعنيون فهم المساجين الذين يقضون عقوبة تقلّ مدتها عن عشر سنوات والذين يُخلى سبيلهم قبل السادس من أكتوبر/ تشرين الأول بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية و17 نوفمبر/ تشرين الثاني بالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية". وفي ما يتعلّق بمكتب التسجيل للانتخابات في سجن صواف، يشير الجربوعي إلى أنّ "قاضي تنفيذ العقوبات هو الذي طالب الهيئة بتمكين المساجين من الاقتراع في الانتخابات المقبلة، وقد وافقت الهيئة طالما أنّ الأمر لا يتناقض مع القانون الانتخابي. وقد طالبت الهيئة بتزويدها ببطاقات هوية المساجين لتسجيلهم".
وعلى الرغم من مرور شهرَين على تلك المطالب، فإنّ الأمر لم يحسم بعد، فيما أوضحت وزارة العدل أنّ المسألة تتطلب جملة من التحضيرات المسبقة والإعداد اللوجستي قبل أشهر عدّة لتنظيم عملية الانتخابات في داخل السجون وتحديد قائمة بالمساجين المعنيين بالمشاركة في الانتخابات وتوفير مكاتب كافية لهم. وتلك التحضيرات تستوجب إعداداً مادياً وإدارياً كبيراً وكذلك وقتاً طويلاً. كذلك فإنّ مسألة إشراك المساجين في العملية الانتخابية تتطلب تنقيح بعض النصوص التشريعية والترتيبية من قبيل القانون المنظّم للسجون والإصلاح والقانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، لا سيّما أنّ السجون التونسية تؤوي عدداً كبيراً من الموقوفين الذين لم تصدر أحكام في حقّهم بعد، وهو ما يتطلب الحصول على تراخيص مسبقة من قبل السلطة القضائية.