يسعى الأردن إلى تكريس ثقافة مختلفة للتعامل مع الكلاب الضالة. وبدلاً من قتلها، يعتمد برنامج تعقيم الكلاب ABC، أي استئصال الأعضاء التناسلية، للسيطرة على تكاثرها. خطوة يراها البعض أكثر إنسانية.
في الأردن، تتجنّب أمانة العاصمة عمّان تسميم أو قنص الكلاب الضالة، وتعمد إلى السيطرة على تكاثرها من خلال برنامج تعقيم الكلاب "ABC". والوسائل التقليدية كالسمّ والقنص، عدا عن كونها غير إنسانية، فإنها تضر بالبيئة، وتؤدي إلى انتشار داء الكلب (السعار) في حال نفوق الكلاب والتهامها من قبل حيوانات أخرى.
في هذا السياق، تقول مديرة دائرة ضبط ناقلات الأمراض ورعاية الحيوان في أمانة العاصمة عمّان شتورة العدوان، إن الأمانة بدأت العمل منذ سنوات على تغيير السياسات المتبعة لمكافحة الكلاب الضالة، والتحول من القنص إلى السيطرة عليها من خلال السيطرة على تكاثرها، لافتة إلى أن نتائج هذه الطريقة أفضل. وتشير إلى أن أمانة عمّان لم تعتمد في أي يوم من الأيام تسميم الكلاب الضالة، مؤكدة أن الهدف العام هو حماية الإنسان والبيئة. وتوضح العدوان في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أمانة عمّان تسعى للسيطرة على الكلاب الضالة لهدفين أساسيين: الأول صحي لحماية المواطنين من انتقال الأمراض المشتركة، خصوصاً السعار، والثاني بيئي من أجل حفظ التوازن في البيئة المحلية.
وتشير العدوان إلى أن الأمانة تكافح الكلاب الضالة من خلال جولات ميدانية لكوادر الدائرة ضمن برنامج يشمل مناطق العاصمة، مشيرة إلى أن مكافحة الكلاب الضالة والسيطرة عليها تتم من خلال تطبيق برنامج "ABC"، أي السيطرة على الكلاب من خلال السيطرة على توالدها، وذلك عبر مركز رعاية الحيوان في منطقة الموقر، الذي يعمل على استئصال الأعضاء التناسلية للكلاب ذكوراً وإناثاً في المركز وتحصينها. تضيف أن الكلاب تُجمع من المواقع التي توجد فيها بناء على بيانات من الأمانة، وهناك تاريخ وبيانات للأماكن التي تنشط فيها الكلاب الضالة وتتكاثر، وبيانات أخرى تتعلق بالشكاوى التي تعد مؤشراً قوياً على الأماكن التي توجد فيها. وتضيف العدوان: "بعدها، يتم إطلاق سراح هذه الكلاب في المنطقة التي تم اصطيادها منها. كما أن هذه الكلاب المبتورة الأعضاء التناسلية والمحصنة تمنع الكلاب الضالة التي لم تخضع لهذه العملية من الاقتراب من حيز منطقتها، وبذلك يتم ضبطها أكثر". وتلفت إلى أن الهدف من برامج السيطرة ليس القضاء على الكلاب، بل السيطرة لتكون في إطار التوازن البيئي المطلوب، أي خفض الأعداد إلى الحدود التي تمنع انتشار الأمراض، أو التسبب بإزعاج المواطنين. كما أن عملية التكاثر في هذه المنطقة على المدى الطويل تنخفض".
وفي ما يتعلق بشكاوى المواطنين، توضح العدوان أن الشكاوى لا تتعلق دائماً بكون الكلب شرس، بل لأن الكلاب الضالة تؤرّق المواطنين، مشيرة إلى أن الأمانة، بالإضافة إلى دورها الخدماتي المباشر، تبث رسائل توعية حول هذا الموضوع، من خلال كافة السبل. وهناك محاضرات توعوية لتلاميذ المدارس والشباب حول الموضوع، إضافة إلى كيفية التعامل مع هذه الحيوانات من منطلقات علمية وأخلاقية بعيداً عن الموروث الثقافي غير الدقيق أحياناً.
من جهته، يقول رئيس قسم رعاية الحيوان في أمانة عمّان زياد العمايرة، إن الأمانة تتلقى طلبات الخدمة بشأن الكلاب الضالة عبر الموقع الإلكتروني، إضافة إلى أخرى تقدم بشكل شخصي. بعد ذلك، تقوم فرق البلدية التي تعمل على مدار الساعة بالتعامل مع هذه الكلاب وضبطها وجلبها إلى المركز. يضيف: "بعدها، يحدد مكان ضبطها، جنسها، لونها، ثمّ يُكشف عليها من قبل الطبيب البيطري، في حال كانت تحتاج إلى عناية صحية. وتُعطى رقماً تسلسلياً من خلال حلقة توضع على الأذن تدل على أن هذا الحيوان أجريت عملية جراحية له أم لا. بعد ذلك، تعاد إلى المكان الذي ضبطت فيه، مشيراً إلى أن العملية تستمر من 4 إلى 5 أيام.
ويلفت العمايرة إلى أهمية تجنب المواطنين بعض الممارسات الخاطئة التي تساهم في زيادة أعداد الكلاب في بعض المناطق دون غيرها، وذلك بإلقاء النفايات بشكل عشوائي وإخراجها من المنازل في غير الأوقات المحددة لمرور آليات النظافة التي تقوم بجمعها، وبالتالي تصبح جاذبة للكلاب التي تتغذى منها، فضلاً عن تربية المواشي والدواجن داخل الأماكن السكنية.
بدوره، يقول الطبيب البيطري أمجد الزيود، الذي يتولى القيام بهذه العمليات: "في البداية، تشخص الكلاب التي يتم إمساكها، وتقيّمُ حالتها الصحية. بعد ذلك، تجرى عمليات جراحية لمنع تكاثر الكلاب الضالة، مع لقاحات تحافظ على سلامتها، وتحول دون انتشار الأمراض بينها، خصوصاً السعار". ويؤكد أن نسبة انتشار هذا المرض بين الكلاب الضالة لا تكاد تذكر. ويوضح الزيود أن المركز يجري هذه العمليات منذ عام 2011، موضحاً أن عدد العمليات يراوح ما بين 50 و60 عملية شهرياً، وتبدأ هذه العمليات للكلاب التي يزيد عمرها عن خمسة أشهر. ويقول إن الهدف الأساسي تقليص عدد الكلاب عبر نظام ABC.
في السياق، تقول منار الرحاحلة، مديرة شركة الكنعاني لرعاية الحيوان، لـ"العربي الجديد"، إنهم يدعمون تطبيق برنامج ABC للتعقيم والتطعيم، الذي يعمل على استئصال الأعضاء التناسلية للكلاب، وخصوصاً أن الممارسات الأخرى لا تراعي الجوانب الإنسانية في التعامل مع الحيوان، كالتسميم والقنص. وتوضح أن هذه الكلاب المبتورة الأعضاء والمحصنة تمنع الكلاب الضالة التي لم تخضع لهذه العملية من الاقتراب من حيز منطقتها، وبذلك تتم السيطرة عليها أكثر. وتشير إلى أن كلباً أو كلبة واحدة من الممكن أن تتسبب بولادة ما يزيد عن 50 ألف كلب خلال عشر سنوات. وتضيف أنهم يعملون على التوعية في المدارس والجمعيات حول الكلاب الضالة، مشيرة إلى أن الكلاب الضالة لم تتسبب بوفيات. وتوضح أن الوفاة التي حدثت في محافظة المفرق، شمال شرق الأردن، العام الحالي، كانت بسبب كلاب حراسة مدربة على العدوانية.
وتأمل الرحاحلة بالتوسع في برنامج ABC ليشمل كافة محافظات المملكة، وخصوصاً أن هناك عمليات تسميم وقنص واسعة للكلاب الضالة في محافظات مادبا والكرك والمفرق. وتشير إلى أن الشركة رفعت 15 دعوى منذ بداية العام بسبب عمليات موثقة تظهر اعتداءات على الكلاب والقطط، إضافة إلى قيام آسيويين بسلخ كلاب وأكل لحومها، من أجل اتخاذ قرارات وإجراءات رادعة بحق المعتدين.
يُذكر أن الشارع الأردني يتداول كثيراً من الأخبار عن مهاجمة كلاب ضالة للمواطنين والأطفال، وتسببت كلاب بمقتل طفلين العام الحالي في محافظة المفرق، في وقت تشير منار الرحاحلة إلى أن كلاب الحراسة هي التي تسببت بذلك. وفي الأردن، وإن بشكل نسبي، تنظر الطبقات الميسورة إلى تربية الكلاب كإحدى علامات الرقي، كما يهتم أصحاب المزارع ورعاة الأغنام بها كعامل مساعد لحماية الممتلكات، بينما ينظر الكثير من المواطنين إلى الكلب كحيوان عدو ومخيف يجب التخلص منه.