تونس تبحث مستقبل متقاعديها وسبل الاستفادة من خبراتهم

16 يوليو 2019
سبل الاستفادة من خبراتهم (Getty)
+ الخط -
شرعت الحكومة التونسية، اليوم الثلاثاء، في مناقشة مستقبل المتقاعدين الذين سيتجاوز عددهم مليونا و200 ألف في غضون الأعوام الخمسة القادمة، وفتحت السلطات أبواب التفكير في الاستفادة من خبراتهم من خلال مواصلة نشاطهم في تأطير الشباب وخدمة الدولة.

وأكد رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، خلال مداخلته في ندوة وطنية حول المتقاعدين تحت عنوان "كبار السن والمتقاعدون.. كفاءات وخبرات في خدمة الوطن" على ضرورة التفكير في حياة نشيطة بعد التقاعد والعمل على وضع كفاءات المتقاعدين على ذمة الدولة في تأطير الشباب على سبيل المثال.

وأشار الشاهد إلى ضرورة التفكير في إحداث مجلس للحكماء يجمع كل المتقاعدين كخطوة للاستفادة من خبرتهم في حياتهم العملية، مشددا على ضرورة العمل على إدماج المتقاعدين أكثر في الحياة الاقتصادية بعد بلوغهم سن التقاعد بما يضمن لهم ظروف عيش ملائمة.

ونفى أي نية للحكومة في الترفيع مجددا في سن التقاعد أو في تعديل قانون التقاعد، مشددا على ضرورة الاهتمام بقضايا المتقاعدين في ظل تزايد أعدادهم وتغير ملامح الهرم السكاني للبلاد، ما يتطلب استعدادات استباقية واستشرافية جدية لاتخاذ الحلول المناسبة للاستثمار في هذه الشريحة لما تستبطنه من خبرات وتجارب ومهارات مهنية وحياتية واسعة.

وأضاف الشاهد أنه في إطار التزام الصناديق الاجتماعية بتعهداتها إزاء منظوريها وخاصة المتقاعدين وذوي الحق من أرامل وأيتام، وجب العمل على تحريرها من الضغوطات المالية، التي تواجهها، وذلك بالتشاور مع الأطراف الاجتماعية وبلورة تصور إصلاحي متكامل يهدف إلى المحافظة على ديمومة توازنات صناديق الضمان الاجتماعي وحمايتها من خطر الإفلاس المحدق بها.

وتتمثل مكونات هذا الإصلاح وفق الشاهد، في إرساء مساهمة اجتماعية تضامنية على المداخيل لتنويع مصادر تمويل الضمان الاجتماعي بإنفاذ مبدأ التضامن الوطني، ووضع خطة وطنية لمقاومة التهرب الاجتماعي، وتكثيف الجهود لاستخلاص ديون الصناديق، وتوسيع نطاق التغطية الاجتماعية لتشمل الفئات المهنية الضعيفة، علاوة على التمديد في سن التقاعد في القطاعين العام والخاص، والترفيع في المنحة الشهرية المسندة للعائلات المعوزة بعشرين في المائة مع استيعاب قائمات الانتظار وتمكينها من بطاقات علاج مجاني، وذلك في إطار تكريس جهود الدولة للحد من الفقر خاصة لدى فئة كبار السن الذين يمثلون حوالي 60 في المائة من مجموع الأسر المنتفعة بهذا البرنامج.

وأكد رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بمجلس نواب الشعب، سهيل العلويني، لـ"العربي الجديد" أن الحكومة لم تقترح على البرلمان أي تعديل على الترفيع في سن التقاعد من جديد،  مشيرا إلى أن التفكير جماعي في سبل الاستفادة من تجارب وخبرات المتقاعدين في تونس الذين يمثلون ثروة خصوصا ممن لهم استعداد لمواصلة تقديم الإضافة وخدمة المجتمع.

وبيّن العلويني أهمية النهوض بواقع المتقاعدين من خلال تنشيط حياتهم بعد انتهاء مسارهم المهني وتوظيف خبراتهم في العمل الجمعياتي والثقافي والاقتصادي والاستفادة من تجربتهم وتشريكهم في الاستشارات والورشات الوطنية لصنع القرار عند إعداد مشاريع القوانين في كل المجالات، بالإضافة إلى تطوير خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية لفائدتهم.

ووعد الشاهد خلال الندوة بتخصيص مجلس وزاري خلال الأيام القليلة القادمة، وسيتم خلاله اتخاذ جملة من القرارات لفائدة المتقاعدين، كما سيتم تنظيم سلسلة من الندوات الجهوية لفتح دائرة الحوار المجتمعي لصالح هذه الفئة.

ولفت إلى أنه سيتم تبني المقترحات التي ستتمخض عن هذه الندوة الوطنية
من أجل تحسين ظروف عيش المتقاعدين وتحويلها إلى حياة نشيطة تمكنهم من مرحلة جديدة من النشاط والعطاء وإعادة إدماجهم من جديد في صلب المجتمع، والاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم لتأطير الأجيال المتعاقبة في الإدارة والقطاع الخاص.

وأكد يوسف الشاهد حرص الدولة منذ سنة 2016 على اتخاذ جملة من الإصلاحات الكبرى الخاصة في المجال الاجتماعي، وذلك في إطار رؤية إستراتيجية شاملة للدولة تهدف إلى إرساء أرضية وطنية للحماية الاجتماعية تكفل جملة من الضمانات لجميع شرائح المجتمع، بما في ذلك شريحة كبار السن والمتقاعدين، كالحق في التغطية الصحية الأساسية للجميع، إذ قدر عدد أصحاب الجرايات(رواتب المتقاعدين) من القطاعين العام والخاص بمليون و127 ألفا و989 منتفعا، خلال السنة نفسها.

ولفت رئيس الحكومة إلى أنّ مسألة حماية المقدرة الشرائية لهؤلاء المتقاعدين تمثل إحدى أولويات الحكومة ليتم الترفيع في هذه الجرايات بصفة منتظمة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة في القطاعين العام والخاص بصورة غير مسبوقة لتتطور الجرايات في القطاع الخاص بـ18.5 في المائة بمعدل 6 في المائة سنويا وتقريبا نفس النسبة في القطاع العام، مشيرا إلى أن نفقات التقاعد في القطاع العام قد ارتفعت إلى 3655 مليون دينار سنة 2019، كما بلغت التغطية الصحية للمتقاعدين سنة 2017 حوالي 2266 مليون دينار.


ويتوقع أن يبلغ عدد المتقاعدين في تونس نحو مليون و200 ألف و500 متقاعد في غضون سنة 2024، بحسب دراسة بعنوان "أي مستقبل للمتقاعدين في تونس؟" أنجزها، مؤخرا، عدة خبراء لفائدة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية التونسية.

وكان مدير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، ناجي جلول، كشف في حديث لوكالة تونس أفريقيا للأنباء عن وجود 3 في المائة من المتقاعدين من كبار إطارات الدولة تحت خط الفقر بسبب ضعف جراياتهم وارتفاع نفقات الصحة في تونس.

وأكد أن هناك 117 ألف متقاعد في تونس يتقاضون جرايات بقيمة 100 دينار أو أقل في الشهر، محذرا في الوقت نفسه من تدهور الرعاية الصحية الموجهة لفئة المتقاعدين بسبب تدهور مقدرتهم الشرائية، ناهيك عن تدني الخدمات الصحية وتفاقم عجز الصناديق الاجتماعية.