خلال العيد، يتهافت الأطفال في تونس على شراء المسدسات وغيرها من الألعاب البلاستيكية التي تشكل خطراً على صحتهم، في ظل غياب الرقابة.
يخرج عزيز، وهو طفل يبلغ من العمر سبعة أعوام، يومياً إلى حيّه في منطقة باردو وسط تونس، ويشعل "الفوشيك" (الألعاب النارية)، فيتجمّع حوله الصبية ويلهون بها. ثمّ يشعلون إسفنجة مخصّصة لغسل الآواني وسرعان ما تتطاير شرارتها في الهواء، فيصرخون ويمرحون. لا يكتفي عزيز بهذه الألعاب الخطرة، التي صارت منذ شهر رمضان المنصرم وسيلته الوحيدة للهو، على الرغم من أنها لا تخلو من مخاطر. يمسك مسدسه الكبير الذي اشتراه من السوق ويطلق الأسهم البلاستيكية تجاه كل من يعترض سبيله. وتؤكد والدته لطيفة لـ"العربي الجديد" أنّ المسدسات هي أكثر ما يشتريه الأولاد في مثل هذه الفترة، خصوصاً إذا كانت كبيرة الحجم. تضيف أن أسعار هذه الألعاب معقولة ولا تتجاوز خمسة دولارات، بالمقارنة مع تلك التي تباع في المحال التجارية الكبرى أو محلات الألعاب، التي يصل سعرها إلى ما بين 10 و20 دولاراً أميركياً.
في تونس العاصمة، وعلى مقربة من أشهر مركز تجاري، وتحديداً في شارع عبد الناصر، تتكدّس عشرات الألعاب من مسدسات قاذفة للكويرات ومسدسات ليزر وغيرها، إضافة إلى الدمى والقطط التي عادة ما تشتريها الفتيات. وعلى الرغم من تحذيرات وزارة الصحة والمهتمين بالطفولة من هذه الألعاب، فإنّ غالبية العائلات في تونس تشتريها خلال العيد لأطفالها. واللافت أن بعض الأمهات يساعدن أطفالهن على اختيار المسدسات والألعاب النارية بمختلف أنواعها.
يؤكّد مدير إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط محمد الرابحي لـ"العربي الجديد"، أنّ "الألعاب بدأت تظهر كالفقاقيع في الساحات العامة والأسواق الموازية"، داعياً إلى ضرورة الحذر وعدم اقتنائها من قبل الأطفال نظراً للمشاكل الصحية التي قد تسبّبها. يضيف أن بعض الألعاب لا تخلو من مخاطر كالمسدسات القاذفة للكويرات وتلك التي قد يضعها الصغار في الفم، وتكون على شكل كرات طرية". ويوضح أن الألعاب في المسالك الموازية غير مراقبة وقد تحتوي على مواد ممنوعة تسبب مشاكل صحية عديدة، مشيراً إلى أن الألعاب المستوردة تخضع للرقابة. وبحسب الرابحي، فإن ألعاباً كثيرة تشجع على العنف مثل الرشاشات والمسدسات، عدا عن المخاطر الأخرى، ما يعني أنه يتوجب على أولياء الأمور عدم تلبية رغبات أطفالهم في اقتناء مثل هذه الألعاب، و"يُستحسن شراء لعبة واحدة مطابقة للمواصفات بدلاً من عشرات الألعاب التي يسهل الاختناق بها، خصوصاً للأطفال ما دون الثالثة من عمرهم" على حد تعبير الرابحي الذي يلفت إلى أن هذه الألعاب قد تحتوي على مواد سامة ومسرطنة في حال وضعت في الفم.
من جهته، يقول رئيس الجمعية التونسية لحماية الطفولة معز الشريف، لـ"العربي الجديد"، إنّ الدولة تتحمل مسؤولية مراقبة الألعاب ووسائل الترفيه في تونس. للأسف، تنتشر الألعاب المضرة في الأسواق الموازية والأحياء السكنية في ظل غياب الرقابة. ويرى أنّ غياب استراتيجية واضحة لدعم منتجين تونسيين، وأسواق منظمة تؤمن ألعاباً بأسعار مناسبة، سيؤديان بالعائلات للجوء إلى الأسواق الموازية لأن أسعارها مقبولة. بالنسبة إلى الشريف، فإنّ عائلات كثيرة تدرك خطورة الألعاب المنتشرة في الأسواق الموازية، لكنها مجبرة على إرضاء أطفالها في هذه الفترة، إذ لا تجد بديلاً. يضيف أن نسبة كبيرة من الألعاب مضرة، ويحتوي بعضها على مواد سامة وملونة. وفي ظل غياب الرقابة، فإنّ مصدرها يعدّ مجهولاً تماماً. ويلفت إلى أن انتشار الرشاشات والمسدسات والسكاكين والعصي يدفع إلى العنف بدلاً من التعايش السلمي. ويأسف الشريف لأن الألعاب التعليمية التي تنمّي الذكاء لدى الطفل وحب الاطلاع قليلة جداً، وتكاد تعد على أصابع اليد. كما أن أسعارها ليست في متناول الكثير من العائلات التونسية.
ويرى الشريف أنّ الخطر الأكبر يتمثل في المفرقعات التي تسبب أضراراً كثيرة حتى أنه "في بعض الأحيان، يخسر أطفال بصرهم". ويضيف أنّه في ظل غياب سياسة ورؤية واضحة من الدولة للدفع نحو اللعب الهادف الذي يساهم في تنمية الأطفال، فإنّها تتحمل مسؤولية انتشار مثل هذه الألعاب بالدرجة الأولى، خصوصاً وأنها لم توفّر بديلاً. ويأمل أن تفعّل وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ استراتيجية تربوية تتناول قضية الألعاب التي تنتشر في الأعياد، مؤكداً أنّ الإحصائيات المتعلقة بحوادث الأطفال نتيجة الألعاب الخطرة تكاد تكون غير موجودة بسبب عدم الإبلاغ عن مثل هذه الحوادث.
تجدر الإشارة إلى أنّه بعد تفتيش ومداهمة المخازن والمحال التي تنشط في مجال ترويج ألعاب الأطفال بصفة غير قانونية، تمكنت مصالح إدارة الأبحاث الديوانية برفقة الحرس الديواني في 24 مايو/ أيار الماضي، من حجز كميات كبيرة من الألعاب المهربة، التي قدرت قيمتها بنحو سبعة ملايين دينار تونسي (نحو 2.3 مليون دولار) في كل من محافظات تونس الكبرى وسوسة ومساكن والمنستير والمهدية. كما حجزت ألعاباً نارية وأخرى شبيهة بالأسلحة البلاستيكية، والتي كثيراً ما تم التحذير من خطورتها على الأطفال.