أطفال مصر بلا عيدية

04 يونيو 2019
بالونات العيد (محمد مصطفى/ Getty)
+ الخط -
هذا العام، كان للأوضاع الاقتصادية تأثير واضح على المصريين انعكس على استعدادهم لاستقبال عيد الفطر. وباتوا يتمنون أن تمرّ أيام العيد بسرعة، بسبب الغلاء الذي طاول كل شيء من مأكل وملبس وغيرهما. وعامل الغلاء كفيل بضياع فرحة الناس. البؤس ومرارة العيش وضيق ذات اليد تبدو جليّة على وجوه كثيرين. على الرغم من ذلك، يبقى للمناسبة فرحتها وطقوس لا غنى عنها.

أعباء الحياة

ربيع حسين يعمل ساعياً في إحدى الشركات، ولديه أربعة أبناء. يومياً، يأتي إلى القاهرة مستقلاً القطار. كانت فرحته كبيرة حين وجد أحد الباعة الجوالين يبيع بالونات رخيصة في القطار. كان البائع ينادي: "البالونة بجنيه"، فاشترى عشر بالونات ليوزعها على أولاده وأولاد شقيقه الذين يعيشون معه في المنزل نفسه. يقول لـ "العربي الجديد": "بالكاد نوفر ثمن وجبة العيد. لم يعد هناك فائض للعيدية كما في السابق، ولم يعد شراء الملابس الجديدة من أولوياتنا. لكن لا ذنب للأولاد ويجب أن يفرحوا".

أما أبو حسان، فيقول إنه يعمل في أحد محال بيع الملابس. لم يستطع شراء ملابس العيد لأولاده لأن الأسعار مرتفعة في المحل الذي يعمل فيه. أعطى زوجته مبلغاً من المال لتشتري ملابس مستعملة لبناته الثلاث، وقد اشترتها بالتقسيط. يضيف: "العيد لم يعد كما في السابق. كنا نتبادل التهاني ونقضي أيامه بفرح. لكن الأحوال تغيرت والترابط بين العائلات صار قليلاً. يكتفي كثير من الناس بإرسال رسالة أو إجراء اتصال هاتفي للتهنئة، نتيجة الانشغال بهموم وأعباء الحياة. بالتالي، انعدمت عيدية الأطفال التي كانوا ينتظرونها كل عام، وتعد طقساً أساسياً في العيد. وكان الجميع يحرص على تحضير النقود والعملات الورقية ذات الطباعة الجديدة لإسعاد من حولهم في العيد، خصوصاً الأطفال. أما اليوم، فيكتفي ربّ الأسرة بتقديم عدد من الجنيهات إلى أولاده، كلّ بحسب ظروفه.



يا عيد

لم تمنع الظروف الصعبة المصريين من التخطيط لقضاء أوقات سعيدة للأسرة خارج المنزل مثل الحدائق، والمتنزهات العامة القليلة، أو التوجه إلى الملاهي بصحبة الأطفال، أو دور السينما لمشاهدة أفلام جديدة.

يقول محمد مدني وهو رب أسرة، إنه يتقاضى راتباً شهرياً يقدر بـ 2300 جنيه (نحو 137 دولاراً)، ويعمل في مجال الأمن خلال الفترة المسائية من أجل تأمين احتياجات أسرته على مدى 30 يوماً. يوضح أنه اعتاد على اصطحاب أسرته الصغيرة في نزهة أول أو ثاني أيام العيد من كل عام، إلى حديقة الحيوانات في الجيزة أو كورنيش النيل. "يحق للأولاد أن يفرحوا ويشعروا أن يوم العيد يختلف عن باقي الأيام، على الرغم من كل الظروف الصعبة".
وتتفق ماجدة عبد الرحمن، وهي ربة منزل مع رأي مدني. تقول: "لا بد للأولاد أن يفرحوا بالعيد على الرغم من أن الحياة أصبحت أصعب من أي وقت. نجهز الأكل والمشروبات في البيت ونخرج إلى أحد المتنزهات لقضاء يوم العيد. المهم أن يلعب الأولاد والمال ليس كل شيء".

من جهته، يرى أحمد عطا، وهو موظف، أن "ضغوط الحياة غيرت طعم الأعياد. حتى الزيارات العائلية انقطعت، وأصبح الاتصال الهاتفي يغني عن الزيارات". ويقول: "أعطي عيدية لأولادي فقط، لأن المصاريف كثيرة خلال رمضان والعيد. يجب علينا الانتباه حتى نتمكن من الاستمرار. حجم الرفاهية أصبح أقل من السابق بكتير، والخيارات محدودة".
ناصر دياب شاب في العشرين من عمره. يقول: "أحرص أنا وأصدقائي على قضاء ليلة العيد معاً، وعادة ما نذهب إلى الملاهي أو أحد المتنزهات أو نتناول طعام الغداء في مطعم. نستعد لهذا اليوم من قبل وندخر له حتى لا نكلف أهلنا. نحن أدرى بظروفهم".



عيدية

محمد ابن الثانية عشرة كسر حصالته ليتمكن من الخروج مع أصدقائه. يقول: "وجدت فيها ثلاثين جنيهاً، وقد يصل المبلغ إلى الخمسين نتيجة العيديات. اتفقت مع أصحابي على التنزه وقررنا أن نأكل طبقاً من الكشري. المبلغ المتبقي لن يكفي للذهاب إلى الملاهي. لكن سنقضي يوماً جميلاً في أحد المتنزهات. المهم أن أكون مع أصدقائي". ويقول حازم محمد (11 عاماً) إنّه يحلم بمال كثير يوم العيد، حتى يشتري الألعاب ويركب المراجيح.

أما فاطمة السيد (15 عاماً)، فتتذكر المال الذي كانت تحصل عليه من الأهل والأقارب، وكان يكفيها أسبوعاً. أما اليوم، فالعيدية تقتصر على الأب فقط أو الأم أحياناً، وبمبالغ زهيدة تتراوح بين 5 جنيهات (0.3 دولار) و20 جنيهاً (نحو دولار)، ولا تكفي لشراء أي لعبة. حتى الألعاب أصبحت رديئة، وتتعطّل في اليوم نفسه.

من جهته، يقول محمد طنطاوي، وهو صاحب مهنة حرة: "أعطي عيدية للأولاد والأقارب من الدرجة الأولى لرسم البهجة على وجوههم. ازدادت نسبة الغلاء في البلاد، ولا ندري ماذا نفعل". يضيف أنه يعاني من السكري والضغط، ما يجعله يدفع أكثر من 600 جنيه (نحو 35 دولاراً) شهرياً، عدا عن فواتير الكهرباء والمياه والغاز والهاتف وتكاليف الطعام الشهرية. ويوضح أن حاله حال عامة الشعب المصري. مع بداية كل شهر، يحسب المال لتأمين متطلبات الشهر. لشهر رمضان والعيد كلفة إضافية تزيد الهموم على الناس في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.