بعدما جَمَعَت عريضة تطالب بالاعتراف بمجاعة "هولودومور" وتعني وباء الجوع (عامي 1932 و1933) باعتبارها إبادة جماعية بحق الشعب الأوكراني على موقع البرلمان الألماني، أكثر من 73 ألف توقيع، تراهن كييف أن يبدأ البوندستاغ الألماني (المجلس التشريعي الاتحادي) النظر في الأمر، سعياً منها لنيل اعتراف دولي بتلك الصفحة المأساوية من التاريخ السوفييتي.
وبحسب المؤرخين، تعود أسباب "هولودومور" إلى انتهاج السلطات السوفييتية في عهد الدكتاتور جوزيف ستالين، سياسة إلزامية وقمعية في ما يتعلق بحجم إنتاج الحبوب، ما أسفر عن وفاة ما بين 3 و4 ملايين أوكراني، بينما يقدّر إجمالي عدد الضحايا في عموم الاتحاد السوفييتي بنحو سبعة ملايين. وفي حال عجز المزارعون عن الوفاء بخطط الإنتاج، تُصادر مواد غذائية أخرى منهم على سبيل العقاب، مثل اللحوم والبطاطس وحتى الفاصولياء والفاكهة المجففة.
ووسط توجه كييف نحو الابتعاد عن موسكو وريثة الاتحاد السوفييتي، اعترفت الرادا العليا (البرلمان الأوكراني) بأن تلك الأحداث شكلت إبادة جماعية بحق الشعب الأوكراني، كما نص القانون على منع الإنكار العلني لـ "هولودومور"، ما مهد الطريق للترويج لهذا الموقف دولياً حتى تحذو الدول الغربية حذو أوكرانيا.
حتى الآن، اعترف أكثر من 20 بلداً بـ "هولودومور" باعتبارها إبادة جماعية، منها الولايات المتحدة وكندا وإيطاليا وإسبانيا، وبعض الدول في أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفييتية السابقة التي تتخذ مواقف عدائية تجاه روسيا، مثل جورجيا ودول البلطيق الثلاث (لاتفيا وليتوانيا وإستونيا) وبولندا وغيرها. وفي عام 2008، ندد البرلمان الأوروبي بـ
"هولودومور"، ووصفها بأنها "جريمة مروعة بحق الشعب الأوكراني والإنسانية".
اقــرأ أيضاً
في المقابل، ترفض روسيا اعتبار "هولودومور" إبادة جماعية، معتبرة أنها مأساة مشتركة لكل جمهوريات الاتحاد السوفييتي، والتي راح ضحيتها ملايين المواطنين السوفييت، وليست حصراً بأوكرانيا وحدها. إذ اجتاحت المجاعة مناطق بوفولجيه المطلة على نهر فولغا، وكوبان جنوب روسيا، وبيلاروسيا، وجنوب الأورال، وغرب سيبيريا، وكازاخستان.
في هذا الإطار، يقول الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، إن اعتراف برلين بـ "هولودومور" سيشكل علامة فارقة وسابقة في نيل اعتراف دولي واسع بالرواية الأوكرانية، نظراً لكون ألمانيا شريكاً اقتصادياً كبيراً لروسيا، لا سيما في مجال الطاقة. ويقول سيميفولوس لـ "العربي الجديد": "أمور كثيرة في العلاقات الدولية تصبح رهينة لسياسات دول بعينها. هناك بلدان تتخذ موقفاً إيجابياً حيال أوكرانيا وتريد التعاون معها، فاعترفت بهولودومور. إلا أن ألمانيا تشكل حالة خاصة كونها شريكاً اقتصادياً هاماً لروسيا، وتتنصل من البت في المسألة حتى تسمح الظروف. لكن الآن، دخلت القضية في إطار السياسة العامة، وستضطر ألمانيا لتحديد موقفها".
وبعدما جمعت العريضة التواقيع اللازمة على موقع البوندستاغ، من المقرر أن تصوت أمانة لجنة العرائض التي تضم 28 نائباً في الأشهر المقبلة، على طرح المسألة للنظر بالبرلمان. وحول الأسباب التي حالت دون نيل اعتراف دولي أوسع بـ "هولودمور" حتى الآن، يوضح سيميفولوس: "لم يتم استحداث مفهوم الإبادة الجماعية سوى بعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، إلا أن موسكو روجت لفكرة أن الإبادة لم تكن متعمدة، بل جاءت نتيجة لسوء الظروف الطبيعية في ذلك الوقت، بينما تجنبت القوى الأخرى مواجهة روسيا. لذلك، تعتبر الأمم المتحدة هولودومور جريمة ضد الإنسانية وليس إبادة جماعية تدين الاتحاد السوفييتي السابق".
اقــرأ أيضاً
من جهته، يشير المؤرخ سيرغي بوندارينكو، الذي يعمل في المنظمة الحقوقية "ميموريال" في
موسكو، إلى أن كل الحقائق التاريخية تؤكد أن "هولودومور" كانت إبادة جماعية مع وجود اختلاف في التفسيرات حول ما إذا كانت بحق الشعب الأوكراني وحده أم شعوب عدة. ويقول لـ "العربي الجديد": "كانت هولودومور مجاعة مصطنعة استهدفت المناطق الأكثر إنتاجاً للحبوب مثل بوفولجيه وكازاخستان وأوكرانيا، إذ تمت محاصرتها لمنع فرار السكان، ومصادرة كميات هائلة من الحبوب".
وحول أسباب تعامل السلطات السوفييتية بهذه القسوة مع تلك المناطق، يضيف: "في تلك الحقبة، كانت الحبوب لا النفط هي الصادرات السوفييتية الرئيسية، وكانت الدولة تعتمد عليها لسداد القروض بهدف تحقيق التنمية الصناعية والتكنولوجية في إطار برنامج السنوات الخمس. وفي حالة أوكرانيا تحديداً، اصطدمت السلطة السوفييتية بمقاومة السكان لتشكيل الجمعيات الزراعية، فقررت تجويع بعضهم وفرض تلك الجمعيات".
وعلى الرغم من سعي السلطات السوفييتية للتعتيم على المجاعة، إلا أن الأنباء عنها تسربت في نهاية عام 1933 إلى الصحافة البريطانية، ما دفع موسكو إلى حظر سفر المراسلين الأجانب إلى المناطق التي تعاني من المجاعة. حتى داخل الاتحاد السوفييتي، لم يسمح للمؤرخين بالحديث إلا عن "نقص الأغذية" وليس المجاعة حتى حقبة الإصلاحات "بيريسترويكا" التي أطلقها آخر الزعماء السوفييت، ميخائيل غورباتشوف، في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. وفي عام 1987، نطق السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفييتي، فلاديمير شيربيتسكي، لأول مرة بكلمة "هولودومور"، معترفاً بحقيقة حدوث المجاعة في عامي 1932 و1933، مما مهد الطريق لتناول القضايا على نطاق واسع.
وبحسب المؤرخين، تعود أسباب "هولودومور" إلى انتهاج السلطات السوفييتية في عهد الدكتاتور جوزيف ستالين، سياسة إلزامية وقمعية في ما يتعلق بحجم إنتاج الحبوب، ما أسفر عن وفاة ما بين 3 و4 ملايين أوكراني، بينما يقدّر إجمالي عدد الضحايا في عموم الاتحاد السوفييتي بنحو سبعة ملايين. وفي حال عجز المزارعون عن الوفاء بخطط الإنتاج، تُصادر مواد غذائية أخرى منهم على سبيل العقاب، مثل اللحوم والبطاطس وحتى الفاصولياء والفاكهة المجففة.
ووسط توجه كييف نحو الابتعاد عن موسكو وريثة الاتحاد السوفييتي، اعترفت الرادا العليا (البرلمان الأوكراني) بأن تلك الأحداث شكلت إبادة جماعية بحق الشعب الأوكراني، كما نص القانون على منع الإنكار العلني لـ "هولودومور"، ما مهد الطريق للترويج لهذا الموقف دولياً حتى تحذو الدول الغربية حذو أوكرانيا.
حتى الآن، اعترف أكثر من 20 بلداً بـ "هولودومور" باعتبارها إبادة جماعية، منها الولايات المتحدة وكندا وإيطاليا وإسبانيا، وبعض الدول في أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفييتية السابقة التي تتخذ مواقف عدائية تجاه روسيا، مثل جورجيا ودول البلطيق الثلاث (لاتفيا وليتوانيا وإستونيا) وبولندا وغيرها. وفي عام 2008، ندد البرلمان الأوروبي بـ
"هولودومور"، ووصفها بأنها "جريمة مروعة بحق الشعب الأوكراني والإنسانية".
في المقابل، ترفض روسيا اعتبار "هولودومور" إبادة جماعية، معتبرة أنها مأساة مشتركة لكل جمهوريات الاتحاد السوفييتي، والتي راح ضحيتها ملايين المواطنين السوفييت، وليست حصراً بأوكرانيا وحدها. إذ اجتاحت المجاعة مناطق بوفولجيه المطلة على نهر فولغا، وكوبان جنوب روسيا، وبيلاروسيا، وجنوب الأورال، وغرب سيبيريا، وكازاخستان.
في هذا الإطار، يقول الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، إن اعتراف برلين بـ "هولودومور" سيشكل علامة فارقة وسابقة في نيل اعتراف دولي واسع بالرواية الأوكرانية، نظراً لكون ألمانيا شريكاً اقتصادياً كبيراً لروسيا، لا سيما في مجال الطاقة. ويقول سيميفولوس لـ "العربي الجديد": "أمور كثيرة في العلاقات الدولية تصبح رهينة لسياسات دول بعينها. هناك بلدان تتخذ موقفاً إيجابياً حيال أوكرانيا وتريد التعاون معها، فاعترفت بهولودومور. إلا أن ألمانيا تشكل حالة خاصة كونها شريكاً اقتصادياً هاماً لروسيا، وتتنصل من البت في المسألة حتى تسمح الظروف. لكن الآن، دخلت القضية في إطار السياسة العامة، وستضطر ألمانيا لتحديد موقفها".
وبعدما جمعت العريضة التواقيع اللازمة على موقع البوندستاغ، من المقرر أن تصوت أمانة لجنة العرائض التي تضم 28 نائباً في الأشهر المقبلة، على طرح المسألة للنظر بالبرلمان. وحول الأسباب التي حالت دون نيل اعتراف دولي أوسع بـ "هولودمور" حتى الآن، يوضح سيميفولوس: "لم يتم استحداث مفهوم الإبادة الجماعية سوى بعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، إلا أن موسكو روجت لفكرة أن الإبادة لم تكن متعمدة، بل جاءت نتيجة لسوء الظروف الطبيعية في ذلك الوقت، بينما تجنبت القوى الأخرى مواجهة روسيا. لذلك، تعتبر الأمم المتحدة هولودومور جريمة ضد الإنسانية وليس إبادة جماعية تدين الاتحاد السوفييتي السابق".
من جهته، يشير المؤرخ سيرغي بوندارينكو، الذي يعمل في المنظمة الحقوقية "ميموريال" في
موسكو، إلى أن كل الحقائق التاريخية تؤكد أن "هولودومور" كانت إبادة جماعية مع وجود اختلاف في التفسيرات حول ما إذا كانت بحق الشعب الأوكراني وحده أم شعوب عدة. ويقول لـ "العربي الجديد": "كانت هولودومور مجاعة مصطنعة استهدفت المناطق الأكثر إنتاجاً للحبوب مثل بوفولجيه وكازاخستان وأوكرانيا، إذ تمت محاصرتها لمنع فرار السكان، ومصادرة كميات هائلة من الحبوب".
وحول أسباب تعامل السلطات السوفييتية بهذه القسوة مع تلك المناطق، يضيف: "في تلك الحقبة، كانت الحبوب لا النفط هي الصادرات السوفييتية الرئيسية، وكانت الدولة تعتمد عليها لسداد القروض بهدف تحقيق التنمية الصناعية والتكنولوجية في إطار برنامج السنوات الخمس. وفي حالة أوكرانيا تحديداً، اصطدمت السلطة السوفييتية بمقاومة السكان لتشكيل الجمعيات الزراعية، فقررت تجويع بعضهم وفرض تلك الجمعيات".
وعلى الرغم من سعي السلطات السوفييتية للتعتيم على المجاعة، إلا أن الأنباء عنها تسربت في نهاية عام 1933 إلى الصحافة البريطانية، ما دفع موسكو إلى حظر سفر المراسلين الأجانب إلى المناطق التي تعاني من المجاعة. حتى داخل الاتحاد السوفييتي، لم يسمح للمؤرخين بالحديث إلا عن "نقص الأغذية" وليس المجاعة حتى حقبة الإصلاحات "بيريسترويكا" التي أطلقها آخر الزعماء السوفييت، ميخائيل غورباتشوف، في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. وفي عام 1987، نطق السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفييتي، فلاديمير شيربيتسكي، لأول مرة بكلمة "هولودومور"، معترفاً بحقيقة حدوث المجاعة في عامي 1932 و1933، مما مهد الطريق لتناول القضايا على نطاق واسع.