قبل نحو ثلاثة أسابيع، انهمرت أمطار غزيرة على مدينة غات الليبية، الأمر الذي أدّى إلى تشكّل سيول جرفت الكثير في طريقها وأغرقت الأحياء والبيوت وشرّدت الأهالي.
تتعافى مدينة غات، الواقعة في أقصى جنوب ليبيا، شيئاً فشيئاً، بعد توقّف تدفّق السيول وبدء انخفاض منسوب المياه في داخل الأحياء، غير أنّ معظم الأهالي ما زالوا يقيمون في مقارّ الإيواء المؤقّتة التي لجأوا إليها منذ بداية يونيو/حزيران الجاري. ووسط غياب رسمي شبه تام عن المدينة، تحاول المنظمات الأهلية توفير الاحتياجات الإنسانية لنحو أربعة آلاف شخص شرّدتهم السيول. وبحسب المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، فإنّ الأمطار والسيول في جنوب غربي البلاد، تسبّبت في نزوح نحو أربعة آلاف شخص وطاولت أضرارها أكثر من 20 ألفاً آخرين.
والسيول التي اجتاحت غات، في الرابع من يونيو/حزيران، أغرقت أحياء سكنية بأكملها، فيما تفيد بيانات المجلس البلدي للمدينة بوفاة أربعة أشخاص وفقدان 28 آخرين حتى الساعة. على خلفيّة ذلك، يسكن نازحو المدينة في مقار عامة، معظمها مدارس، وفي "الشركة الصينية". في حين يكرّر مسؤولو المجلس البلدي نداءاتهم للسلطات: حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وحكومة مجلس النواب في البيضاء (شرق).
وزار وفد حكومي من طرابلس، المدينة، خلال السبوع الماضي، للاطلاع على الاحتياجات الإنسانية وتوفير الضروري والعاجل منها، وقررت الحكومة تشكيل لجنة أزمة وصرف 10 ملايين دينار ليبي (نحو سبعة ملايين دولار أميركي) والإيعاز إلى وزراء الحكومة بـ"اتخاذ كل التدابير للتعامل مع الأوضاع بما يضمن تقديم الدعم الإداري والأمني والصحي والاجتماعي على نحو عاجل واستثنائي". ويشير حسن بركان، الذي يعمل في مجال الإغاثة في المدينة، وهو عضو في جمعية التيسير الأهلية، لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ ذلك "غير كاف. فالسيول تجاوزت غات لتصل إلى مناطق في الجوار من قبيل تهالا والبركت والفويت، من دون أن نلحظ تحرّكاً فعلياً للحكومة".
وفي خطوة إنسانية، أعلنت بلدية سوق الجمعة في طرابلس عن تقديم ملابس وأحذية ومستلزمات مدرسية للأطفال في مدرسة حليمة الساعدية بالبلدية. أمّا جمعية الهلال الأحمر الليبية فتُعَدّ من الجهات الأكثر نشاطاً في هذا الظرف، وقد تكفّلت بأعمال الإغاثة طيلة الفترة الماضية، بل تجاوز الأمر ذلك إلى إطلاق برنامج تدريبي لعشرين متطوّعاً من غات على أعمال الإغاثة والإسعاف والصحة المجتمعية للتأهب والاستجابة أثناء كوارث مماثلة. ويتحدّث بركان عن أن "عشرات شحنات الإغاثة وصلت إلى مراكز الإيواء من المدن المجاورة والبعيدة، بدافع اجتماعي إنساني، بعيداً عن الإجراءات والقرارات الرسمية". يضيف أنّه "على الرغم من حجم الإغاثة، فإن الأهالي لا يزالون في حاجة إلى الكثير"، شارحاً أنّ "عشرات المنازل تضررت بصورة كبيرة، كذلك الأمر بالنسبة إلى إمدادات الكهرباء وشبكة الاتصالات". ويلفت إلى أنّ "الخدمات الخاصة بالكهرباء والاتصالات توفرت من خلال الضغوط والاتصالات الشخصية من داخل المدينة مع مؤسسات الدولة".
ويتابع بركان أنّ "مركز إيواء واحدا في الشركة الصينية يستقبل 843 شخصاً، لم يصطحبوا معهم حتى ملابسهم التي غرقت في داخل منازلهم"، سائلاً: "كيف يعيش هؤلاء في حال لم توفّر لهم المؤن ومستلزمات النظافة، فيما هم يستخدمون دورات مياه جماعية؟". ولا ينسى بركان الإشارة إلى "خطر انتشار الأمراض بسبب الازدحام في مراكز الإيواء، وكذلك البعوض والحشرات التي انتشرت في الأحياء من جرّاء السيول". ويؤكّد أنّ "نداءات الاستغاثة التي وجّهتها لجنة الأزمة في البلدية لم تلقَ استجابة إلا بنسبة 40 في المائة على أكبر تقدير"، موضحاً أنّ "المساعدات وصلت من أشخاص ومن جمعيات خيرية، وهي تتألف من أغطية وفرش ومؤن غذائية وكذلك بعض الأدوية الضرورية". ويذكر بركان أنّ فريق جمعيته بالتنسيق مع شباب المنطقة، نظّموا برامج ترفيهية للأطفال في مراكز الإيواء، وكشف أنه وفريق عمله، يحاولون "بالتعاون مع البلدية، التوجّه إلى وزارة التعليم للنظر في أوضاع التلاميذ النازحين المقبلين على الامتحانات المدرسية، لا سيّما أنّ المدارس تحوّلت إلى مراكز لإيواء النازحين".
من جهته، يقول آدم الهشي، وهو من أعيان المدينة، إنّ "ثمّة محال تجارية فتحت أبوابها لتشجيع عودة مظاهر الحياة، لكنّ عودة معظم الأهالي ما زالت مستحيلة". يضيف الهشي لـ "العربي الجديد" أنّ "ثمّة بيوتا جرفت تماماً في بعض الأحياء، وفي أحياء أخرى يجب العمل على شفط المياه منها وترتيب أوضاعها لتعود صالحة للسكن". ويتابع: "نعلم أنّ الجهات الرسمية تعلن بذلها الجهود في هذا السياق، لكنّ الحقيقة هي أنّ من يقوم بالجزء الأكبر من العمل متطوّعون حريصون على استعادة الحياة"، موضحاً أنّ "تلك الأعمال تشمل شفط المياه من المنازل والأحياء ومن بعض المزارع. كذلك ثمّة أعمال صيانة تجري في بعض المباني".
ويؤكد الهشي أنّ "الجمعيات الخيرية وأشخاصا خيّرين قدّموا مولدات كهربائية للمدينة"، مضيفاً: "لا ننكر وصول مساعدات من حكومتَي البلاد في طرابلس والبيضاء، غير أنّها لا تتناسب مع حجم الكارثة وحجم مسؤولية الحكومتَين". ويقول الهشي، في سياق متصل، إنّ "الشركة العامة للكهرباء برّرت عدم عودة التيار بشكل كامل، بارتفاع منسوب المياه الذي يحول دون إتمام الصيانة. بالتالي، لم ننتظر الجهات الرسمية وتعاونّا مع فرع شركة المياه في المدينة وقرّرنا العمل بأنفسنا". لكنّه يلفت إلى أنّه "على الرغم من الجهود الأهلية المكثفة، فإنّ عودة الحياة قريباً إلى المدينة ليست مرجحة، والأهالي سوف يعانون من جرّاء آثار الكارثة لفترة من الزمن".