المقاهي تغيب عن إدلب

26 مايو 2019
الحياة في إدلب شديدة الصعوبة (نذير الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -

واقع الحال في مدينة إدلب السورية غيّر الكثير من التفاصيل التي كانت تُسعد الناس بعض الشيء. في الوقت الحالي، يفتقد الشبان المقاهي التي كانت تشكل متنفساً بالنسبة إليهم للقاء بعضهم بعضاً

تعكس المقاهي في أي بلد أحوال السكان الاجتماعية. تزدهر أحياناً وتخبو أحياناً أخرى. في مدينة إدلب السورية، التي كانت المقاهي جزءاً أساسياً منها، بات الناس يشكون من قلتها اليوم. ويقارن الناشط الإعلامي خلف جمعة، ابن مدينة إدلب، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، بين ما كانت عليه المدينة في السابق وكيف تغيرت اليوم. يقول: "سابقاً، كان هناك مقهى في شارع الجلاء معروف باسم قهوة الجنينة. في رمضان تحديداً، كنا نجتمع بشكل يومي خلال سهراتنا، ونحتسي المشروبات الساخنة والباردة، وكانت الخدمة جيدة جداً، والجو العام رائع". يتابع جمعة: "بعد فترة، منعت النرجيلة في المقهى، ولم نستطع الذهاب إليه لقضاء الوقت. عموماً، المقاهي في إدلب قليلة. كما أن بدلات الإيجار وأسعار المشروبات أصبحت مرتفعة. حالياً، باتت هناك مقاهٍ صغيرة هي عبارة عن محال أو بسطات صغيرة فيها آلة لإعداد القهوة فقط، تقدّم العصائر والشاي، وتكون فيها طاولة أو اثنتان، يقصدها الشباب في الوقت الحالي".

يضيف جمعة: "أتمنّى أن تعود المقاهي بسبب ارتباطها بتاريخ البلد وعراقته. المقهى ليس فقط مكاناً للجلوس وقضاء الوقت، بل مكاناً للالتقاء بين الأجيال. كنا نسمع من كبار السن في بعض الأحيان أحاديث جميلة ومفيدة. وجودهم في حدّ ذاته كان يعطي رونقاً خاصاً. نتمنى أن تعود المقاهي لتكون إرثاً حضارياً في إدلب".



من جهته، يتحدّث محمد سعيد بحسرة عن غياب المقاهي عن مدينة إدلب، ويقول لـ"العربي الجديد": "اشتقت كثيراً لقضاء بعض الوقت في المقهى مع الأصدقاء، أحتسي الشاي وألعب الطاولة، وأمضي ساعات بعيداً عن هموم الحياة التي تلاحقنا". يضيف: "للجلوس في المقهى رونق خاص لا يدركه من لا يرتاده، ومن الصعب شرحه بالكلمات. هو كقراءة كتاب ممتع لا يشعر فيه القارئ بالوقت الذي يمضيه بين صفحاته. حالياً، غالبية أهالي إدلب والمهجرين يمضون أوقاتهم في الحدائق العامة، حيث البراكيات (الأكشاك) التي تبيع القهوة، ويجلسون على الكراسي الموجودة في المكان. أتمنى أن تعود المقاهي إلى إدلب حتى نعود كما كنا سابقاً، ونلتقي مع الأصدقاء".

أحمد سعد الدين يتحدث عن بدائل للمقاهي. يقول: "خلال شهر رمضان، نلتقي بعد صلاة التراويح. الشبان هنا يبحثون دائماً عن مكان يرتاحون فيه كبعض الكافتيريات الصغيرة التي تكاد لا تفي بالغرض". ولدى سؤاله عن أسباب عدم وجود مقاهي في مدينة إدلب على الرغم من رمزيتها في سورية، يقول لـ"العربي الجديد": "هناك خوف بالدرجة الأولى من هيئة تحرير الشام (التي تعتبر جبهة النصرة عمودها الفقري)، إذ إن الهيئة وحكومة الإنقاذ تمارسان ضغوطاً على المدنيين. ومن يريد القيام بمشروع بالدرجة الأولى، يتخوف من إغلاقه من قبلهم ومصادرة المحتويات. فكرة المقهى تقوم في الأساس على النرجيلة التي تمنعها الهيئة". ويرى أن منعها لا يتعلق بأسباب دينية أو صحية بل كيدية. على مدى سنوات، أرهق الناس من جراء القصف، ومن حقهم أن يكون لديهم بعض الحرية على غرار مدن العالم الأخرى. وتعد المقاهي متنفساً وحيداً أمام الناس والشباب بشكل خاص لقضاء أوقاتهم ليلاً بعد الإفطار، كما أنها مكان الاجتماع الوحيد خارج المنزل".

من جهته، يقول ممدوح عيسى لـ"العربي الجديد"، إن "المقاهي لها رمزيتها وبعدها الثقافي والاجتماعي، خصوصاً في رمضان. اجتماع الأصدقاء والمقرّبين كان يتم بشكل شبه يومي. وفي ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، تعد المقاهي متنفساً للجميع، وهي مكان لتبادل الآراء حول مختلف الأمور والأحداث. ربما يعد الشباب المقهى مكاناً للتخفيف عن النفس. لكن في الحقيقة، المقهى له ثقافة وتاريخ متجذر. سنوات الثورة أنهكتنا فكرياً، وأعتقد أنّه من حقنا استرجاع تفاصيل تعيد إلينا شيئاً مما فقدناه في السابق. كنا في أوقات كثيرة، حين نريد الالتقاء بصديق أو شخص مقرب لقضاء بعض الوقت أو نقاش موضوع ما، نحدّد مكان اللقاء في المقهى".



يضيف: "في الوقت الحالي، نضطر لقضاء الوقت في مكتب مثلاً أو بيت. وهناك فرق كبير بين الجلوس فيه أو في المقهى، فضلاً عن أن تكرار هذه الجلسات قد يزعج المستضيفين". يتابع: "ليست هناك حلول أخرى. لذلك، نقضي جلساتنا بهذا الشكل في الوقت الحالي. أما الحدائق العامة، فهي مكتظة، خصوصاً في هذه الأوقات في رمضان، ولا توفر المطلوب".

سمير مصطفى يقول لـ"العربي الجديد"، إنه في السابق كان يقصد المقهى لمناقشة كتاب مع الأصدقاء أو بحث حدث ما، أو تبادل الآراء حول أوضاع اجتماعية معينة. يضيف: "من أراد إغلاق المقاهي التي تعد أمكنة لتبادل الآراء والتصرف بطريقة خاطئة، ويظن أن جلسات المقاهي مضيعة للوقت فهو مخطئ. المقاهي ليست كذلك، وهي أبعد من أن تكون مكاناً لإضاعة الوقت وهدره".