تعداد أميركا... سؤال يثير مخاوف المهاجرين

18 مايو 2019
احتجاج أمام المحكمة العليا في واشنطن (ماندل نغان/فرانس برس)
+ الخط -

تعداد السكان أساسي في الولايات المتحدة، إذ يجرى كلّ 10 سنوات للوقوف على الحقائق الديموغرافية ومتطلبات التنمية والتمثيل، لكنّ سؤالاً حول الجنسية في تعداد 2020 يثير مخاوف المهاجرين بالذات

قبل أسابيع، بدأت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأميركية النظر في قضية متعلقة بتعداد السكان في البلاد، المفترض إجراؤه العام المقبل 2020. تتعلق القضية بشكل رئيس، بقانونية إضافة سؤال إلى استمارة تعداد السكان حول ما إذا كان الشخص المجيب يحمل الجنسية الأميركية أم لا.

قد يبدو الأمر للوهلة الأولى بسيطاً وضرورياً أو بلا أهمية كبرى، إذا ما كان التعداد في بلد آخر غير الولايات المتحدة بتاريخها ومؤسساتها في التعامل مع قضايا حساسة، خصوصاً تلك المتعلقة بحقوق الإنسان والأقليات، ولا سيما المهاجرين. وإذا أضفنا للبعد التاريخي الوضع الراهن، أي إدارة رئيس يميني متطرف هو دونالد ترامب، وتعاملها مع البيانات الشخصية والمعلومات المتعلقة بالمهاجرين، فإنّه سؤال لا يبعث على الطمأنينة. ولا بدّ من التطرق أيضاً إلى تنصل إدارة ترامب من عدد من الوعود التي قطعتها بخصوص المهاجرين، ناهيك عن مراسيم رئاسية أصدرها وتصريحات عنصرية تتعلق بالمهاجرين من أصول مسلمة وعربية أو المنحدرين من المكسيك ودول أميركا اللاتينية ودول أفريقيا.




هكذا، تصبح الرهبة والشك تجاه إضافة هذا السؤال مفهومة، لما قد يعقب جمع المعلومات حول سكان الولايات المتحدة أجمع، بمن فيهم هؤلاء الذين لا يحملون الجنسية الأميركية، ويصل عددهم إلى عشرات الملايين.

هواجس عميقة
في البداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ النقاش حول مدى قانونية إضافة سؤال من هذا النوع إلى التعداد، بدأ قبل نحو سنة، عندما أعلن وزير التجارة ويلبر روس، بإيعاز من مستشار الرئيس ستيف بانون، عن نيته إضافة السؤال إلى الاستمارة. في حينه، رفعت 13 ولاية دعاوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية، إذ اعتبرت أنّ لتلك الخطوة تبعات خطيرة، من ضمنها عزوف أعداد كبيرة من المهاجرين والأقليات عن الاشتراك في التعداد. وصلت القضية إلى المحكمة العليا التي سوف تأخذ قرارها قبل شهر يونيو/ حزيران المقبل، بحسب التوقعات.



في هذا السياق، يوضح عبد الحميد صيام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "روتجرز" بولاية نيوجيرزي لـ"العربي الجديد"، أنّ إضافة بند الجنسية الأميركية إلى أسئلة التعداد السكاني، تشير إلى موقف عنصري منسجم مع مواقف وقناعات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يؤمن بتفوق "العنصر الأبيض" وتخلّف بقية "الأعراق" بمن فيهم العرب: "لذلك ليس مستغرباً أن نجد أكثر من 200 جمعية ومؤسسة حقوقية وناشطين حقوقيين يضمون جهودهم من أجل إبطال هذا البند، باعتباره خرقاً لقانون التعداد السكاني، الذي ينصّ على إجراء تعداد شامل مرة كلّ عشر سنوات للسكان جميعهم لا للمواطنين فقط".

يضيف صيام حول الهدف من التعداد السكاني: "الهدف الأسمى من التعداد هو معرفة الحجوم السكانية في الولايات والمدن، من أجل رصد الميزانيات الاتحادية وتوزيعها بالإنصاف على السكان، من أجل تحسين الخدمات المقدمة لهم ودعم وتوسيع البنى التحتية. والأهم من هذا هو تمثيل سكان الولاية بطريقة عادلة في مجلس النواب، الذي يعكس توزيع المقاعد فيه عدد السكان في كلّ ولاية. فمثلاً، خسرت نيويورك في السنوات العشر الماضية حجماً مهماً من السكان، ومن المتوقع أن تخسر مقعدين وينخفض تمثيلها في الكونغرس من 27 مقعداً حالياً إلى 25 مقعداً عام 2022، عندما تجري إعادة النظر في حصص الولايات بناءً على تعداد عام 2020، بينما وصل عدد مقاعد نيويورك في الكونغرس عام 1955 إلى 45".




في ما يخص المهاجرين الذين لا يحملون الجنسية الأميركية، لكنّهم يعيشون منذ مدة طويلة في الولايات المتحدة، يشدد صيام على أنّ إضافة هذا السؤال "ستثير مخاوف مجموعات المهاجرين الذين لا يملكون جنسية أميركية بينما لديهم إقامات دائمة، وقد تثني مئات الآلاف منهم عن المشاركة باعتبار أنّ التعداد مخصص للمواطنين. ثانياً، سيثني هذا البند جميع المهاجرين (السريين) الذين لا يملكون أي أوراق رسمية عن المشاركة، بسبب تخوفهم من أنّه مصيدة للإمساك بهم وترحيلهم، بالرغم من أنّ هناك ملاحظة تشير إلى أنّ هذه المعلومات لن يجري تداولها مع أيّ جهة حكومية. لكنّ انعدام الثقة في إدارة ترامب يجعل غالبية المهاجرين هؤلاء تبتعد عن المشاركة". يلفت الانتباه كذلك إلى أنّ هذا القرار "قد يثني عن المشاركة العائلات التي تضم مواطنين وغير مواطنين، مثل الأبناء الذين ولدوا في الولايات المتحدة لآباء غير مجنسين خوفاً من أن يكون التعداد خطة لجمع المعلومات عن المهاجرين السريّين وأطفالهم وتفكيك العديد من العائلات. لهذه الأسباب وغيرها الكثير، فإنّ إضافة السؤال حول حمل الجنسية الأميركية سيجعل التعداد المقبل غير دقيق وناقصاً ومصدراً للقلق، ودعوة للتهرب منه بدلاً من المشاركة".

تجارب سابقة
لكن ما هي أعداد المهاجرين في الولايات المتحدة وما هي أعداد هؤلاء السريين؟ وهل سيكون لعزوفهم تأثير مهم في نتائج التعداد؟ تقدّر أعداد المهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، ولا يحملون الجنسية الأميركية، بأكثر من 22 مليون مهاجر، من أصل نحو 328 مليون شخص هم عدد السكان، بحسب إحصائيات رسمية لمكتب التعداد السكاني. ومن أصل الملايين الاثنين والعشرين 11 مليون مهاجر سري، أي لا يحمل وثيقة أميركية. أما عدد المهاجرين في الولايات المتحدة بغض النظر عن وضعهم القانوني (أي بمن فيهم من حصلوا على الجنسية)، فهو نحو 44 مليون شخص. ويعتبر المهاجر، بحسب مكتب التعداد السكاني، كلّ شخص ولد خارج الولايات المتحدة حتى لو حصل على جنسيتها، لأنّ أيّ شخص يولد على أرضها يعتبر أميركياً. هذه الإحصائيات تعني أنّ التعداد السكاني يشمل أعداداً هائلة من البيوت، التي فيها شخص أو أكثر من المهاجرين ما قد يردع حتى هؤلاء الذين ولدوا في الولايات المتحدة، أو حصلوا على الجنسية من الإجابة على التعداد بسبب المخاوف من أن تؤثر أصولهم أو مكان الولادة على أيّ إجراءات مستقبلية.



قد تبدو هذه المخاوف غير مفهومة للذين يعيشون خارج الولايات المتحدة، لكنّ نظرة سريعة على ما قامت به إدارة ترامب في قضية أبناء المهاجرين "غير الشرعيين" تجعل الأمر أكثر ريبة. وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد وعدت أبناء المهاجرين السريين، ممن يُطلق عليهم اسم "الحالمين" إذ جاؤوا إلى البلاد أطفالاً، بالحصول على وثائق رسمية وقوننة وضعهم إذا تبين أنّهم لم يرتكبوا أيّ مخالفات قانونية وإذا دفعوا الضرائب وسجلوا أنفسهم لدى السلطات. ومن ضمن الوعود كان عدم نقل معلوماتهم إلى فروع حكومية أخرى وخصوصاً تلك التي تعنى بالهجرة والترحيل. لكن، بعد تولي إدارة ترامب الحكم، استغلّت تلك المعلومات التي ضمت أماكن سكن المهاجرين، وحاولت ترحيل عدد منهم. وهذه واحدة من الأسباب الرئيسة التي تجعل كثيرين متخوفين من الكشف عن معلومات تخصّهم.

أما الطمأنات من إدارة ترامب بأنّ معلوماتهم الشخصية لن يجري استغلالها من قبل فروع أخرى، فيصعب الوثوق بها، وخصوصاً من جانب أبناء الأقليات كالمسلمين والعرب حتى لو كان وجودهم في الولايات المتحدة قانونياً. وتعود جدّية هذه المخاوف إلى التجارب التي عاشها في الماضي القريب عدد لا بأس به من العرب والمسلمين، وملاحقتهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، ومراقبتهم بسبب انتماءاتهم الدينية أو أصولهم العربية.

بدورها، تحذّر منظمات غير حكومية وحتى نواب في الحزب الجمهوري أو شخصيات مرموقة، بمن فيهم رؤساء سابقون لمكتب الإحصائيات، والمدير الحالي للمكتب، جون أبود، من أنّ السؤال عن الجنسية الأميركية قد يؤدي إلى عدم تعداد ستة ملايين شخص على الأقل ضمن السكان.

وتفوق أهمية التعداد السكاني الإحصائيات والأرقام، فالولايات المتحدة تجري مرة كلّ عشر سنوات التعداد السكاني منذ عام 1790. وتاريخياً ينصّ الدستور الأميركي على ضرورة تعداد جميع السكان في الولايات المتحدة لا فقط المواطنين. هذا الفرق جوهري ومهم لجعل التمثيل في الكونغرس الأميركي أكثر ديمقراطية، ويشمل كلّ السكان لا فقط كلّ المواطنين. وبحسب عدد السكان يوزع أو يعاد توزيع عدد المقاعد في مجلس النواب الأميركي.

والتعداد السكاني مهم ورئيسي لا فقط في التمثيل الانتخابي، بل كذلك لتوزيع موارد الدولة لكلّ ولاية بحسب تعدادها وحاجتها ومستوى الفقر فيها، كما الموارد البشرية والطبيعية والأموال التي ترصد للصحة والتنمية والتعليم والبنية التحتية وغيرها من الخدمات والموارد الضرورية، التي تأخذ بالاعتبار عدد السكان لا فقط عدد المواطنين. فجميع من يسكن في أيّ ولاية، سواء كانوا مواطنين أو غير مواطنين يستفيدون من خدماتها ويستخدمون طرقاتها وقطاراتها ومؤسساتها، ويقومون كذلك بدفع الضرائب لخزينة الدولة بغض النظر عن حملهم الجنسية من عدمه.




خوف الملايين من الاشتراك بالتعداد يعني أنّ ولايات معيّنة وخصوصاً تلك التي فيها أعداد كبيرة من المهاجرين كنيويورك قد تعاني من تمييز في الميزانية، إذ لن يعكس التعداد العدد الحقيقي للسكان، وهو ما يعني من ثم نقصاً في الخدمات والأموال التي ترصد للمستشفيات والمدارس والجامعات والطرقات، وغيرها من الحقوق الأساسية.