الأسير أنس عواد... معلم فلسطيني تُغيبه زنازين العزل الإسرائيلية

12 مايو 2019
شهادة تقدير لتميزه في التدريس (فيسبوك)
+ الخط -
كانت عائلة الأسير الفلسطيني أنس عواد تتهيأ لاستقباله في منزلها بعد عام على اعتقاله في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لكنها فوجئت قبل ثلاثة أيام من الإفراج عنه بتوجيه اتهام جديد إليه، بزعم محاولته طعن أحد سجاني الاحتلال خلال قمع الأسرى في سجن النقب قبل أكثر من شهر، ومنذ ذلك اليوم والعائلة لا تعرف عنه شيئا، وتخشى من تدهور حالته الصحية.

يمر رمضان للمرة الثانية ومقعد أنس شاغر على مائدة الإفطار في منزل عائلته في قرية عورتا جنوب نابلس شمال الضفة الغربية، تغيبه سجون الاحتلال عن عائلته التي تتلهف شغفا على وجوده بينها، خصوصاً أن ما جرى معه لم يكن بالحسبان.

"قبل أيام من موعد الإفراج عنه، تعرض أنس لاعتداء من السجانين في سجن النقب، فأصابوه بجروح في رأسه، وزعموا أنه حاول طعن أحدهم، ونقلوه إلى العزل في سجن "إيشل"، يؤكد والده سعد عواد لـ"العربي الجديد".

ويقول والده: "لم يكن بالحسبان أن يبقى أنس في السجن، كنّا نتهيأ لاستقباله بعد إنهاء اعتقاله الإداري الثاني الذي كان مقرراً يوم 28 مارس/آذار 2019، لكن ما جرى في سجن النقب يوم 25 من الشهر ذاته، قلب الدنيا رأساً على عقب، ويومها اقتحمت قوات مدججة بالسلاح والأدوات القمعية السجن، وانهالوا على الأسرى بالضرب المبرح، بعد رشهم بالغاز المسيل للدموع، وكان أنس واحداً منهم".

الوالد يصر على أن التهمة ملفقة (فيسبوك) 

ما كادت سحابة الدماء تنجلي، حتى بانت وحشية الاعتداء، فأصيب أكثر من مائة أسير بجروح غائرة ونقل جزء كبير منهم للمستشفيات الإسرائيلية، لكن بقي مصير عدد منهم مجهولاً، وإضافة لتعرضهم لاعتداءات وحشية، جرى عزلهم عن بقية الأسرى، بحجة أنهم حاولوا تنفيذ عمليات طعن بحق السجانين، وكان أنس من بينهم.

أمام ما جرى مع ابنه يصمت الأب الستيني قليلاً، ويتساءل: كيف لإنسان ينتظر لحظة الإفراج عنه بعد اعتقال دام عاماً أن يقدم على تنفيذ عملية الطعن؟

تكريم أنس عواد من وزارة التربية عام 2017 (فيسبوك) 

ومنذ الحادثة لا يزال الأسير أنس عواد يقبع في زنزانة انفرادية في سجن "إيشل" ببئر السبع في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، بعد أن رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية عدة مرات التماسا تقدمت به عائلته للإفراج عنه بكفالة.

وعن ذلك يقول والده: "المحكمة أبلغت المحامي رفضها للالتماس بطلب الإفراج عن أنس بكفالة، وإيقاف الإجراءات الوحشية ضده، وتمكين العائلة من علاجه، أو توفير أبسط مقومات الحياة في زنزانته الانفرادية، وذلك بعد أسبوع من الجلسة التي عقدتها المحكمة للنظر في الطلب المقدم في الثلاثين من الشهر الماضي".

والد أنس تمكن خلال جلسة المحكمة من رؤية ابنه للمرة الأولى منذ نقله لعزل "إيشل". ثم يصمت الوالد من جديد، ويقول بصوت متهدج "يا لهول ما رأيت، أنس شاحب وجسده هزيل وضعيف، شعره كث، ولحيته طويلة، وعيناه تتقدان نارا، وما إن شاهدني حتى وقف وقال كلمة لم أسمعها منذ عزله وهي (بابا)، وتبادلنا النظرات لأنهم منعوني من الاقتراب للسلام عليه".

الأسرة تقضي رمضان للعام الثاني على التوالي من دونه  (فيسبوك) 


محاولات إلصاق التهمة بالأسير

تحول بيت الأسير أنس عواد إلى مزار للأسرى المفرج عنهم من سجن النقب، يتوجهون للقاء الوالد سعد وعائلته قبل لقاء عائلاتهم، وينقل الأب الذي كان رئيسا للمجلس المحلي في قريته، عن زواره قائلاً: "هناك الكثير من الشواهد التي تدل على أن ما جرى هو تهمة ملفقة لمواصلة اعتقال أنس، ويؤكد زملاؤه المحررون أن السجانين جاؤوا إليه مباشره، واقتادوه معهم مقيد اليدين، وبعدها ادعوا بأنه حاول طعن أحدهم".

ويشير الوالد إلى أن رواية السجانين يشوبها الكثير من التناقضات، متسائلا: كيف لإنسان مقيد أن ينفذ عملية طعن؟ وكيف له أن يخفي الأداة الحادة بملابس ليس بها جيوب؟ كما أنهم اعتدوا عليه بالضرب بالعصي الكهربائية، وأصابوه بجرح في رأسه، ومن ثم نقلوه إلى عزل بئر السبع، وانقطعت بذلك كل أخباره، وتبين لاحقا أنه يقبع في العزل في ظروف غير صحية.

ووفق والده، استثنى الاحتلال ابنه وأسيرين آخرين من الاتفاقية الأخيرة التي أنهى الأسرى بموجبها الإضراب المفتوح عن الطعام، وشرعت بمحاكمته بتهمة محاولة الطعن، في حين يصر الأسرى على أن يشملهم الاتفاق.

وأجلت محكمة بئر السبع الإسرائيلية المركزية محاكمة أنس حتى 22 من الشهر الجاري، لإحضار السجانين المدعين، ورفضت المحكمة طلب المحامي إطلاق سراحه بكفالة ليتسنى له استكمال علاجه خارج السجن، وبعد رفض محكمة بئر السبع الإفراج عنه، توجهت العائلة بالالتماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية للإفراج عنه لكن طلبه قوبل بالرفض.

كان محباً لتلامذته (فيسبوك) 

الشاب المتميز

لم يكن أنس متفوقاً في عمله فقط، بل حاز على لقب المعلم المتميز على مستوى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية عام 2017، فهو متميز جدا ومحبوب سواء بين عائلته وجيرانه وحتى أهل القرية ولكل من عرفه.

في رمضان قبل سنتين، كان أنس فرحا جدا بفوزه بالجائزة، حينها أعد وليمة كبيرة لعائلته، وكان يذهب لصلاة التراويح مع الأطفال الصغار ويشجعهم على دخول المسجد وقراءة القرآن، هذه المحبة والعلاقات القوية، ما لا يريده الاحتلال، برأي الأب.

ويشدد على أن "تميّز أنس في محيطه الاجتماعي وعمله التعليمي هو السبب الوحيد لاستمرار اعتقاله، خلال جلسات محاكمته في الاعتقال الإداري كانوا يقولون إن أنس يشكل خطرا على دولتهم ومواطنيهم، فأي خطر يشكله مدرس للصف الأول الأساسي على أمنهم؟".

الأب الذي أخذ قضية الدفاع عن ابنه على عاتقه، اجتمع الأربعاء الماضي مع مدير مكتب الصليب الأحمر الدولي في نابلس، وشرح له أوضاع نجله المعزول في عزل سجن "إيشل" منذ أكثر من 40 يوما وسط تدهور حالته الصحية.
في حين طالبت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية الصليب الأحمر الدولي والمؤسسات الحقوقية والإنسانية، بالتحرك الفوري للاطمئنان على صحة أنس، والضغط للإفراج عنه.
دلالات