متسولون في العاصمة السورية

10 ابريل 2019
الفقر يدفعها إلى هذه الحال (فاليري شريفولين/ Getty)
+ الخط -

يلحظ من يتجول في شوارع العاصمة السورية دمشق، كثرة المتسولين والمشردين، حتى لا يكاد يخلو شارع من شوارعها الرئيسة منهم، ما دفع باتجاه تشديد العقوبات عليهم في البلاد.

تناقل مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً، مقطع فيديو لفتاة متسولة لا تتجاوز العاشرة، ترتدي ثياباً رثة لا تحميها من برد العاصمة السورية دمشق، وهي تتعاطى مادة الشعلة (أبخرة المواد اللاصقة) عند نهر بردى، وتقول للمصور إنّ والدها في السجن ووالدتها ماتت. هو مشهد يتكرر لأطفال يتسولون ثمن طعام أو دواء أو إيجار المنزل.

في مشهد آخر، رصدته "العربي الجديد"، تصعد فتاة في الثالثة عشرة، إلى حافلة نقل عام، على خط الميدان - ركن الدين، فتسأل الركاب مساعدة تعينها في تأمين الدواء لوالدتها المريضة بمرض السرطان. وبالقرب من أحد مقاهي باب توما، تجلس امرأة ثلاثينية، وفي حجرها رضيع، فتسأل العامة المساعدة لشراء علبة حليب، معلنة أنّها نازحة من ريف حلب.

يقول أبو محمد الميداني، وهو مالك متجر للمواد الغذائية، لـ"العربي الجديد": "كثيرون من يمرّون بي يومياً يطلبون المساعدة، من بينهم أطفال ونساء ومسنّون، وحتى رجال". يلفت إلى أنّه قد يعطي شخصاً أو اثنين منهم، لكنّه لا يستطيع أن يعطي الجميع. يضيف: "عندما آتي إلى المحل صباحاً، أرى في طريقي أشخاصاً يبدون كأنّهم أمضوا ليلتهم في الشارع يلتحفون غطاء رثاً، ومنهم من يحتمي تحت قطع من الورق المقوّى".




لم تنجح الحكومة حتى اليوم، في إيجاد حلّ لمن تقطّعت بهم السبل، فلم يجدوا خياراً غير سؤال الناس المساعدة. تبقى إجراءاتها مقتصرة على الأقوال من دون نتائج يلمسها المواطن على الأرض، فتتفاقم الأزمة التي قد تدفع هؤلاء إلى تعاطي المخدرات أو ارتكاب الجرائم. ويقول قصي، وهو ناشط في إحدى الجمعيات الخيرية بدمشق، لـ"العربي الجديد": "بات التسول أزمة وطنية بكلّ ما تعنيه الكلمة، وقد تفاقم بعد كلّ ما عاشه السوريون من مآسٍ على مدار الأعوام الثمانية الماضية. وبذلك، فإنّه يحتاج إلى خطة حكومية لحلّها، بعدما تجاوزت الاحتياجات قدرة المجتمع على التلبية، سواء في مبادراته الفردية أو من خلال الجمعيات، بينما تكتفي الحكومة بتشكيل اللجان وإصدار القوانين التي لا تؤدي إلى نتيجة".

وكان مجلس الشعب السوري (البرلمان) قد أقرّ، نهاية فبراير/شباط الماضي، مشروع قانون يتضمن تعديلات على بعض مواد قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 المتعلقة بمعالجة التسول، إذ عدّلت المادة رقم 3 من مشروع القانون المادة رقم 599 من قانون العقوبات، ليصبح نصها: "إنّ المتسول الذي يستجدي في أحد الظروف التالية: بالتهديد أو أعمال الشدة، أو بحمل أيّ وثيقة كاذبة، أو بالتظاهر بجراح أو عاهات، أو بالتنكر على أيّ شكل كان، أو باستصحاب ولد غير ولده أو أحد فروعه ممن هو دون العاشرة من العمر، أو بحمل أسلحة وأدوات خاصة، أو باقتراف الجنايات والجنح بحالة الاجتماع ما لم يكن الزوج وزوجته أو العاجز ومن يساعده، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات مع التشغيل، وبالغرامة من خمسة وعشرين ألف ليرة سورية (نحو 49 دولاراً أميركياً) إلى خمسين ألف ليرة (97 دولاراً)، فضلاً عن وضعه في دار للتشغيل إذا كان غير عاجز، وبالحبس البسيط بالمدة نفسها إذا كان عاجزاً".

أطفال في حاجة إلى حماية (جوزيف عيد/ فرانس برس)

كذلك، عدّلت المادة رقم 4 من مشروع القانون المادة رقم 604 من قانون العقوبات، ليصبح نص المادة: "كلّ من دفع قاصراً دون الثامنة عشرة من عمره أو عاجزاً إلى التسول بأيّ طريقة كانت، جراً لمنفعة شخصية، عوقب بالحبس مع التشغيل من سنة إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة من خمسين ألف ليرة سورية (97 دولاراً) إلى مائة ألف ليرة سورية (194 دولاراً)".

تشير تقارير إعلامية مقربة من النظام، إلى وجود شبكات تمتهن التسول. وأعلنت وزارة الداخلية، في فبراير/شباط الماضي، عن اعتقال أفراد شبكة تسوّل يرأسها أب يشغّل أولاده الثمانية، وضبطت في منزلهم مبالغ مالية وذهباً تزيد قيمتها عن 50 مليون ليرة (97 ألف دولار)، كما اعتقلت شبكة أخرى مكونة من أب وأم يدفعان أطفالهما العشرة إلى التسول، بالرغم من امتلاك الأب عقاراً مكوناً من أربعة طوابق وسيارة، ليتبين أنّ له سوابق في تشغيل أبنائه في التسول.




يلفت العديد من الناشطين في دمشق إلى أنّ آليات مكافحة التسول، عبر احتجاز المتسولين لفترات محدودة، خصوصاً الأطفال أو تسليمهم إلى أحد أقاربهم، لم تؤدِّ إلى أيّ نتائج، بسبب سوء دور الرعاية وعدم توفر برامج تمكين مجدية، وتدهور الوضع الاقتصادي، إذ رصد كثير من المتسولين ممن لديهم سوابق تسول عدة، بل قد يكتسب المحتجز أساليب وطرقاً أسوأ مما كان لديه، ومنهم من يتحول إلى أعمال جرمية، كالسرقة والنشل وغيرهما.