تقرير لـ"رويترز" يوثق قتل الأمن المصري للمئات بـ"اشتباكات مزعومة"

05 ابريل 2019
من المحاكمات في مصر (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -


نشرت وكالة "رويترز" للأنباء، اليوم، تقريراً يكشف تورّط قوات الأمن المصري في قتل مئات المشتبه بهم منذ منتصف عام 2015، في اشتباكات مشكوك في صحتها (مزعومة)، مستندة إلى شهادات العديد من الأطباء الشرعيين الذين حلّلوا صور الجثامين، وآثار الأعيرة النارية. والتزمت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الصمت حتى الآن إزاء المعلومات الواردة في التقرير.


وكتب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسن، على حسابه الشخصي على "تويتر": "تقرير موثّق عن المجزر الآلي للمصريين الذي يديره السفاح (الرئيس عبد الفتاح السيسي)، ويستقبله الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء المقبل... حكومة السيسي امتنعت عن الرد على وكالة رويترز على المعلومات الواردة في التقرير قبل نشره، وأطباء شرعيون يؤكدون صحتها".


وعلّق الحقوقي أسامة رشدي، قائلاً: "تقرير رويترز كشف المجازر التي تقترفها فرق الموت التي شكلها السفاح السيسي لقتل المصريين خارج القضاء. جرائم النظام العسكري الفاشي المفضوحة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ولن يفلت مرتكبوها من العقاب. مصر لن تتقدم بالظلم وانهيار العدالة وإرهاب الدولة".


من جهته، قال الناشط محمد صلاح: "465 حالة قتل خارج إطار القانون خلال 40 شهراً تقريباً. رقم مفزع جداً". أما الباحث عبد الرحمن عياش، فعلّق: "تحقيق رويترز مهم جداً، ويوثق قتل الداخلية المصرية المئات خارج نطاق القانون منذ منتصف عام 2015. الداخلية تقول إنهم إرهابيون أو مجرمون، وإن قتلهم كان دفاعاً عن النفس. لكن هناك أدلة كثيرة تؤكد القتل العمد لأشخاص لا يشكلون خطراً".


وقال المدوّن هيثم غنيم: "تقرير مهم لوكالة رويترز ينقض رواية عصابة الداخلية المصرية حول قتل الشباب في اشتباكات مسلّحة. التقرير يظهر آراء الخبراء في تحليل صور الجثامين، وآثار الأعيرة النارية، ويظهر كيف تتمّ التصفيات الجسدية للمعتقلين والمختفين قسرياً". من جهتها، توقعت الإعلامية دينا موسى حملة تشهير ضد "رويترز".


وينقل تقرير "رويترز" عن أسرة الشاب المتخصص في تصميم الحدائق، محمد أبو عامر، أنه كان يعمل في وسط القاهرة عندما احتجزه ضباط من جهاز الأمن الوطني، في 6 فبراير/ شباط في عام 2018، مشيرة إلى أنها ظلت ستة أشهر تقريباً تنتظر أي أخبار عنه، بعدما أرسلت برقيات إلى النائب العام ووزارة الداخلية التي تمثل الشرطة، وجهاز الأمن الوطني، من دون رد.


وفي 31 يوليو/ تموز من العام الماضي، أعلنت وزارة الداخلية على صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، أن "عامر كان أحد خمسة إرهابيين لقوا مصرعهم في اشتباك وقع في وقت سابق من ذلك اليوم، عندما اقترب رجال الشرطة من مخبئهم على مسافة 40 كيلومتراً شمال القاهرة". أضافت أن "عامر كان مطلوباً في قضية مقتل أحد رجال الأمن الوطني".


وبحسب تحليل "رويترز" لبيانات وزارة الداخلية على صفحات الوزارة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو على وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية، كان عامر واحداً من 465 رجلاً قُتلوا في "اشتباكات مع قواتها على مدى ثلاثة أعوام ونصف العام".



وبيّنت "رويترز" أنّ حوادث إعدام المشتبه بهم بدأت في صيف عام 2015، في أعقاب اغتيال النائب العام السابق، هشام بركات، من قبل متطرفين إسلاميين في يونيو/ حزيران من ذلك العام، والذي كان من الحلفاء المقرّبين للسيسي. وردّ الأخير بإصدار قانون شامل لمكافحة الإرهاب "يحمي أفراد الشرطة والجيش من المساءلة القانونية، إذا ما استخدموا القوة في أداء مهامهم".

خارج القانون

وأفاد باحث في منظمة مصرية تتولى توثيق انتهاكات حقوق الإنسان بأنّ "الشرطة بدأت موجة قتل خارج القانون، لاطمئنانها إلى عدم المحاسبة أو المساءلة". وتظهر بيانات وزارة الداخلية، خلال الفترة من أول يوليو/ تموز 2015 وحتى نهاية عام 2018، أنه لم يبق على قيد الحياة سوى ستة أشخاص فقط من المشتبه بهم من بين 471 رجلاً، طاولتهم الحملة في 108 وقائع، بنسبة قتل بلغت 98.7 في المائة.


وقالت بيانات وزارة الداخلية إن خمسة أفراد من قوات الأمن سقطوا قتلى، وأصيب 37 فرداً. وظهرت في الصور المرفقة أن الجثث كانت غارقة في دمائها، وإلى جوارها بنادق أو أسلحة نارية أخرى على الأرض. وجاء في بعض البيانات أنه تم العثور على منشورات تخص تنظيم الدولة الإسلامية.


إلا أن أقارب 11 من هؤلاء القتلى ناقضوا الروايات الرسمية في مقابلات مع "رويترز"، مؤكدين أن "أبناءهم أو أشقاءهم أو أزواجهم اختفوا لفترات وصلت في بعض الحالات إلى أشهر عدة، بعدما أمسكت بهم الشرطة، أو رجال من جهاز الأمن الوطني، من الشوارع أو بيوتهم. ثم وصلهم بعد ذلك نبأ مصرعهم، إما عبر صفحة وزارة الداخلية على فيسبوك، أو في بيان أصدرته".


وقالت العائلات إن أياً من هؤلاء الرجال لم يكن يحمل سلاحاً، غير أن بعضهم كانوا من أنصار جماعة الإخوان التي حظرت في عام 2013، بعدما قاد السيسي عملية إطاحة الرئيس محمد مرسي. وعرضت "رويترز" على ثلاثة من خبراء الطب الشرعي صوراً التقطت في المشرحة لجثتي اثنين من الأحد عشر رجلاً القتلى، وشكك هؤلاء الخبراء في رواية وزارة الداخلية لمقتل الاثنين.


ثلاثة شهود

واختلف ثلاثة شهود، حول إحدى الوقائع التي قُتل فيها اثنان من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، هما محمد كمال، وياسر شحاتة، في مبنى سكني في القاهرة في عام 2016، علماً أن تقرير وزارة الداخلية تحدث عن نشوب اشتباك بالرصاص مع القوات. وقال هؤلاء الشهود إنه "لم يحدث تبادل لإطلاق النار، ولم يقع اشتباك من الأصل".

ووفقاً لأحدث تقرير سنوي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية عن حالة حقوق الإنسان في مصر، فإن الانتهاكات شملت القتل التعسفي، والقتل خارج نطاق القانون على أيدي الحكومة أو رجالها، والإخفاء القسري، والتعذيب. مع ذلك، أفرجت إدارة ترامب عن 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر، كانت قد جمدتها لأسباب من بينها المخاوف المتعلقة بسجل مصر في مجال حقوق الإنسان. ويعزو مسؤولون أميركيون ذلك إلى أن التعاون الأمني مع مصر مهم للأمن القومي للولايات المتحدة.


وقالت المستشارة القانونية لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باللجنة الدولية للحقوقيين، كيت فينيسواران، إن حوادث القتل التي وصفتها "رويترز" تمثل "إعداماً خارج نطاق القانون، وهي جريمة خطيرة بموجب القانون الدولي"، مضيفة أن هناك أدلة على إطلاق الرصاص على الضحايا من مسافات قريبة، "ما يوحي بأن استخدام القوة المميتة لم يكن رداً على تهديد مشروع، بل مسلكاً متعمداً مع سبق الإصرار من جانب قوات الأمن لإعدام أفراد خارج حماية القانون".


ولم يرد المسؤولين في الحكومة المصرية على أسئلة "رويترز" حول ما جرى التوصل إليه في التقرير، والذي نقل عن أسرة سهيل أحمد، وزكريا محمود، أنهما لم تكن لهما صلة بجماعة الإخوان أو أي تنظيم سياسي.


وانطلق الاثنان، كلاهما في العشرينيات من العمر، في رحلة بالسيارة من مدينة دمياط المطلة على نهر النيل لقضاء إجازة في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر. ويبلغ طول المسافة بالسيارة 600 كيلومتر، انطلاقاً من دمياط الواقعة على البحر المتوسط في اتجاه الجنوب على امتداد قناة السويس ثم خليج السويس.


وقال أحد الأقارب إن الرحلة كانت بالنسبة لأحمد الطالب مغامرة نادرة، إذ كان يعرج في مشيته من جراء إصابة لحقت به في حادث سيارة قبل بضع سنوات، وكان يمضي جانباً كبيراً من وقته في البيت. يضيف تقرير "رويترز" أن أحمد اتصل بأسرته بعد بضع ساعات من بدء الرحلة، وقال لوالدته إنهما توقفا لتناول عصير القصب قبل نقطة تفتيش أمنية في محافظة الإسماعيلية المطلة على قناة السويس، وكان ذلك آخر اتصال لهما بالأسرة.


وبعد خمسة أيام، أعلنت وزارة الداخلية على "فيسبوك" أن الاثنين كانا ضمن أربعة متطرفين إسلاميين قتلوا في اشتباك، عندما اقتربت الشرطة من مخبئهم في قرية في الإسماعيلية في 15 يوليو/ تموز 2017. وعرضت "رويترز" صور الضحايا على ثلاثة خبراء في الطب الشرعي، هم البروفسور ديريك باوندر الذي عمل مستشاراً لمنظمة العفو الدولية والأمم المتحدة، وخبيران دوليان آخران طلبا الحفاظ على سرية هويتهما. وشكك الثلاثة في رواية وزارة الداخلية حول أن الوفاة حدثت في اشتباك بالرصاص.



كان محمود مصاباً بثلاث طلقات في الرأس، ودخلت إحدى الطلقات إلى جانب أنفه الأيمن، وخرجت من أسفل الشفة السفلى مباشرة. وقال باوندر: "هذا يجعل مطلق الرصاص مطلاً من وضع أعلى، وعلى يمين الضحية إذا كان واقفاً، ما يبدو مستبعداً في تبادل لإطلاق النار". أضاف: "التصور الأرجح أن الضحية كان راكعاً، ومطلق الرصاص كان واقفاً بالقرب منه على الجانب الأيمن".

الطلقتان الإضافيتان كانتا في جبهة محمود في موضعين متماثلين، أسفل الشعر إلى اليمين وإلى اليسار. وقال باوندر معلقاً "ذلك يمثل الرصاصتين القاضيتين". وقالت السلطات المصرية في البيان الرسمي إن "الاثنين ماتا في واقعة واحدة مع مجموعة من العناصر الإرهابية الهاربة"، مدعية أنه "مع اقتراب قوات الشرطة منهم، فوجئت بإطلاق الأعيرة النارية تجاهها، فتم التعامل معهم، ونتج عن ذلك مصرع أربعة من العناصر الإرهابية".


مع ذلك، قال خبراء الطب الشرعي الثلاثة إن "جثتي الشابين محمود وأحمد بدت في مراحل تحلل مختلفة". وأوضح الثلاثة أن موت محمود بدا وكأنه حديث جداً، غير أن أحمد توفي قبل التقاط الصور بما بين 36 و48 ساعة. وقال باوندر: "لم تكن هناك أية إصابات ظاهرة حدثت قبل الوفاة، أو آثار طلقات رصاص في جثة أحمد، ولم يكن سبب الموت ظاهراً".


يتابع تقرير "رويترز": "كان التشابه مذهلاً بين بيانات وزارة الداخلية. في كل مرة كانت الوزارة تقول إن قواتها اقتربت من مخبأ الإرهابيين أو المجرمين أو داهمته، بعد اتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة"، مضيفة في بياناتها أن "الإرهابيين أو المجرمين يفتحون النار، ثم ترد عليهم قوات الأمن".


وكانت غالبية القتلى في العشرينيات من العمر، وأصغرهم في السادسة عشرة، وأكبرهم سناً عمره 61 عاماً. في حين وصفت وزارة الداخلية 320 من القتلى بأنهم "إرهابيون"، و28 منهم بأنهم "مجرمون" أو تجار مخدرات. وقالت الداخلية المصرية إن 117 منهم أعضاء في جماعة الإخوان المحظورة، وإن 104 من القتلى، أي ما يقرب من رُبعهم، سقطوا في شمال شبه جزيرة سيناء المتاخمة لإسرائيل وقطاع غزة، حيث تواجه مصر تمرداً مسلحاً من قبل متشددين إسلاميين.


ولم تذكر بيانات وزارة الداخلية أسماء 302 من الرجال القتلى، كما أنها لم تذكر المواقع المحددة للاشتباك في كثير من الحالات. وكان عدد كبير منها في مناطق صحراوية أو جبلية.