بعض الأشخاص المتحدرين من دول مثل الصومال والعراق وغيرهما، والذين يعيشون في النرويج أو الدنمارك، يختارون إرسال أولادهم إلى بلدانهم الأصلية بهدف إعادة تربيتهم. الأخطر أن بعض هؤلاء الأطفال يعنّفون وقد يجبرون على الزواج.
يثير عادة إرسال الأبناء إلى أوطان الآباء الأصليّة بهدف "إعادة التربية والتثقيف" سجالاً متزايداً، وصل إلى حدّ الغضب السياسي والتهديد منذ مطلع العام الحالي 2019، حتّى إن دولاً كالنرويج والدنمارك والسويد اتخذت إجراءات صارمة. خلال الأعوام الماضية، كان النقاش حول إرسال الأهل أبناءهم إلى "مدارس القرآن" في الصومال. واليوم، هناك سجال تشريعي وسياسي مع الكشف عن أسباب اختيار بعض الأهل إرسال أبنائهم إلى بلدانهم الأصلية، بحجة أن الأطفال "باتوا أكثر اسكندنافيّين". وتكمن الخطورة في الروايات والشهادات التي جاء بها هؤلاء الذين جرت إعادتهم مؤخراً من الصومال.
الإشكاليّة الثقافيّة التي تُثار هذه الأيام في أوسلو بين المشرّعين والسياسيّين، تترافق مع ما كشفه التلفزيون الوطني والصحافة المحليّة عن فظاعات وتعذيب بحق هؤلاء الأطفال النرويجيين، ممن يجبرهم أهلهم على دخول "مدارس القرآن" في الصومال، وهو ما ظهر في شهادات من عادوا سالمين من رحلات "إعادة التربية"، حاملين معهم رسوماً وصوراً تظهر العقاب الجسدي وتكبيل القصّر ومنعهم من التواصل مع العالم الخارجي. وتكشف تقارير رسميّة وإعلامية أن الأهل الذين يعيشون في الدول الاسكندنافية "يَعدون أطفالهم بزيارة الأقارب وبلادهم الأصلية ثم يتركونهم هناك إما في عهدة أقاربهم أو في مدارس مغلقة لأشهر طويلة". ومن بين هذه الدول العراق والصومال وغيرهما من الدول الإسلامية.
ارتفاع نسبة عودة الأطفال إلى بلدانهم الأصلية منذ عام 2017، تاركين مدارسهم في النرويج، أثار غضب السياسيّين. حتّى إنّ رئيسة الوزراء النرويجية إيرنا سولبيرغ بحثت القضية مع رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري خلال العام الماضي. شهادات الصوماليّين والصوماليات حول ما تعرضوا له في إحدى المدارس التي عرض التلفزيون النرويجي صورها وهي مُسيّجة بأسلاك شائكة، شملت وفقاً للتقارير "تعليمهم الانضباط الصارم من خلال استخدام العقاب الجسدي وفرض تربية دينية محددة بهدف تقريب الأطفال الصوماليين النرويجيين من ثقافتهم الصومالية الأصلية"، بحسب ما تذكر القناة الرسمية "آر ان كي"، خلال استعراضها النقاشات الرسمية مع رئيس الوزراء الصومالي الذي وعد بالتحقيق في القضية.
التعويل الرسمي النرويجي على حسن علي خيري ينطلق من أن الرجل كان نفسه يقيم كلاجئ سياسي في أوسلو، وهو حاصل على الجنسية النرويجية. ومنذ العام الماضي، تعالت الأصوات التي تُطالب بربط المساعدات الاقتصادية للصومال بالإجراءات التي تمنع إقامة هؤلاء الأطفال في تلك المدارس. وبعدما كشفت التقارير خلال فبراير/ شباط الماضي أن العشرات ما زالوا محتجزين في الصومال استناداً إلى أرقام السفارة النرويجية في كينيا، تزايد الجدال والدعوات إلى "تشريعات تعاقب الأهل الذين يجبرون أطفالهم على الإقامة في بلدانهم الأصلية بحجة إعادة التربية".
وتثير هذه المسألة اهتمام المجتمع النرويجي منذ سنوات، وتحديداً في أعقاب صدور تقرير شامل (نحو 254 صفحة يتضمن تحليلاً للظاهرة وتوصيات للحل) في عام 2014، عن مركز البحوث الاجتماعية النرويجي، ألقى فيه الباحثون الضوء على حياة الجيل الثاني واندماجه ونجاحه في التحصيل العلمي والمهني، علماً أنّ "التحديات كبيرة بسبب إرسالهم إلى أوطان الأهل الأصلية رغماً عنهم بهدف إعادة التربية في باكستان وكينيا والصومال". وفي الأخيرة، هناك تربية صارمة من دون اعتبار للأثمان الكبيرة لمستقبل الأبناء الدراسين في النرويج، والآثار النفسية التي تترك بصمتها حين يأخذ الأهل أطفالهم في رحلة ويتركونهم وحدهم ويعودون إلى النرويج". ويوضح الباحثون في تلك الدراسة أن هناك تنافساً بين بعض بيئات المهاجرين على "التربية الصارمة والدينية كنوع من تأكيد السمعة الجيدة، وحماية أبنائهم من الغربنة".
في تقرير خاص نشره التلفزيون النرويجي في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، بيّن أن الممارسة ما زالت قائمة، وقد أعرب أساتذة مدارس أوسلو عن قلقهم من جرّاء تغيّب التلاميذ لأشهر طويلة منذ بداية العام الدراسي، ما أثار المزيد من السجال السياسي والاجتماعي. وكشف النقاب عن حالات تلاميذ في الصف التاسع والعاشر جرى خداعهم خلال رحلة إلى كينيا ودول أخرى، وأجبروا على الوصول إلى مقديشو وأدخلوا إحدى مدارسها. واطلع التلفزيون النرويجي على أربع حالات ولدوا في النرويج أو كانوا في سن أقل من 5 سنوات حين أحضرهم أهلهم إلى النرويج، وأرسل بعضهم إلى مصر للدراسة فيها لعامين، ما يؤكد تقرير مصلحة الهجرة عن معضلة التحكم الاجتماعي بالأبناء في مجتمعات المهاجرين. كذلك، عرض التلفزيون النرويجي عدداً من حالات الانتهاك لحقوق هؤلاء الذين تعرضوا للعنف كأسلوب تربوي، وجرى تقييد بعضهم بسلاسل.
ووفقاً لتقارير رسمية، ومن بينها تقرير مديرية الأطفال والشباب والأسرة، فإن السنوات الأخيرة الماضية شهدت زيادة في أعداد الأطفال النرويجيين من أصول أخرى الذين أرسلهم الأهل في رحلات "إعادة تربية". في عام 2015، كان العدد 59 وزاد في عام 2016 إلى 79. وشهد عام 2017 سفر 107، بينهم 62 طفلاً تركوا من دون أهل في الأوطان الأصلية، من بينها العراق. واعتاد الأهل ترك أطفالهم لدى أقارب في مختلف المدن العراقية، ومنع بعضهم التواصل مع المجتمعات التي يعيشون فيها لسنوات. وبحسب هذه المديرية، "بعد سحب الهواتف ومنع الإنترنت عنهم، جرى تزويج هؤلاء القصر". وتذكر مديرة منظمة "كفى" المعنية بحقوق أطفال المهاجرين ومنع سفرهم، ليلى أيوب، للتلفزيون النرويجي، أن بعض الأسر "تنطلق من خوفها أن يحصل أبناؤها على صديق/صديقة نرويجيين". والخشية الكبرى، بحسب أيوب واستناداً إلى جلسات مع الشباب، من أن تركيز الأهل "عادة ما يدور حول الفزع من فقدان العذرية أو الزواج بشخص من خارج البيئة الأصلية، لأن من تفعل ذلك من الفتيات ينظر إليها في بيئة الأهل كمومس".
خلال الأعوام الماضية، كان هناك تركيز على "البيئة الصومالية لأن التقارير تفيد بأن نحو 40 في المائة من الشباب أرسلوا في رحلات إعادة التربية تلك"، وفقاً لوكالة الأنباء النرويجية "أن تي بي" (19 فبراير/ شباط الماضي). في هذا الإطار، تدعو أيوب السياسيّين في البلاد لاتخاذ خطوات لمواجهة "التحكّم الاجتماعي". وتترافق هذه الدعوة مع الكشف عن توسّع الظاهرة، وعرض قنوات تلفزيونية في النرويج والدنمارك لقطات لأمهات صوماليات غاضبات بعد "إنقاذ بناتهن اللواتي ربطن بسلاسل في مدرسة داخلية". ومع ارتفاع النسبة العام الماضي، وانضمام سورية وأفغانستان إلى تلك البلدان، يذهب سياسيون ومشرعون نرويجيون اليوم إلى مناقشة إجراءات صارمة بقوننة عقوبات بحق الأهل الذين يقدمون على الممارسة. وجرى التركيز خلال الأعوام الماضية على "البيئة الصومالية لأنّ التقارير تفيد بأنّ نحو 40 في المائة من الشباب تعرّضوا لرحلات إعادة التربية تلك"، وفقاً لنتائج دراسة لمركز فافو للأبحاث الاجتماعية في يناير/ كانون الثاني الماضي.
ويقول مقرّر شؤون الدمج في حزب "هويرا" (يمين)، يان ثور سانر، إنّ المشرّعين من اليسار واليمين يطالبون بفرض تعديلات على القوانين "تُطاول الأهل الذين يؤثّرون سلباً على حقوق الأطفال، وحق الشباب في تقرير مصيرهم". وفي 20 فبراير/ شباط الماضي، قال عضو البرلمان عن حزب "العمل" (يسار وسط)، مسعود غارا خاني: "يجب فرض قانون غرامات وعقوبات بحق الأهل الذين يرسلون أطفالهم إلى مدارس القرآن (خارج النرويج)". ويترأّس مسؤول سياسات الدمج في البرلمان مسعود مع آخرين الحملة لتعديل القوانين التي تمنح الأهل حق التصرّف مع أطفالهم القصر، باعتبار ذلك الحق "ممارسة أولوية لمساعدة أطفالهم على التحصيل العلمي الحقيقي في المدارس النرويجية وليس إرسالهم إلى مدارس قرآن خارج بلدنا (النرويج) وهي ممارسة تسلب الأطفال حقهم الالتحاق بمدارسهم". ويرى مسعود أنه لا بد من تدخل المشرعين "بعدما لم تؤد حوارات المدارس مع الأهل إلى نتيجة تذكر، وبات لزاماً انتهاج سياسة تحمل الأهل عواقب ما يقدمون عليه".