الامتدادات القبلية في ليبيا واضحة في مناطق الجنوب، إذ إنّ بعض القبائل لا تعترف بالحدود. وهكذا فإنّ لأبنائها وضعاً خاصاً إذ مُنحوا بطاقات هوية، ما يثير مخاوف ليبية
لم يجد اللافي موهناي، النازح إلى طرابلس من منطقته أبالول بسبب سوء الظروف المعيشية والخدمية هناك، مانعاً في منح بيته لابن عمه المنتمي لقبيلة الطوارق والآتي من المنطقة الجزائرية الحدودية. يقول موهناي إنّ الحدود الوهمية هي التي قسمت قبيلته، فأرضهم واحدة وأسرهم واحدة "هو ابن عمي وابن خالتي، وليس غريباً عن بيتي، وجاء ليقطن في بلدته كغيره من المئات من أبناء الأعمام، ولم تتمكن الحدود من منعنا من التواصل، فنحن نعبرها صباحاً ونرجع مساء، منذ عقود".
اقــرأ أيضاً
ليس ابن عم موهناي الوحيد الآتي إلى ليبيا، فقد سبقته مئات الأسر العابرة للحدود، لا سيما من تشاد والنيجر والسودان، فقد تحولت مناطق بكاملها إلى سكان غير ليبيين، وبعضها كالقطرون وتراغن وتجرهي أغلب سكانها من قبائل التبو من غير الليبيين، ويعيش هؤلاء حياة طبيعية فيها بسبب حماية واستضافة أبناء أعمامهم من القبيلة نفسها. يؤكد جمعة الزيداني، وهو عضو المجلس الأعلى لقبائل الجنوب، وهي جهة أهلية، أنّ مناطق بكاملها على الحدود الجنوبية بات سكانها غير ليبيين. يعدد منها مناطق إدلس وأومات وتن أضارف ودليم وحجيل. ويقول لـ"العربي الجديد": "تلك المناطق قد لا تكون شهيرة فمستوى الخدمات فيها متدنٍّ جداً ولا يتردد عليها غير سكانها الأصليين". لكنّه في الوقت عينه، يشير إلى تواجد عناصر أجنبية في مناطق القطرون ومرزق وتراغن بوضوح "السيطرة هناك للآتين من تشاد والنيجر تحديداً قبائل التبو التي لها امتدادات قبلية في تلك الدول. وهم يعيشون بحماية مليشيات أبناء أعمامهم الليبيين". يقول: "التبو الأفارقة لديهم مليشيات تتمركز داخل هذه المدن أيضاً، أما في الصحراء فحدث ولا حرج، إذ إنّ بعضهم يصعب التفريق بينه وبين مليشيات المعارضة التشادية التي تتواجد في الجنوب الليبي والشمال التشادي".
بحسب نشرة التعداد السكاني لليبيا عام 2006 فقد بلغ عدد سكان الجنوب الليبي 400 ألف نسمة، أكثر من 90 في المائة منهم عرب، والبقية من أقليات الطوارق والتبو وقبائل صغيرة أخرى، لكن الزيداني يؤكد تأثير تغير الأوضاع في البلاد منذ عام 2011 على ديموغرافيا الجنوب. يقول: "بفعل الصراعات السياسية والموقف من النظام السابق تمكنت قبائل موالية لثورة فبراير/ شباط 2011، من تهجير تجمعات قبلية موالية للنظام السابق من مناطقها إلى مناطق الشمال، وخلال السنوات الماضية، دفع الانفلات الأمني الكبير وغياب الدولة مئات الأسر إلى النزوح من مناطقها"، مؤكداً أنّ نسبة العرب لا تتجاوز اليوم 40 في المائة.
يعلل الزيداني تزايد أفراد القبائل غير العربية بالصراعات القبلية التي شهدتها مناطق الجنوب "البداية كانت مع القتال الضاري الذي اندلع بين قبيلتي الطوارق والتبو عام 2014 طوال أشهر، وهو ما استدعى جلب القبيلتين مقاتلين من امتداداتهما القبلية في دول مجاورة. وبعد انتهاء الحرب بينهما، بقي هؤلاء المقاتلون استعداداً لأيّ مواجهة جديدة". يضيف: "جاء مئات المقاتلين الأفارقة الذين ينتمي معظمهم إلى التبو، من السودان تحديداً، للقتال ضمن صفوف قوات اللواء خليفة حفتر، وجرى توطينهم هناك وهم يسيطرون على مناطق بكاملها بقوة السلاح".
يؤكد الزيداني أنّ مئات من الأسر من دول الجوار المنتمية للقبيلتين، بالإضافة إلى قبائل أخرى، كالزغاوة الآتية من تشاد والسودان، باتوا يملكون أرقاماً وطنية ليبية (بطاقات هوية) وهي أولى الخطوات في طريق تجنيسهم واعتبارهم ليبيين، مشيراً إلى أنّ "بعضاً من تلك القبائل تتحدث بصوت مرتفع عن حقوقها التاريخية في أراضٍ بالجنوب، وبعضها نادى بضرورة وجود حكم ذاتي لهم على الأقل". يتابع أنّ تلك المطالب نوقشت علناً أثناء جلسات عمل هيئة صياغة مشروع الدستور عندما انسحب ممثلو مكونات التبو وغيرهم لعدم تضمين مطالبهم في الدستور.
وفتح الإعلان عن وجود تلاعب في منح الأرقام الوطنية مؤخراً الباب على مصراعيه للحديث عن مئات من غير الليبيين الذين مُنحوا تلك الأرقام، إذ أكد رئيس مصلحة الأحوال المدنية السابق، محمد عبد الله بوكر، في يوليو/ تموز الماضي، وجود أكثر من مليون رقم وطني مزور رُصد خلال سنتي 2016 و2017. جاء ذلك بعد تأكيدات تشير إلى أنّ المصرف المركزي صرف المنحة المالية المقررة للأسر الليبية بعدد يفوق ثمانية ملايين نسمة، بينما لا يتجاوز عدد الليبيين ستة ملايين نسمة.
اقــرأ أيضاً
تداولت صفحات التواصل الاجتماعي صور نماذج أرقام وطنية ليبية مُنحت لأشخاص غير ليبيين، ولدوا في دول أفريقية، ادعوا أنّهم ممن يُعرف في ليبيا بـ"العائدين". يعلق الناجي قميع، المسؤول في مصلحة الأحوال المدنية إنّ "مسمى العائدين يقصد به الليبيون المهاجرون من جراء حروب الاحتلال الإيطالي أوائل القرن الماضي، وبسبب هجرات أخرى، وهو مسمى مدرج في القانون الليبي، وللعائدين حقوق المواطنة". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "النظام السابق عندما استقبل أسراً عربية وأفريقية ووطّنها في البلاد، لا سيما في الجنوب، لم يمنح لها الجنسية الليبية بل منحها جنسية عُرفت باسم الجنسية العربية" لكنّه يؤكد أنّ هناك تزويراً واسعاً في مصلحة الأحوال المدنية بسبب الفساد الإداري المستشري في البلاد.
لم يجد اللافي موهناي، النازح إلى طرابلس من منطقته أبالول بسبب سوء الظروف المعيشية والخدمية هناك، مانعاً في منح بيته لابن عمه المنتمي لقبيلة الطوارق والآتي من المنطقة الجزائرية الحدودية. يقول موهناي إنّ الحدود الوهمية هي التي قسمت قبيلته، فأرضهم واحدة وأسرهم واحدة "هو ابن عمي وابن خالتي، وليس غريباً عن بيتي، وجاء ليقطن في بلدته كغيره من المئات من أبناء الأعمام، ولم تتمكن الحدود من منعنا من التواصل، فنحن نعبرها صباحاً ونرجع مساء، منذ عقود".
ليس ابن عم موهناي الوحيد الآتي إلى ليبيا، فقد سبقته مئات الأسر العابرة للحدود، لا سيما من تشاد والنيجر والسودان، فقد تحولت مناطق بكاملها إلى سكان غير ليبيين، وبعضها كالقطرون وتراغن وتجرهي أغلب سكانها من قبائل التبو من غير الليبيين، ويعيش هؤلاء حياة طبيعية فيها بسبب حماية واستضافة أبناء أعمامهم من القبيلة نفسها. يؤكد جمعة الزيداني، وهو عضو المجلس الأعلى لقبائل الجنوب، وهي جهة أهلية، أنّ مناطق بكاملها على الحدود الجنوبية بات سكانها غير ليبيين. يعدد منها مناطق إدلس وأومات وتن أضارف ودليم وحجيل. ويقول لـ"العربي الجديد": "تلك المناطق قد لا تكون شهيرة فمستوى الخدمات فيها متدنٍّ جداً ولا يتردد عليها غير سكانها الأصليين". لكنّه في الوقت عينه، يشير إلى تواجد عناصر أجنبية في مناطق القطرون ومرزق وتراغن بوضوح "السيطرة هناك للآتين من تشاد والنيجر تحديداً قبائل التبو التي لها امتدادات قبلية في تلك الدول. وهم يعيشون بحماية مليشيات أبناء أعمامهم الليبيين". يقول: "التبو الأفارقة لديهم مليشيات تتمركز داخل هذه المدن أيضاً، أما في الصحراء فحدث ولا حرج، إذ إنّ بعضهم يصعب التفريق بينه وبين مليشيات المعارضة التشادية التي تتواجد في الجنوب الليبي والشمال التشادي".
بحسب نشرة التعداد السكاني لليبيا عام 2006 فقد بلغ عدد سكان الجنوب الليبي 400 ألف نسمة، أكثر من 90 في المائة منهم عرب، والبقية من أقليات الطوارق والتبو وقبائل صغيرة أخرى، لكن الزيداني يؤكد تأثير تغير الأوضاع في البلاد منذ عام 2011 على ديموغرافيا الجنوب. يقول: "بفعل الصراعات السياسية والموقف من النظام السابق تمكنت قبائل موالية لثورة فبراير/ شباط 2011، من تهجير تجمعات قبلية موالية للنظام السابق من مناطقها إلى مناطق الشمال، وخلال السنوات الماضية، دفع الانفلات الأمني الكبير وغياب الدولة مئات الأسر إلى النزوح من مناطقها"، مؤكداً أنّ نسبة العرب لا تتجاوز اليوم 40 في المائة.
يعلل الزيداني تزايد أفراد القبائل غير العربية بالصراعات القبلية التي شهدتها مناطق الجنوب "البداية كانت مع القتال الضاري الذي اندلع بين قبيلتي الطوارق والتبو عام 2014 طوال أشهر، وهو ما استدعى جلب القبيلتين مقاتلين من امتداداتهما القبلية في دول مجاورة. وبعد انتهاء الحرب بينهما، بقي هؤلاء المقاتلون استعداداً لأيّ مواجهة جديدة". يضيف: "جاء مئات المقاتلين الأفارقة الذين ينتمي معظمهم إلى التبو، من السودان تحديداً، للقتال ضمن صفوف قوات اللواء خليفة حفتر، وجرى توطينهم هناك وهم يسيطرون على مناطق بكاملها بقوة السلاح".
يؤكد الزيداني أنّ مئات من الأسر من دول الجوار المنتمية للقبيلتين، بالإضافة إلى قبائل أخرى، كالزغاوة الآتية من تشاد والسودان، باتوا يملكون أرقاماً وطنية ليبية (بطاقات هوية) وهي أولى الخطوات في طريق تجنيسهم واعتبارهم ليبيين، مشيراً إلى أنّ "بعضاً من تلك القبائل تتحدث بصوت مرتفع عن حقوقها التاريخية في أراضٍ بالجنوب، وبعضها نادى بضرورة وجود حكم ذاتي لهم على الأقل". يتابع أنّ تلك المطالب نوقشت علناً أثناء جلسات عمل هيئة صياغة مشروع الدستور عندما انسحب ممثلو مكونات التبو وغيرهم لعدم تضمين مطالبهم في الدستور.
وفتح الإعلان عن وجود تلاعب في منح الأرقام الوطنية مؤخراً الباب على مصراعيه للحديث عن مئات من غير الليبيين الذين مُنحوا تلك الأرقام، إذ أكد رئيس مصلحة الأحوال المدنية السابق، محمد عبد الله بوكر، في يوليو/ تموز الماضي، وجود أكثر من مليون رقم وطني مزور رُصد خلال سنتي 2016 و2017. جاء ذلك بعد تأكيدات تشير إلى أنّ المصرف المركزي صرف المنحة المالية المقررة للأسر الليبية بعدد يفوق ثمانية ملايين نسمة، بينما لا يتجاوز عدد الليبيين ستة ملايين نسمة.
تداولت صفحات التواصل الاجتماعي صور نماذج أرقام وطنية ليبية مُنحت لأشخاص غير ليبيين، ولدوا في دول أفريقية، ادعوا أنّهم ممن يُعرف في ليبيا بـ"العائدين". يعلق الناجي قميع، المسؤول في مصلحة الأحوال المدنية إنّ "مسمى العائدين يقصد به الليبيون المهاجرون من جراء حروب الاحتلال الإيطالي أوائل القرن الماضي، وبسبب هجرات أخرى، وهو مسمى مدرج في القانون الليبي، وللعائدين حقوق المواطنة". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "النظام السابق عندما استقبل أسراً عربية وأفريقية ووطّنها في البلاد، لا سيما في الجنوب، لم يمنح لها الجنسية الليبية بل منحها جنسية عُرفت باسم الجنسية العربية" لكنّه يؤكد أنّ هناك تزويراً واسعاً في مصلحة الأحوال المدنية بسبب الفساد الإداري المستشري في البلاد.