"سيزده بدر"... تراث إيراني عريق يتجدد كلّ عام

02 ابريل 2019
يختم احتفالات النوروز (جيسون إدواردز/ Getty)
+ الخط -

ليوم "سيزده بدر" الذي يحتفل الإيرانيون به اليوم، رمزية ومكانة مرموقة في الموروث الشعبي. به يكملون احتفالات عيد "النوروز"، وبه يختمون إجازات هذا العيد التي تستمر أسبوعين

يخرج آلاف الإيرانيين منذ الصباح الباكر في "أكبر تظاهرة شعبية فولكلورية" متجهين إلى الصحراء والأودية والحدائق العامة، مستحضرين عادات وطقوسا تاريخية، في إحياء يوم "سيزده بدر" الذي يطابق هذا العام اليوم الثلاثاء، 2 إبريل/ نيسان، وهو اليوم الثالث عشر من شهر فروردين، أول الشهور في السنة الإيرانية.

يحمل "سيزده بدر"، كبقية احتفالات النوروز، معاني ودلالات مرتبطة بالطبيعة التي تبدأ معها السنة الشمسية الجديدة، لحظة الانقلاب الربيعي، وتنتهي بها إجازاتها واحتفالاتها. تلك المعاني راسخة في أجزاء المصطلح نفسه، قبل دلالاته العملية، إذ تعني "سيزده" باللغة العربية ثلاثة عشر، و"بدر" اختصار لـ "به دره" (أو به دشت) أي الوديان والسهول. بالتالي، فإنّ مصطلح "سيزده بدر" يعني الخروج إلى الوديان أو السهول في اليوم الثالث عشر من السنة الإيرانية. لذلك سمّي هذا اليوم في التقويم الشمسي الإيراني بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بيوم "الطبيعة" أو "المصالحة مع البيئة".




على الرغم من أهمية هذه المناسبة في الثقافة الإيرانية الراهنة، فإنّ غموضاً يكتنف جذورها، ولم يرد مصطلح "سيزده بدر" في الكتب التاريخية، مع إشارات فيها إلى "اليوم الثالث عشر من فروردين" لكن من دون ذكر تسمية "سيزده بدر" التي تذكر المصادر الحديثة أنّها تعود إلى العهد القاجاري، أي قبل قرنين.

تورد الكتب التاريخية الإيرانية أنّ الملك الإيراني جمشيد شاه (أحد أهم شخصيات الشاهنامه) وهو مؤسس عيد النوروز وأحد الأساطير الإيرانية العريقة "خرج في اليوم الثالث عشر من عيد النوروز إلى الصحراء الخضراء وأقام الخيام، وكرر ذلك لأعوام متتالية إلى أن تحول هذا اليوم إلى مناسبة وطقس واحتفال". لكن، ثمة روايات أخرى عن جذور الاحتفال باليوم الثالث عشر من السنة الإيرانية الجديدة، فيذكر مؤلف كتاب "من النوروز إلى النوروز" النائب السابق عن الأقلية الزرادشتية في البرلمان الإيراني، كوروش نيكنام، أنّ "الثالث عشر من شهر فروردين يسمى باسم تير أو تيشتر، وهو رب المطر كما ورد في كتاب أوستا (الكتاب المقدس للزرادشتية). وبحسب معتقدات القدامى قبل مجيء الزرادشتية، فإنّ رب المطر لكي ينتصر ويهزم ديو الجفاف (عفريت الجفاف أو الروح الشريرة) كان في حاجة إلى خروج الناس في هذا اليوم للدعاء والطلب من تير أن ينزل المطر. وهكذا كان الناس يخرجون إلى الصحراء والأودية وضفاف الأنهار للاحتفال والرقص والدعاء لهطول الأمطار". تقول رواية أخرى إنّ "الإيرانيين بعد 12 يوماً من الاحتفال والفرح بمناسبة السنة الجديدة، ترميزاً لشهور السنة، يخرجون في اليوم الثالث عشر إلى البساتين والصحراء، تتويجاً لاحتفالات عيد النوروز وختاماً لها".

بينما تشير تلك الروايات إلى أنّ "سيزده بدر" يوم سعد، يخرج فيه الإيرانيون، تعبيراً عن الفرح، فالرواية الشعبية الأكثر رواجاً، وتناقلاً عبر الأجيال، تقول إنّ الرقم "13" نحس، وإنّ الغاية من مغادرة البيوت إلى المتنزهات والحدائق والصحراء، هي إبعاد النحس والانتصار على سوء الحظ والشرّ. يقول الكاتب الإيراني عباس علي كيوان في كتاب "كيوان نامه" إنّ "الذهاب إلى بيت آخر في يوم سيزده بدر لم يكن جائزاً، فصاحب البيت كان يعتبر ذلك نذير شؤم، كما يتجنب الناس زيارة بيوت بعضهم كي لا يصابوا بنحسها أيضاً، فيذهب الجميع إلى الصحراء".

في المقابل، ينفي باحثون إيرانيون أن يكون تاريخ إيران القديم نظر بتشاؤم ونحس إلى العدد 13، وإلى يوم "سيزده بدر"، فيوضح الكاتب الإيراني، عبد العظيم رضائي في كتابه "الأنساب وديانات الإيرانيين القديمة" أنّ هذا اليوم "كان مباركاً وعلامة على الخصوبة" عند القدامى. بدورها، تعتبر الأبحاث التاريخية الحديثة أنّ الاعتقاد بتشاؤم يوم "سيزده بدر" دخل ثقافة الزرادشتيين والمسلمين في إيران من العالم المسيحي الذي لديه رهاب العدد 13".

يقيم الإيرانيون في هذا اليوم احتفالات طقسية عديدة تختلف أحياناً من عرق لآخر ومن منطقة لأخرى. ومن أهم تلك العادات تحضير "سبزه"، وهي نبتة قمح دائرية مربوطة من الأطراف بخيط أحمر، تزرعها الأسر الإيرانية مع بداية السنة الجديدة في وعاء خاص، وتزين بها سفرة "السينات السبع" كما ترمز إلى تجديد الحياة، ويحملها الإيرانيون معهم في يوم "سيزده بدر" إلى خارج البيوت لرميها غالباً في مياه الأمطار أو تترك في الطبيعة. ويربط الإيرانيون سيقان "سبزه" أو الأعشاب في السهول والحدائق ببعضها البعض لترتبط حياتهم بالطبيعة أو لتتحقق أمنياتهم في عامهم الجديد. ويولي الشباب، خصوصاً الإناث اهتماماً بربط الأعشاب طلباً لتحقيق أمنيتهم في الزواج.




يقول الباحث محمد علي مهدوي أميري إنّ "الناس يتصورون أنّ مشاكلهم في الحياة هي عُقد، يمكن فكها عبر ربط الأعشاب وسيقان سبزه ببعضها البعض، ولأنّ النباتات والأعشاب دائماً في نمو مستمر، تفتح تلك العقد وتحلّ تلك المشاكل".

كذلك، تقضي العادات بأن تحضر أسر بعض المناطق حساء تراثياً يعرف بـ "آش رشته" يعدّ من الحبوب والخضر، إلى الحدائق والمتنزهات.