أمطار إيران: نقمة ونعمة

19 ابريل 2019
حاجز من الرمال لعلّ السيول تنحسر (عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -

في الأعوام الأخيرة، راحت إيران تشكو من الجفاف، نظراً إلى نقص متزايد في مواردها المائية نتيجة شحّ الأمطار والثلوج. لكن هذا العام، هطلت الأمطار غزيرة، منذ 18 مارس/آذار الماضي، لدرجة أنّ الرئيس الإيراني حسن روحاني وصفها بأنّها "غير مسبوقة في خلال 100 عام". وقد أدّت غزارة التساقطات إلى تشكّل سيول وفيضانات جارفة "غير معهودة" كذلك.

في محافظة خوزستان، جنوب غربي البلاد، ما زالت السيول جارية، وإن بحدّة أقل بالمقارنة مع الأيام الماضية، نتيجة تدفّق كميات هائلة من مياه أمطار المحافظات الأخرى إليها، وذلك بالتزامن مع استمرار النقاشات حول أسبابها وتداعياتها البيئية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقد اشتعلت في السياق حرب كلامية بين طهران وواشنطن، مع اتهام الإدارة الأميركية بمنع وصول مساعدات مالية خارجية لمواطنيها المنكوبين من جرّاء الفيضانات، على خلفية العقوبات المفروضة على البلاد.

تفيد السلطات الإيرانية المختصة بأنّ السيول طاولت 70 في المائة من مساحة البلاد، البالغة مليوناً و648 ألفاً و195 كيلومتراً مربعاً، في 25 محافظة من أصل 31، وفي 235 مدينة و4400 قرية، الأمر الذي عطّل الحياة في كثير من تلك المناطق. وفي حين غرقت قرى بكاملها، أخلت السلطات عشرات المدن ومئات القرى في خلال الشهر الأخير.

حتى اللحظة، خلّفت الفيضانات 76 قتيلاً و1137 جريحاً و295787 مشرّداً في كلّ أنحاء إيران، مع أضرار بالغة في الممتلكات العامة والخاصة. وقد دُمّرت طرقات بلغ طولها 14 ألف كيلومتر، إلى جانب 725 جسراً و100 منشأة رياضية. كذلك تعرّض 150 ألف منزل و1482 مدرسة و500 مركز صحي للتدمير الكلي أو الجزئي، فيما لحقت أضرار كبيرة بمليون هكتار من الأراضي الزراعية، و150 ألف هكتار من البساتين، وستة آلاف مزرعة دواجن و100 مزرعة أسماك، بالإضافة إلى 8878 مركزاً تجارياً. وقطعت السيول إمدادات المياه عن 3788 قرية، وإمدادات الكهرباء عن 2352 قرية في إيران، لكنّها عادت إلى أكثر من 95 في المائة منها، بحسب السلطات الإيرانية. وفي خلال اجتماع الحكومة الإيرانية، الأربعاء الماضي، أعلن روحاني أنّ الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الفيضانات تقدّر بـ 40 ألف مليار تومان (نحو مليار دولار أميركي).

نجح في اجتياز المياه التي أغرقت الحقل (عطا كناري/ فرانس برس)

ليس غريباً وقوع كوارث طبيعية في إيران من حين إلى آخر، فهي من ضمن الدول الخمس في العالم الأكثر تعرّضاً لمختلف الكوارث الطبيعية. ومن بين 41 كارثة طبيعية في العالم، تقع ما بين 31 إلى 33 منها في إيران، بحسب رئيس منظمة الخرائط الإيرانية، علي رضا قراغزلو. مع ذلك، يؤدّي العامل البشري دوراً بارزاً في هذه الكوارث ومضاعفة تداعياتها. وقد شهدت أخيراً الأوساط الإعلامية والعلمية والسياسية وشبكات التواصل الاجتماعي نقاشات ساخنة حول أسباب الأمطار الغزيرة التي تساقطت، خلال الشهر الأخير، في البلاد. فأعادتها جهات معارضة إلى عمليات استمطار نفّذتها السلطات الإيرانية، وهو ما نفاه مدير المؤسسة الوطنية لدراسات الاستمطار، فريد غلكار، قائلاً إنّ العملية الأخيرة التي قامت بها إيران في هذا المجال تعود إلى قبل عامَين. أمّا جهات أخرى، فقد رأت أنّ كميات الأمطار الكبيرة وما خلّفته من فيضانات جارفة ليس أمراً عادياً، واتهمت الولايات المتحدة الأميركية بتغيير مناخ إيران.

في السياق، نشرت وكالة "تسنيم" الإيرانية للأنباء، المحسوبة على الخط المحافظ، تقريراً مفصّلاً، في وقت سابق من الشهر الجاري، أشار إلى أنّ "السيول الأخيرة في إيران قد تكون ناتجة عن تدخّل خارجي في مناخ إيران". لكنّ الأستاذ المحاضر في كلية البيئة والأمين العام للجمعية العلمية للأرصاد الجوية في إيران، جواد بداق جمالي، رأى أنّ الحديث عن دور خارجي في هذا الإطار "مجرّد شائعات تنمّ عن جهل بالمبادئ العلمية وتبسيط للأمور"، مضيفاً أنّ "هذه الشائعات ليست حتى في مستوى الاحتمالات". وأعاد جمالي السيول الأخيرة في إيران إلى عاملَين، هما التدخّل البشري والعنصر الطبيعي، قائلاً إنّ السيول في مدينة شيراز (جنوب) أتت نتيجة إنشاءات غير علمية وغير مهنية على مدخل المدينة حالت دون انتقال المياه إلى النهر. أمّا السيول في محافظة غلستان (شمال شرق) والتي أغرقت مدناً فيها، فأعادها إلى عوامل بشرية، من قبيل التدخّل في البيئة عبر عمليات بناء عشوائية. من جهتها، ربطت مصادر علمية أخرى السيول في المحافظة بتدمير غاباتها، وكذلك ضفاف أنهرها. وفي ما يتعلّق بسيول محافظة خوزستان، فرأى أنّها كانت طبيعية، إذ إنّ الأمطار الغزيرة أدّت إلى فيضان السدود والأنهار، وقد تمكّنت وزارة الطاقة من خلال فتح منافذ السدود بالتدرّج من منع وقوع كارثة إنسانية في المحافظة.

من جهته، رأى الخبير البيئي البروفسور برويز كردواني، الذي لُقّب بـ"أب علم الصحاري في إيران"، أنّ الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة تعود إلى الاحتباس الحراري في الكرة الأرضية، موضحاً أنّه كان في إمكان السلطات منع السيول من خلال تخزين المياه في أحواض تخزين تنشئها في المرتفعات.




على الرغم من المشكلات التي تسببت فيها الأمطار الغزيرة للإيرانيين، فإنّها أنقذت البلاد، ولو مؤقتاً، من كارثة هي الأخطر، أي الجفاف الذي وصل إلى مرحلة متفاقمة. فالأمطار سجّلت ارتفاعاً بنسبة 181 في المائة هذا العام، بالمقارنة مع العام الماضي الذي كان الأكثر جفافاً في خلال خمسين عاماً. مع ذلك، توقّع كردواني أن يستمر الجفاف في إيران، خلال الأعوام المقبلة، لأنّه لم يُصَر إلى تخزين الأمطار. نافياً، في الوقت نفسه، أن تكون البلاد قد دخلت في أعوام ممطرة. وأضاف أنّ السيول اصطحبت معها الطين والرمال إلى داخل السدود، الأمر الذي يمثّل تهديداً لها ويقلّل من أعمارها.
المساهمون