واعتبرت الصحيفة أن خطاب البابا ينسجم مع عقلية "معاهدة مراكش" للأمم المتحدة، والفاتيكان من بين الموقعين عليها في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2018، والتي حاربها اليمين الفرنسي، باعتبارها تفتح أبواب أوروبا أمام المهاجرين، سالبة من الأوروبيين "سيادتهم"، إذ إنها تنادي بـ"هجرة آمنة ومنظَّمَة ومنتَظِمة".
وعلى الرغم من أن البابا فرانسيس غالبا ما يتحدث عن المهاجر، بكثير من التعاطف، بقوله إن "المهاجر، بالنسبة للمسيحي، هو المسيح نفسُهُ، وهو يطرُق أبوابنا"، غير أن الصحيفة اليمينية، تلاحظ أنه "لأول مرة يكرّس البابا خطاباً بأكمله للاجئين"، وعلى ما يجب العمل من أجله: "واجب استقباله" ثم "ضرورة حمايته"، ثم "ترقيته" لأنه "ليس هناك نفاية بشرية"، وأخيراً "إدماجه".
لكن الصحيفة تتوقف عند واجبات هؤلاء الوافدين الجدد، كما أكد عليها البابا نفسه، أي مسؤولياتهم من خلال "تعلم اللغة المحلية" و"احترام القوانين والثقافة". وكأن الصحيفة تكتشف جديدا، حين تكتب: "ثمة إشارة جديدة نسبياً في فم البابا"، حين "تحدّث عن مسؤولية البلدان الأصلية"، وحين قال: "الترقية الإنسانية للمهاجرين وعائلاتهم تبدأ أيضاً من طرف الجماعات الأصلية، حيث يجب أن يكون مضموناً إلى جانب حق الهجرة حقُّ ألا نكون مُكرَهين عليها، أي حق المهاجر في العثور في بلده على شروط تتيح له حياة كريمة".
وعلى الرغم من أن "لوفيغارو" ترى نفسها صحيفة يمينية، تدافع عن الإرث المسيحي للبلد في غالبيته الكاثوليكية، وتفتح صفحاتها لكتّاب ومفكرين يدافعون عن هذا الخط، إلا أنها لا تمنع نفسها من الإشارة إلى أن خطابات البابا خاصة حول الهجرة والانفتاح على المهاجرين، تقسّم الكاثوليكيين في فرنسا، وهنا تجد الصحيفة على يد الصحافي جان-ماري غينوا، تخريجةً لهذا التناقض المخيف الذي يعيشه بعض كاثوليكيي فرنسا: "كمسيحيين لا يمكنهم صدّ أبوابهم في وجه من يوجد في ضائقة، وكمواطنين لا يريدون أن يعرّضوا للخطر توازناتٍ هشَّةً في البلد".
وترى الصحيفة أن كاثوليكيي أوروبا ليسوا على قلب رجل واحد، إذ يوجد شرخٌ بين أسقفيات أوروبا الوسطى في بولندا والمجر وسولوفاكيا، وبين أسقفيات غرب أوروبا خاصة في ألمانيا وفرنسا. وتنظر الصحيفة بنوع من الإعجاب إلى مواقف كاثوليكيي أوروبا الوسطى "الذين لا يجدون أي عقدة ذنب في دعم سياسات تقييد الحدود التي تقوم بها حكوماتهم"، في حين أن القسم الثاني "يدعم بلا حدود سياسات استقبال المهاجرين الأكثر جرأة".
لكن الصحيفة تجيب بأن "قسماً منهم في أوروبا وفي الولايات المتحدة، لم يعودوا ينصتون إليه حول هذه المواضيع".
وليست هي أول مرة يجد فيها الكاثوليكيون الفرنسيون أنفسهَم في موضع تجاذب بخصوص المهاجرين، وسبق لصحيفة "لاكروا"، وهي صحيفة كاثوليكية ولا تخفي ذلك، أن أجرت استطلاعاً للرأي قبل عام، تبيَّن فيه أن "معظم الكاثوليكيين ليس لديهم موقف قاطع من المهاجرين"، بل إن "أغلبية نسبية منهم يقرون بواجب كرم الضيافة"، على الرغم من أن 60 في المائة من الفرنسيين يعارضون استقبال المهاجرين.
ولكن النقطة الإيجابية تتمثل في أن 41 في المائة من الفرنسيين، وهي نفس النسبة لدى الكاثوليكيين أيضا، يرون أن المهاجرين يبذلون جهوداً من أجل الاندماج في المجتمع الفرنسي، مقابل 39 في المائة يرون عكس ذلك.
خطاب البابا المدافع عن المهاجرين، والذي يثير الإعجاب في الأوساط التقدمية واليسارية، جاء في وقت تشتد فيه الحملة من أجل الانتخابات الأوروبية، والتي تشهد رغبة مكشوفة من اليمين الفرنسي "الجمهوريون"، واليمين المتطرف "انهضي فرنسا" و"التجمع الوطني" في جعل الهجرة من بين مواضيع الحملة الانتخابية، كما فعلا في الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة، مستغلين مناخاً شعبياً حذراً من الهجرة والمهاجرين.
وذهب برونو ريتايو، رئيس فريق حزب "الجمهوريون" في مجلس الشيوخ في هذا الاتجاه، إلى درجة الطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون تنظيم استفتاء حول الهجرة بعد استخلاص الدروس والنتائج من "الحوار الوطني الكبير".