"كأنّنا في معتقل"، هذه العبارة هي لأحد النازحين إلى مخيمات شرق سورية. الانتهاكات قاسية هناك، والمسؤولون أمنياً وإنسانياً عن تلك المخيمات لا يبالون بأمر النازحين
مخيمات في مناطق قاحلة في أرياف محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، تحولت إلى ما يعرف بمخيمات الموت، في ظلّ إشراف المليشيات الانفصالية الكردية عليها، حتى باتت مراكز اعتقال ومستوطنات للأمراض بين النازحين.
تتقاسم مخيمات السد والمبروكة والهول ورجم الصليبي وقانا وعين عيسى شتات نازحين من مناطق في دير الزور والرقة والحسكة، بعد أعوام ثلاثة من المعارك بين قوات سورية الديمقراطية (قسد) وتنظيم "داعش"، لتضيق على هؤلاء النازحين وترغمهم على القبول بشروط قد تكون مرفوضة إنسانياً.
بخلاف ما يروج له الهلال الأحمر الكردي، والمنظمات المدنية التابعة لمليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، في مخيم السد، الواقع بالقرب من بلدة الشدادي بريف الحسكة، يعاني النازحون هناك من غياب تجهيزات النظافة وقنوات الصرف الصحي، ما يتسبب في انتشار الأمراض والقمل والجرب. وبحسب تقارير محلية، تصل إلى المخيم مياه غير صالحة للشرب من سد الباسل، وهي ملوثة بمخلفات تكرير النفط، فضلاً عن عدم كفايتها لجميع قاطني المخيم. كذلك، فالمراحيض الجماعية الموجودة في خيام فحسب، تشكل كارثة على النازحين، خصوصاً النساء. ومع هطول المطر، وتحول أرض المخيم إلى طينية موحلة، يكون الوصول إلى المراحيض صعباً. وتنتشر في هذا المخيم أمراض وآفات مثل الجرب والقمل والإسهال، خصوصاً بين الأطفال، مع منع المليشيات المسؤولة عن أمن المخيم خروج المدنيين منه لتلقي العلاج.
في هذا الإطار، تدلي النازحة من دير الزور فاطمة أم محمد (36 عاماً) بشهادة قاسية في توصيف وضعها: "الكادر الصحي هنا في مخيم السد يعاملنا بطريقة سيئة جداً، فهم لا يعيروننا أيّ اهتمام، ولا يقدمون لنا الدواء اللازم أبداً. طلب مني أحد الأطباء أن يكون الكشف على نفقتي، لكن، لو كنت أملك المال أساساً لما نزحت إلى المخيم". تنقل أم محمد صورة عن معاملة الكادر الطبي في مخيم السد للأهالي: "عند وجود إحدى المنظمات الدولية أو اللجان في المخيم تختلف معاملتهم لنا كثيراً، فيصبحون أشخاصاً آخرين متفانين في العمل، كما لو أنّهم في مسرحية أو مسلسل، وعند مغادرة اللجنة المخيم يعودون كما كانوا، وتعود طوابير الأهالي للتجمع عند مدخل مركز الرعاية الصحية، وهذا المركز تابع للهلال الأحمر الكردي".
مدير الرابطة السورية لحقوق اللاجئين، مضر حماد الأسعد، يتحدث إلى "العربي الجديد" عن الأمراض الأكثر شيوعاً في مخيمات الموت وحالة النازحين فيها: "في المخيمات التي تحت سيطرة قسد أو الاتحاد الديمقراطي الكردي، في الحسكة والرقة و دير الزور، هناك انتشار للتيفوئيد، ولأمراض جلدية وغير جلدية معدية مع عدم توافر أدوية للعلاج منها. كذلك بين النازحين من هم مصابون بأمراض القلب والأمراض النسائية وفقر الدم وكثير من أمراض الأطفال، أبرزها في الأمعاء، بالإضافة إلى ضربات الشمس. هذه الأمراض يحتاج فيها المريض إلى رعاية صحية كاملة ومتكاملة". يتابع: "هناك ضغط كبير من الاتحاد الديمقراطي على الأهالي في تلك المخيمات، لمنعهم من الوصول إلى المستشفيات سواء في مدينة الحسكة أو مدينة القامشلي، بينما المخيمات في تلك المناطق غير مجهزة بالخدمات الصحية بشكل كامل، وهذا يعود إلى تجاهل المنظمات الدولية لها. صحيح أنّ هناك بعض المنظمات الدولية التي تقدم الأدوية لهذه المخيمات؛ لكن يبدو أنّ إدارة المخيمات والجهة العسكرية المشرفة عليها، وهي المليشيات التابعة للاتحاد الديمقراطي، تسرق الأدوية والمعدات الطبية. وفي كلّ الأحوال من يتحمل المسؤولية العظمى هي مليشيات الاتحاد والإدارة الذاتية الكردية، وكذلك الأمم المتحدة التي تتحمل جزءاً كبيراً لما يحدث للنازحين هناك، وكنا نتمنى منها أن تشرف بالكامل على المخيمات ولا تسمح لحزب الاتحاد بالتدخل فيها".
يكرر الأسعد الذي طالب في أكثر من مناسبة بإيجاد حل لخلاص النازحين بهذه المخيمات مما هم فيه: "نحن في الرابطة السورية لحقوق اللاجئين راسلنا العديد من المنظمات الدولية والإنسانية واجتمعنا مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في مدينة غازي عينتاب التركية، لتقديم المساعدات إلى هذه المخيمات التي تعاني من الإهمال والضغط الأمني والعسكري، ولتوفير المساعدات الإنسانية من أغطية وخيام. وطلبنا منهم أن يكون هناك تنسيق بين الأمم المتحدة والتحالف الدولي، فيشرف التحالف على هذه المخيمات أمنياً وعسكرياً، وتشرف الأمم المتحدة طبياً وإنسانياً وإغاثياً وإدارياً، مع إبعاد الحزب الديمقراطي الكردي عن هذه المخيمات بالكامل".
لكنّ الأسعد يقول إنّ "الأمم المتحدة وعدت بتغييرات، ونحن نتمنى ذلك من أجل تحسين واقع هذه المخيمات وكذلك إنقاذ النازحين إليها بعدما تحولت إلى معتقلات كبيرة يمارس فيها جميع أنواع الانتهاكات من الحراس التابعين لمليشيات الحزب الديمقراطي الكردي".
من جهته، يقول النازح إلى مخيم السدّ، عمار، لـ"العربي الجديد": "من لديه المال، يتلقى العلاج، أما معدمو الحال في المخيم، فيعيشون على الأمل. دواء لمرض ضغط الدم لم يوفروه لي، كما لم يوفروا بخاخ الربو لابني. نعيش هنا بلا عمل، وليس متاحاً لنا الخروج من المخيم إلّا إذا دفعنا المال... كأنّنا في معتقل".