ترغب الجالية المسلمة في فرنسا في الحصول على عطلة رسمية ليوم واحد على الأقل بمناسبة الأعياد الإسلامية. لكن يبدو أن الطريق ما زال طويلاً.
تشعر فتيحة بسعادة كبيرة حين يتزامن عيد الأضحى أو عيد الفطر مع العطلة الصيفيّة. والسبب أنها تكون قادرة على مرافقة عائلتها الصغيرة إلى وهران (شمال غرب الجزائر) لقضاء العيدين وسط الأهل والأحباب واستعادة التقاليد حين يقبل أبناؤها السفر، أو تقضي هذين العيدين مع العائلة والجيران في فرنسا إذا ما خذلها أبناؤها.
"المهم هو روح العيد"، و"تقاسُم الفرح"، و"تحضير أطباق تحملها إلى المسجد حتى يتناولها المحتاج والجائع"، تقول فتيحة. لكن في غير هذه الفترة، لا تستطيع فعل شيء. وقد اضطرت خلال سنوات كثيرة إلى العمل في أيام العيد. توضح أنها تعمل من دون رغبة، لكنّها "إكراهات وجودنا في هذا البلد". وفتيحة ليست وحدها التي تعاني في هذا الإطار.
ما زالت الجالية العربية الإسلامية في فرنسا، منذ بدأ الجيل الثاني للهجرة يخرج من تقوقع الآباء، ويعلن عن نفسه ويطالب بحقوقه، تنتظر أن تحظى بيوم عطلة على الأقل، بمناسبة عيد ديني إسلامي، أسوة بالطوائف المسيحية. ولا شك أن غالبيّة المسلمين يحبون عيد الأضحى الذي يذكّر أبناء الجالية بتاريخهم وعاداتهم، ويكون فرصة للقاء ليس فقط في المساجد، ولكن حتى مع الذين لا يرتادون المساجد. وكثير من الفرنسيين ينظرون إلى هذا العيد بإعجاب، لأن هذا اليوم يساهم في جمع الناس، كونه "يوم التقاسم والأريحيّة"، كما يقول جان بول، وهو فرنسي ولد في حيّ غالبيته عرب وأفارقة. هي رغبة ما زالت بعيدة التطبيق، على الرغم من أن بعض مجموعات التفكير ترغب في إقناع السلطات الفرنسية بذلك، من أجل انفتاح الدولة على أقلياتها ومكوناتها. من بين هذه المجموعات، "تيرا نوفا"، المقربة من الحزب الاشتراكي التي ارتأت في تقرير لها بتاريخ 22 فبراير/ شباط في عام 2017 تحت عنوان: "تحرير الإسلام في فرنسا"، تعويض عيدين مسيحيين وهما يوما عطلة، بعيد إسلامي وآخَر يهودي. وهذا يعني، بحسب التقرير، "تحقيق معاملة متساوية لكل الديانات". ويقترح التقرير الاعتراف بعيد الأضحى للمسلمين، ويوم كيبور لليهود.
ما زال حظ المسلمين في فرنسا متعثراً. وسبق قبل صدور هذا التقرير أن أعرب سياسيون فرنسيون عن رغبتهم في تحقيق هذا الانفتاح، من بينهم المرشحة البيئية لرئاسيات 2012 إيفا جولي، التي اقترحت منح يوم عطلة للمسلمين في عيد الأضحى، ويوم كيبور لليهود. ولم يكترث كثيرون لهذا الاقتراح، ثم قدمت النائبة الاشتراكية عن منطقة لاريينيون، إيريكا باريت، تعديلاً على قانون ماكرون يمنح مناطق فرنسا ما وراء البحار إمكانية تعويض أيام العطل المسيحية بأعياد محلية، لكن مجلس الشيوخ الذي يتحكم فيه اليمين رفض التعديل، ورأى بعض نواب اليمين واليمين المتطرف في التعديل رغبة في الخروج من الجماعة الوطنية، أي الخروج من تاريخ فرنسا اليهودي ــ المسيحي.
وفي انتظار صدور قرار رسمي، بحسب مدى رغبة الجالية العربية الإسلامية، لا يبدو الأمر مأساوياً. تقول حكيمة الغازي، وهي باحثة في جامعة باريس السادسة: "منذ سنوات عدة، أحتفل بعيد الأضحى في بيتي ومع زوجي وأبنائي"، والفضل، كما تقول، هو "لمرسوم حكومي دخل حيّز التنفيذ يوم 10 فبراير/ شباط في عام 2012"، وهو خاص بالوظيفة العامة، وينصّ على "تراخيص خاصة بالتغيب لا تحسب من العطل السنوية يمكن منحها لموظفين خلال بعض المناسبات"، وبشكل خاص "لأسباب دينية".
لكنّ هذا التساهل في القطاع العام لا يقابله تساهل في القطاع الخاص. "صحيح أن قانون العمل في القطاع الخاص يَضمن حرية العبادة للمستخدَمين"، كما يقول أحمد الريفي، الذي يعمل في قاعة استقبال في أحد الفنادق. يضيف: "هذه الحرية الدينية تظهر جلياً من خلال السماح للنساء المحجبات بالعمل في القطاع الخاص، ما يعد محظوراً في الوظيفة الحكومية".
وعلى الرغم من وجود حرية في هذا القطاع، إلا أنّ المُشغّل يستطيع فرض بعض القيود، أي أنه يستطيع منع مستخدَمين من التغيب في هذا العيد، إذا كان يُقدّر أن الغياب قد يؤثر سلباً على سير العمل. أحمد الريفي لم يكن محظوظاً العام الماضي. يقول: "ظللتُ واثقاً من أنني لن أعمل يوم العيد، ما أفرح أبنائي. نويتُ اصطحاب ابني إلى المسجد للصلاة، وإذا بالمسؤول في الفندق يهاتفني، وهو في حالة هلع، ويطالبني بالتوجه إلى العمل لأنّ زميلي البرازيلي فَقَدَ أحدَ أبويه وسيسافر على الفور".
وفي حال تقدّم مستخدمين كُثر طلبات التغيب، فمن حق المُشغِّل أن يَقبل الطلبات الأولى للتغيّب ويَرُدّ الآخَرين خائبين، أو يلجأ إلى القرعة. هذه القرعة، كما تعترف سلوى التي تعمل ممرضة في مصحة خاصة، إلى جانب كثير من العرب "قاسية. ولا يمكن أن نظل دائماً تحت رحمتها". وتسأل: "حقّاً، إن كل الاقتراحات التي تريد أن تجعل من عيد الأضحى يوم عطلة تأتي من غير العرب. ولست أدري ما يفعله العديد من النواب من أصول عربية في البرلمان". ثم تقول، بمزيج من المرارة والسخرية: "سأبحث عن عناوين هؤلاء النواب وأطلب منهم فعل شيء. فانتظار أريحية المُشغِّل، أو الاستسلام لقرار القُرعة، مذلَّة لا يجب أن تدوم".