آبار غير كافية في السودان

22 مارس 2019
ينقلون المياه من الآبار إلى منازلهم (العربي الجديد)
+ الخط -
في حيّ سوبا على بعد نحو 20 كيلومتراً إلى جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، تعيش آمنة الدود مع أطفالها الأربعة وتعمل في الخدمة المنزلية بدخل يومي لا يزيد عن مائة جنيه سوداني (نحو دولارَين أميركيَّين). تنفق آمنة ثلث هذا المبلغ لتوفير مياه تروي بها عطش أسرتها وتستخدمها في أعمالها اليومية. فالمنطقة التي تعيش فيها محرومة من المياه منذ سنوات طويلة، وكلّ ما نجح الأهالي به هو حفر بئر لم يُرفَق بشبكة تصل إلى المنازل. وهذا البئر بحسب آمنة "بعيد جداً عن منزلي، بالتالي تُباع مياهه للسكان على عربات الكارو التي تجرّها الحمير، لقاء 50 جنيهاً (نحو دولار واحد) للبرميل الواحد، ويرتفع هذا السعر في خلال أشهر الصيف".




تلك المشكلة ليست محصورة بمنطقة سوبا الأراضي وحدها، إذ إنّ مناطق كثيرة من الريف السوداني تواجه المشكلة ذاتها على الرغم من أن البلاد تصنف من البلدان الأكثر غنى بالموارد المائية. المدن الكبيرة الأخرى تواجه كذلك مشكلة شحّ في المياه الصالحة للشرب، مثل مدينة بورتسودان (شمال شرق) التي تُعَدّ الميناء الرئيسية للبلاد، والتي يواجه سكانها البالغ عددهم نحو 800 ألف نسمة المشكلة نفسها. يُذكر أنّ الأسرة الواحدة في المدينة تحتاج إلى نحو 200 جنيه (نحو أربعة دولارات) يومياً لتوفير ما تحتاجه من مياه، وهو مبلغ ضخم قياساً بالمداخيل.

يقول الصحافي عبد القادر باكاش المقيم في بورتسودان لـ"العربي الجديد" إنّ "المياه المتوفرة في المدينة مالحة جداً ويُقال إنّها تحوي جرثومة تتسبّب في أمراض عدّة"، مشيراً إلى أنّ "75 في المائة من سكان المدينة لا تصلهم شبكات المياه التي تأتي من خور أربعات الذي يبعد 40 كيلومتراً عن بورتسودان". وهذا الوضع، بحسب باكاش، أدّى إلى "هجرة نحو 60 في المائة من سكان المدينة إلى مناطق أخرى في خلال موسم الصيف، الممتد من الخامس من مايو/ أيار إلى 12 سبتمبر/ أيلول. والهجرة تكون عادة إلى مناطق في داخل ولاية البحر الأحمر أو خارجها بما في ذلك العاصمة الخرطوم".

يضيف باكاش أنّ "المشكلة ليست محصورة بالمدينة وحدها وأنّ سكان ولاية البحر الأحمر بمعظمهم يعانون من أزمة في المياه الصالحة للشرب وأنّ الجميع في انتظار حلّ نهائي يقضي بتوصيل أنابيب مياه من نهر النيل مثلما وعدت حكومات عدّة في فترات سابقة وكذلك الحكومة الحالية". ويشير إلى "مقترحات بحلول أخرى منها إنشاء محطة لتحلية مياه البحر الأحمر خصوصاً في المناطق الساحلية، على غرار ما تفعله بقية الدول المطلة على ساحل البحر الأحمر".

تفيد إحصاءات رسمية في السودان بأنّ حجم الطلب على الموارد المائية ازداد بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة وأنّ 80 في المائة من ولايات السودان تعتمد على مياه الآبار الجوفية، في حين أنّ البلاد تحتاج إلى أكثر من سبعة آلاف مشروع لتغطية احتياجات السكان.

المواشي في حاجة إلى المياه كذلك (العربي الجديد)











من جهته، يرى الأستاذ المحاضر في كلية الموارد الطبيعية والبيئية في جامعة بحري، الدكتور الصادق حقار أرباب، أنّ "حقيقة غنى البلاد بالموارد المائية توحي بعدم الاهتمام بتلك الموارد وتنميتها وتوجيهها بالشكل الصحيح واستثمارها بما يحقّق الأمن المائي المطلوب الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي". يضيف أرباب لـ"العربي الجديد" أنّ "عدم ترشيد استخدام المياه يمثّل مشكلة حقيقية سوف تكون لها آثارها المستقبلية"، مشيراً إلى "عدم وجود خارطة استثمارية للمياه على الرغم من المخاطر والمؤشّرات حول إمكانية نضوب الموارد المائية أو التأثّر سلبياً بإنشاء سدّ النهضة في إثيوبيا". ويوضح أنّ "ثمّة ممارسات تؤدّي إلى تلوّث كبير في مياه النيل، وتحديداً ما يتعلق بإنشاء مصانع بالقرب من النيل وتفريغ المخلفات الصناعية فيه من دون مراعاة لحجم الضرر الذي يمكن أن يحدث ومن دون وجود جهات رقابية ومحاسبة". ويؤكد أرباب أنّ "ثمّة مناطق كثيرة ظلت تعاني من العطش لسنوات طويلة، خصوصاً في شرق السودان وبعض أجزاء كردفان (وسط)".

في السنوات الأخيرة، راحت منظمات تطوعية اجتماعية تنشئ مشاريع للمساهمة في حلحلة مشكلة العطش، منها منظمة "سبيل الرشاد الخيرية". يقول مدير المشروعات فيها، عوض الله حمزة عباس، لـ"العربي الجديد" إنّ "المنظمة وجدت من خلال زيارات ميدانية أنّ ثمّة مناطق في ولايات النيل الأبيض والخرطوم والجزيرة وسنار ونهر النيل وغيرها تعاني بجدّ من عدم توفّر المياه النقية، الأمر الذي ألقى بظلال سلبية على حياة الناس هناك، خصوصاً في مجالَي الصحة والتعليم".

يضيف أنّ "ذلك أدّى إلى انتشار الأمراض"، لافتاً إلى أنّ "منظمتنا نجحت بمساعدة أهل الخير في حفر ستّة آلاف بئر و260 بئراً إرتوازياً وعشرات الحفائر، ما أدّى إلى استقرار صحّي وتعليمي. ففي بعض المناطق، كان الفتيان يُمنعون من الدراسة حتى يتفرّغوا لجلب المياه لأسرهم". ويتحدّث عباس عن "مشكلات تواجه المنظمات العاملة في المجال مثل عدم توفّر دراسات جيوفيزيائية تحدّد صلاحية الأرض لحفر آبار أو حفائر، بالإضافة إلى مشكلة الصيانة لافتقار الأهالي للخبرة، فضلاً عن مشكلات في الشبكات الداخلية".

في السياق، يقول المتحدّث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية والري والكهرباء، إبراهيم يس شقلاوي، إنّ "الوزارة منذ عام 2007 تحاول محاربة العطش في الريف عبر برنامج حصاد المياه الذي يهدف إلى تخزين مياه الأمطار الموسمية في المناطق الجافة والاستفادة منها في فصل الصيف"، كاشفاً عن "إنشاء 40 سداً في ولايات السودان المتأثرة بالجفاف و1800 بئر الى جانب 1200 حفير، وذلك بغرض توفير مياه للإنسان والحيوان". يضيف شقلاوي لـ"العربي الجديد" أنّ "خطة الوزارة تأتي التزاماً بما أعلنته الأمم المتحدة لمحاربة العطش في أفريقيا، والتي وعدت بأن تكون أقصى نقطة للمياه لأيّ مواطن لا يتجاوز بعدها 500 متر". ويوضح شقلاوي أنّه "بعد برامج حصاد المياه، أعلنت الدولة عن تنفيذ برنامج آخر هو زيرو عطش، مع خطة لإنشاء 7500 مشروع حتى عام 2020".




وحول مشكلات المدن الكبيرة مثل بورتسودان، يقول شقلاوي إنّ "ثمّة خطة خاصة لهذه المدينة تقضي بزيادة عدد السدود وتقليل الإطماء في خور أربعات"، مشيراً إلى أنّه "في دارفور، غربيّ البلاد، أنشئت مشروعات أخرى مثل سدّ وادي أبو جداد وسدّ شوكيلة إلى جانب أخرى، وقد ساهمت تلك المشروعات في عودة النازحين، بالتالي قلّلت النزاعات في الإقليم بالإضافة إلى ما حققته من استقرار في مجالات التعليم والصحة والأنشطة التجارية والزراعية".
المساهمون