الحرية حلم لم يتحقق بعد في الشمال السوري

21 مارس 2019
هل ينتقدون القوى المسيطرة في أحاديثهم؟(عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

الحرية التي سعى شعب سورية إليها في ثورته قبل ثماني سنوات، لم تتحقق، وتبدو بعيدة المنال في ظل سطوة البندقية؛ سواء أكانت نظامية أم إسلامية أم معارضة. شمال سورية ليس استثناء.

في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، يشكل الحديث عن الحريات العامة والخاصة، قلقاً لدى الناس، كأنّهم ثاروا على النظام لينالوا هذه الحريات لكنّ شيئاً منها لم يتحقق بعد. الذين يتحدثون إلى "العربي الجديد" يتخوفون بمعظمهم من ذكر اسمهم الكامل حتى. من هؤلاء أبو أحمد، النازح من الجنوب إلى شمال حلب، الذي يقول: "واقع الحريات متفاوت تبعاً لانتشار الفصائل أو سياسة المجالس المحلية، فعلى سبيل المثال، تشهد عفرين انتهاكات كثيرة وخطفاً واعتقالات تعسفية مستمرة، بينما الوضع أقل سوءاً على المستوى الأمني في مدينة الباب، وفي المقابل، فإنّ أيّ نشاط سياسي أو تعبير عن الرأي أو عمل مدني فيها مرهون بموافقة الأتراك". يذكر أنّ "ترخيص العمل والموافقة عليه محصوران بالمستشار التركي، وهو أمر صعب جداً، إذ هناك قيود صارمة، فإذا كانت النشاطات الإغاثية مرهونة بترخيص عمل ورقابة مباشرة، ما بالك بمجالات العمل الاجتماعي أو المدني الأخرى؟ الترخيص يتطلب دراسة أمنية، وغالباً ما يمضي وقت طويل جداً، قبل البتّ بأمره، وربما بعد كلّ هذا الانتظار يكون الرفض هو الجواب".

يضيف أبو أحمد: "قبل عدة أيام خرجت تظاهرة احتجاجاً على السياسة التركية الخاصة بالمعبر، وتحديداً دخول الشاحنات التركية إلى الأراضي السورية، ما أثر بشكل كبير على سائقي الشاحنات السوريين. قابل التظاهرة انتشار للشرطة المحلية التي فضّتها في نهاية الأمر بالقوة، واعتقلت عدة أشخاص من بينهم إعلاميون". يعتبر أنّ "هامش الحريات ضئيل، عموماً، بالنظر إلى نفوذ العسكر والمؤسسات المدنية المرتبطة بهم".




التضييق على الحريات يطاول الحريات الشخصية، إذ يتابع أبو أحمد: "في منطقة الباب مثلاً، لا أظن أنّ هناك امرأة غير محجبة، وإذا أردت أن تفتح مدرسة موسيقى أو تنظم حفلة موسيقية هادفة في مكان عام، يمكن أن تواجه رفضاً وتهديدات، على العكس من الأعراس، فهي مقبولة". على الصعيد الشخصي، لا يعتقد أبو أحمد أنّه يمتلك قدراً كافياً من الحرية، مستشهدا بقوله: "يجب عليّ دائماً تفادي الإجابة عن أسئلة حساسة تتعلق بموقفي السياسي مما يحصل في المنطقة التي أعيش فيها. لا يمكنني مثلاً تقديم شكوى تتعلق بالخدمات ضد كيان أو مؤسسة بسيطة تابعة للمجلس المحلي. مثل هذا عرضني لكثير من الأضرار المباشرة مادياً ومعنوياً، وأفضّل عدم ذكر ذلك، خوفاً على نفسي وعلى عائلتي". يتابع: "وجودي في هذه المنطقة محكوم بالضرورة، فلو كانت هناك بدائل لغادرت فوراً. هنا عليك التعايش مع كمّ هائل من الفساد والتقصير وغياب الخدمات، وفي الوقت نفسه أنت ممنوع من التعبير عن آرائك أو حتى تقديم شكوى".

من جهته، يعتبر ابن إدلب، طارق الإدلبي، في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ "مفهوم الحريات يختلف عموماً من منطقة إلى أخرى. كثيرون يتحدثون عن أمور في العلن ويهاجمون أحياناً الجهات المسيطرة، لكن يجري إهمال كلامهم كونهم غير مؤثرين في مجتمعهم المحلي. لكن، عندما تتحدث شخصيات لها ثقلها في المنطقة، فمن المحتمل عند مساسها بقوى مسيطرة، أن تتعرض بنسبة كبيرة إلى التضييق". يضيف: "في الواقع، ينطبق هذا على حالات أشمل، فعندما يتحدث المجتمع أو شريحة كبيرة منه عن إحدى القضايا فمن الممكن أن تتجاوب السلطات المحلية معهم خوفاً من التذمر، أو على العكس يجري إهمالهم والترويج لواقع مخالف عما يتذمرون منه".

يلفت الإدلبي إلى أنّ "العمل السياسي أو المدني حالياً في المنطقة يعتمد على التجاذبات والتوجهات الداعمة له، فالعديد من الطروحات السياسية أو الاجتماعية قد يجري إيقافها أو التضييق عليها لوقوعها خارج مقاربة الوضع الحالي من السيطرة أو التوجه العام، مع التغاضي دائماً عن بعض الحالات لأهداف مختلفة منها تخفيف الاحتقان". يوضح أنّ "انتهاك الحريات، لا يمكن حصره أو الإعلان عنه، فكثيرون يعتمدون مبدأ الكتمان بسبب هاجس الخوف لديهم، إذ يعتبر بعضهم أنّ المشكلة قد حدثت ولا داعي لتكبير الفقاعة، التي من الممكن أن تؤثر سلباً على الشخص نفسه". ويتابع: "في النهاية، لا داعي لأن أذكر أنّ سورية تحتل المرتبة ما قبل الأخيرة عالمياً في حرية الرأي، وما ينطبق على منطقة، ينطبق حكماً على المناطق الأخرى".



أمّا أبو هلال الحلبي، من ريف حلب، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "الحرية حلم لنا، لكن، في الواقع لا أحد يستطيع انتقاد الفصائل المسلحة أو المجالس المحلية المدعومة من الفصائل بشكل واضح. إذا فعل، فسيعرض نفسه للخطر، في الغالب". يعتبر أن "لا قيمة لرأي الناس، ففي النهاية ليسوا هم من وضعوهم في مناصبهم، بل السلاح يفرضهم. مسألة الانتقاد ملغاة من أجنداتهم". يلفت إلى أنّ "حتى القضاء في المنطقة لا يستطيع أن يحمي المدنيين ويضمن حقوقهم". ويقول إنّ "المجالس ومن يدعمها، تحارب - وإن بشكل غير علني - أي تجمعات أو تشكيلات لقوى جديدة، بدءاً من عدم منحها الترخيص. وذلك، لكي تبقى القوى المسيطرة وحدها من دون أن تنازعها قوى أخرى سلطتها". يستغرب السؤال عن الحريات في مناطق القصف، مثل ريفي إدلب وحماة، ومخيمات النزوح، إذ تغيب هذه المسألة تماماً عن تفكير عشرات آلاف السوريين، المشغولين بتأمين مأوى لهم، والقليل من الطعام لسدّ جوعهم.