عنف العراق يكسر أحلام النساء

17 مارس 2019
نشاط مماثل بات شبه مستحيل (حيدر حمداني/ فرانس برس)
+ الخط -


عراقيون كثر لم يعرفوا العيش الهانئ في بلادهم منذ الاحتلال الأميركي للبلاد في عام 2003، فالمخاطر صارت تتزايد

على خلفيّة حوادث الخطف والقتل التي انتشرت في العراق، راح مواطنون كثر يلجؤون إلى وسائل مختلفة في محاولتهم لحماية أنفسهم وعائلاتهم. ولأنّ الخوف على النساء أكبر ممّا هو في ما يخصّ الرجال، صارت العائلات تُحكم الخناق على بناتها بحجّة حمايتهنّ. وثمّة نساء معرّضات أكثر من سواهنّ للخطر، بسبب أعمالهنّ ومهنهنّ، فنذكر العاملات في مجال الطب وكذلك الصيدلة بالإضافة إلى الفنون من قبيل التمثيل والغناء والعزف الموسيقي والفنون التشكيلية إلى جانب الإعلام وعالم الأزياء والتجميل.

في عام 2002، ظنّت ريتا عبد الرحمن أنّها بدأت تحقق حلمها بالتمثيل بعد نيلها دوراً بسيطاً في مسرحية، إلى جانب فنانين وفنانات اعتادت مشاهدتهم على الشاشة الصغيرة، علماً أنّ هؤلاء أشادوا بها. حينها كانت تبلغ من العمر 11 عاماً فقط. لكنّ بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، منعها أهلها من إكمال مسيرتها والالتحاق بمعهد الفنون الجميلة، المعهد الوحيد في بغداد. تخبر ريتا "العربي الجديد" أنّ "والدي أجبرني على الالتحاق بمدرسة إعدادية قريبة من بيتنا لسببَين، الأوّل أنّ معهد الفنون الجميلة يقع في حيّ آخر بعيد عن حيّنا بينما الأمن غير مستقر في بغداد، والثاني أنّ ثمّة فنّانات تلقّينَ تهديدات بالقتل من قبل جهات متشددة في حال لم يعتزلنَ الفنّ. ومثل تلك التهديدات وُجّهت كذلك إلى فنانين ذكور". تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة فنانين عراقيين مشهورين ما زالوا في خارج البلاد، وقد أكّدوا في خلال مقابلات إعلامية محلية أنّ التهديدات التي تلقّوها هي التي تبقيهم بعيدين عن الوطن.



من جهته، لا يخفي خليل حسين أساه عندما يتحدّث عن ابنته ميساء التي أجبرها على التخلّي عمّا تحبّ. هي كانت تنوي دراسة الموسيقى لكنّها تحوّلت إلى كلية اللغات، وانتهى بها الأمر مدرّسة لغة إنكليزية. يُذكر أن حسين خبير في المقام العراقي، وكان يحيي مناسبات خاصة في هذا السياق، في حين أنّ كثيرين تتلمذوا على يدَيه من بينهم منشدون دينيون. يقول حسين لـ"العربي الجديد" إنّه "في عام 2006، صرت أخشى حمل آلة العود وأنا أقصد جلسة معتادة مع رفاقي لنرفّه عن أنفسنا. حينذاك كان المتشددون قد صنّفوا الموسيقى من المحرّمات، وكان من الممكن أن يُقتل الناس بسببها". يضيف: "وأخبرت ابنتي عندما أنهت دراستها الثانوية بأنّ من الصعب دخولها إلى كلية الفنون الجميلة. كثيرون من الشبان كانوا قد تركوا أحلامهم جانباً، حفاظاً على أرواحهم. بالتالي، لم يكن أمامها سوى الرضوخ إلى الأمر الواقع، وتخلّت عن حلمها". ويشير إلى أنّها "ملمّة بشكل كبير بالموسيقى وقد أعدّت بحوثاً في المجال وكانت تنوي تأليف كتب حول الموسيقى الشرقية والمقام العراقي بعد نيلها شهادة الدكتوراه في الموسيقى، لكنّ العنف قضى على كل شيء في بلادنا".

الصحافيون كذلك كانت لهم حصّة كبيرة من المخاطر، وقد أفادت نقابة الصحافيين العراقيين في أواخر العام الماضي، بأنّ 500 صحافي وإعلامي ومساعد فني وتقني وإداري عملوا لحساب وسائل إعلام منذ عام 2003، منهم من قُتل ومنهم من عُذّب ومنهم من تعرّض لانتهاكات من دون التوصّل إلى كشف مرتكبي أي من تلك الجرائم حتى الآن. وهذا ما دفع شباناً وشاباتٍ يطمحون للعمل في الإعلام، إلى تغيير وجهتهم لضمان سلامتهم. من بين هؤلاء نور الربيعي التي شقّت طريقها المهني بعيداً جداً عن تخصصها الأكاديمي.



تقول نور لـ"العربي الجديد" إنّها كانت في المرحلة الأخيرة من دراستها في كليّة الإعلام في عام 2008، "وقد أجبرتني عائلتي على عدم الارتباط بأيّ عمل في الصحافة بعد تخرّجي. فقد كان الصحافيون يتعرضون باستمرار لمخاطر مختلفة". تضيف أنّ "العمل الصحافي الحقيقي معروف بصعوبته وهو غير مرتبط بدوام محدد. ويتوجّب على العامل في هذا المجال أن يكون دائماً متهيئاً لحضور مؤتمرات وندوات ولقاءات، الأمر الذي يتطلب التحرّك الدائم والتنقل"، لافتة إلى أنّها كانت متشوّقة لكل التحديات مع زميلاتها، ورحنَ ينتظرنَ تخرّجهنّ.

وتؤكد نور: "أن تُنشر أسماؤنا مرفقة بأخبار بارزة على صفحات الجرائد الأولى، هذا هو الحلم. هو حلم كبير... جميل". وتردف: "لكنّ حلمي لم يتحقق وكذلك أحلام زميلاتي بمعظمهنّ. خمس زميلات فقط من بيننا عملنَ في مجال الصحافة من بين عشرات أخريات. الخوف من كل تلك المخاطر التي تستهدف الصحافيين هو ما أجبرنا على الابتعاد عن مهنة المتاعب الجميلة".
المساهمون