رفضت جماعة دينية ترعى الأطفال تسليم بعضهم ممن شملهم حكم قضائي بالحماية، ما أشعل جدالاً في لبنان ما زال مستمراً
استمر الجدال في لبنان حول توقيف راهبتين في الجماعة الرهبانية المارونية "رسالة حياة" في لبنان يوم الجمعة الماضي، بعد رفضها التنفيذ الكامل لقرار قضائي بتسليم خمسة أطفال ومن بينهم رضيعان، إلى القضاء بهدف حمايتهم، فقد سلمت الجماعة ثلاثة أولاد وامتنعت عن تسليم الرضيعين باعتبارهما خاضعين لقرار وحكم كنسيين.
بعض المعلومات أشارت إلى "تعرّض هؤلاء الأطفال للتحرّش والاعتداء الجنسي ومشاهدة الأفلام الإباحية، واحتمال أن تكون رسالة حياة قد أقدمت على الاتجار بالرضيعين عن طريق بيعهما". وهو ما أشعل موجة غضبٍ عارمة، في حين نفت الجماعة ذلك نفياً قاطعاً، مؤكدة "وجود الرضيعين لديها في الدير" من دون أن يتطرّق المتحدّثون في مؤتمرها الصحافي ظهر الأحد إلى مصيرهما، ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه: "أين الرضيعان؟".
وكان البطريرك الماروني بشارة الراعي قد علّق على القضية خلال قداس الأحد، مؤكّداً أنّ "أكثر ما تُعنى به الكنيسة كأم حماية القاصرين من التحرش الجنسي والاتجار بهم". وقال: "إنّ ما سمعناه بالأمس ولأول مرة من تحرش وتعنيف في جمعية رسالة حياة، صاحبة الوصاية على الأحداث واللقطاء، لم نكن شخصياً على علم به. لذلك، أنشأنا على الفور لجنة تحقيق، كما توجب القوانين الكنسية. لكنّنا نطالب بالاحترام المتبادل لصلاحيات كلّ من القضاء العدلي والقضاء الكنسي".
وفي مؤتمر صحافي، طالب النائب البطريركي العام، المطران حنا علوان بـ"محاربة الفساد في القضاء والإعلام". وقال: "الكنيسة لا تحمي أحداً، ونطالب بالتوسع في التحقيق ولتظهر الحقيقة لأنّنا لا نخاف منها". بدوره، لفت المؤسّس للجماعة، الأب العام وسام معلوف أنّ "الحكم القضائي لم يأتِ على ذكر عملية الاتجار بالأولاد، لأنّنا نعمل مجاناً ولا نتقاضى أيّ أجر مقابل رسالتنا". وقال: "الملف فارغ ولم يجرِ استدعاء غير الأولاد، وصدر الحكم من 34 صفحة غيابية. كيف ينشر هذا الحكم ونحن لا نملكه؟". وعن "بثّ الأفلام الإباحية" قال: "ما حصل أنّ شخصاً أخذ هاتفاً من أحد القاصرين وشاهد فيلماً إباحياً بنفسه". وأوضح أنّ فضيحة الطعام الفاسد التي أُثيرت ضمن الملف "تتعلّق بعبوة كاتشاب" سائلاً: "هل يعقل أنّ نقدّم طعاماً فاسداً خلال 20 عاماً من دون أن يتأذى أي من الأطفال؟". وتلا المحامي ميشال حنوش، كلمة أيضاً أدان فيها "الاتهامات والافتراءات التي طاولت الجماعة".
وكانت بعض وسائل الإعلام قد نشرت قرار قاضية الأحداث كاملًا، والذي صدر بتاريخ 6 -12 -2019، وتبينت فيه "تفاصيل ووقائع صادمة عن عمليات تحرّش واعتداء جنسي تعرّض لها الأطفال هناك" وفق هذه الوسائل. وورد في حيثيات القرار القضائي "اعتبار كلّ من المطلوب حمايتهم الموجودين حالياً في جماعة رسالة حياة، معرضين للخطر من قبل الجمعية، عملاً بأحكام المادة 25 من القانون رقم 2002/422".
بدورها، قالت مسؤولة الإعلام والإعلان لدى جماعة "رسالة حياة" الأخت جويا صوما، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الضجّة التي أُثيرت حول القضية ترتبط بملفٍ للتبنّي نواجهه منذ عامٍ تقريباً مع قاضية الأحداث جويل أبو حيدر، التي تحاول فرض عائلة محدّدة لتتبنّى طفلاً من الطفلين الرضيعين، علماً أنّ هذه العائلة التي تحاول فرضها ليست ضمن العائلات المسجّلة لدينا ولا من تلك التي أجرينا عليها دراسات تقييم، وهذا ما يطرح علامات استفهام". وأكّدت أنّ "الجماعة تعمل وفق آلية نزيهة وشفافة، فنحن لم نساوم يوماً على أيّ طفل. ليقدّموا لنا ملفاً واحداً يرتبط بالاتجار بالأطفال. كلّها افتراءات وأكاذيب" داعيةً إلى أن "يأخذ القضاء مجراه لكن بالطرق السليمة". وتساءلت صوما: "لمَ لم تأتِ بعد القوى الأمنية ومندوبو الأحداث للتأكد من وجود الطفلين الرضيعين، لا سيّما أنّ إطلاق سراح الراهبتين الموقوفتين كان مرتبطاً بهذا البند". وشدّدت على أنّ "الرضيعين موجودان لكنّنا لم نسلّمهما كالأولاد الثلاثة، لأنّ هناك قراراً وحُكماً كنسياً نلتزم به، كما أنّنا نتمتّع بحق التبنّي".
من جهتها، أكّدت رئيسة "اتحاد حماية الأحداث في لبنان" أميرة سكّر، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الموضوع ليس كما صُوّر للبعض بأنّ هناك مشكلة شخصية مع "رسالة حياة"، إنّما كلّ ما في الأمر أنّه وصلنا إخبار مرفق بمعلومات محدّدة وطُلب منّا التحقق منها، إذ رفعنا تقريراً مفصّلاً إلى قاضية الأحداث التي اتّخذت إجراءً يقضي بضرورة نقل خمسة أولاد بينهم الطفلان الرضيعان. وقد بات التقرير بعهدة النيابة العامة التمييزية ولا صلاحيات لنا بذكر محتواه، غير أنّ التحقيقات اللاحقة ستكشف الحقائق".
ولفتت إلى أنّ "ما نشهده اليوم هو خلاف بين محكمة دينية وأخرى مدنية، علماً أنّ الاجتهادات في القانون اللبناني تنصّ على أنّ "قضاء الأحداث يعلو فوق أيّ قضاء أحوال شخصية وأيّ محكمة أخرى في لبنان"، وذلك حرصاً على مصلحة القاصر وضمان عدم تعرّضه للخطر". وكشفت سكّر أنّ "الاتحاد يعمل على هذا الملف منذ فترة، وهو لا يقتصر فقط على الأولاد الخمسة، إذ تأكّدنا من وقائع معيّنة خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، ما دفع بنا إلى نقل عددٍ من الأطفال من الدير نفسه إلى مراكز رعاية أخرى بناءً على تحقيقات اجتماعية مع الأطفال ارتأت على ضوئها قاضية الأحداث نقلهم، حماية لهم". وأضافت: "أمّا ما حُكي عن عملية بيع الطفلين الرضيعين من قبل الدير، فهذا موضوع لا أستطيع أن أجزم به أبداً، إنّما النيابة العامة التمييزية هي من تحسم هذه المسألة، لكنّنا لم نتسلم الرضيعين ولم يُسمح لنا برؤيتهما ما أثار الريبة والقلق، علماً أنّ أيّ رضيع أو قاصر نفتح له ملف حماية لا يمكن أن يفتح له أيّ ملف تبنٍّ على الإطلاق، وهم في حوزتهم رضّع لهم ملفات حماية لدينا، ما يعني أنّ قاضية الأحداث هي الوصية عليهم، كما أنّ تقييم العائلات البديلة التي يمكنها رعاية هؤلاء الرضّع والأولاد يجب أن يتمّ من قبل قضاء الأحداث فقط لا غير".
كذلك، شدّدت المحامية ديالا شحادة على أنّ "المحاكم الدينية في لبنان لها حصراً صلاحية النظر في عقود الزواج المبرمة أمامها وما ينشأ عنها من خلافات كالطلاق والحضانة والنفقة، أمّا الجرائم التي تمسّ الأفراد أيّاً كان الشخص المسبّب لها، فيعود اختصاصها دوماً إلى المحاكم العدلية لأنّها تتعلّق بالحق العام"، مشيرةً إلى أنّ "جريمة الزنا يعود النظر فيها إلى المحاكم العدلية، كما هي حال قضايا تعنيف النساء". وأضافت لـ"العربي الجديد": "هذان الرضيعان اللذان تمّ الامتناع عن تسليمهما هما مجهولا الأبوين كما يُقال، ما يعني أنّه يُطبّق عليهما قانون العقوبات اللبناني. كذلك، فإنّ أيّ طفل حتى معروف الأبوين، من حق القضاء العدلي التدخل عند وقوع الأذى البدني أو النفسي في حقه، كما أنّ أي شخص في منصبٍ ديني، لا يمتلك أي حصانة أمام قانون العقوبات". وحول مصير الرضيعين، قالت شحادة: "لا يحق لجماعة رسالة حياة أن تمتنع عن تسليمهما، فهي ليست الوصيّة عليهما، إنّما تمّ إيداع الطفلين لديها بموجب قرار قضائي"، منبّهةً إلى أنّه "في حال استمرّت الجماعة بالامتناع عن تسليمهما ولم تفصح كذلك عن مكان وجودهما، فهذا الفعل قد يرقى إلى جريمة الإخفاء القسري".