تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في مؤتمر الدوحة

07 ديسمبر 2019
من كلمة الشيخة موزا في افتتاح المؤتمر (مؤسسة قطر)
+ الخط -
دعت الشيخة موزا بنت ناصر، مؤسِسة المؤسسة القطرية للعمل الاجتماعي، إلى ضرورة الاستثمار في الأشخاص ذوي الإعاقة لتمكينهم من أداء دورهم التنموي في المجتمع، وأكدت على التعاون لابتكار آليات قادرة على وقف الهدرِ الناجم عن غياب الاستثمار في الأشخاص ذوي الإعاقة، وعدم تمكينهم من أداء دورِهم التنموي، وذلك من خلال التوظيف المهني لهذه الأعداد الكبيرة من المهمشين ذوي المواهب.

وافتتحت الشيخة موزا بنت ناصر، السبت، مؤتمر الدوحة الدولي للإعاقة والتنمية، والذي يقام تحت عنوان "حتى لا يُترك أحد خلف الركب"، بمركز قطر الوطني للمؤتمرات، ويختتم الأحد، بمشاركة نحو 1500 شخص من صنّاع القرار والأكاديميين والخبراء المختصين من قطر والعالم. ودعت في كلمتها إلى إعادة تعريف الإعاقة ومعالجة التمييز بين شخص وآخر على أساس الإعاقة بمفهومها المغلوط، وأكدت أنّ المفاهيم تتأسس على الإعاقة الظاهرة وتتجاهل الإعاقة الخفية، متسائلة: "ألا يعاني الأمّي من إعاقة تعليمية؟ أليس الجهل إعاقة معرفية؟ أليست هناك إعاقة سياسية؟ أليس الاعتداء على الغير إعاقة أخلاقية؟". أضافت الشيخة موزا بنت ناصر أنّه عندما ننظر إلى حصة الدول النامية من الأشخاص ذوي الإعاقة والتي تزيد على 80 في المائة من إجمالي عددهم في العالم، تتضّح حقيقة أنَّ نسبة الإعاقة تمثل معياراً لتقدم الدول، وقد بات واضحاً: حيثما يتراجع التقدّم والتحضّرُ والاستقرار تزداد نسبة الإعاقة، مشيرة إلى أنّه على المستوى العربي، هناك أربعون مليوناً من الأشخاص ذوي الإعاقة، أكثر من نصفهم من الأطفال والمراهقين، أدّت الحروب والنزاعات، إلى تزايد كبيرٍ في أعدادهم، كما يحدث في العراق منذ عام 1980 وسورية وليبيا واليمن منذ 2011.




وقالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، في كلمة خلال الافتتاح، إنّ الوصمة الملتصقة بالأشخاص ذوي الإعاقة، تتزايد في كلّ بقاع العالم، وتقترن هذه الوصمة بسوء فهم حقوقهم وقيمة الإسهامات التي يقدمونها لمجتمعاتهم. وحثت الدول على بذل مزيد من الجهود لتحسين البيانات المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة للاسترشاد بها في الخطط الوطنية الرامية إلى دمجهم مجتمعياً. وشددت على ضرورة أن تكون قضية دمج الأشخاص ذوي الإعاقة من ضمن أولويات الميزانيات الوطنية، ودعت إلى دعم الأشخاص ذوي الإعاقة في الصراعات والحالات الإنسانية.

وقالت الرئيسة التنفيذية للمؤسسة القطرية للعمل الاجتماعي، آمال المناعي، في تصريح صحافي، إنّ المؤتمر يسعى إلى صنع فارق إيجابي وأثر مستدام في حياة ما يقارب مليار ونصف مليار من الأشخاص ذوي الإعاقة من سكان العالم، وذلك عبر إحداث تغيير جذري في خطط التنمية والتشريعات والقوانين بما يصب في صالحهم، مشيرة إلى أنّ المؤتمر يمثل منصة عالمية لحشد التأييد الدولي لهذه القضية وتوفير خدمات تعليمية وصحية وفرص عمل مناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة تصون كرامتهم وتحترم مكانتهم.

جانب من الحضور الرسمي في المؤتمر (العربي الجديد) 












بدوره، قال المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان في المنطقة العربية، لؤي شبانة، لـ"العربي الجديد"، إنّ الإعاقة في المنطقة العربية مشكلة ذات ثلاثة أبعاد، الأول سياساتي وخدماتي، فالدول غير جاهزة، والخدمات التي تقدمها الحكومات والمؤسسات والقطاع الخاص لا تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، وهذا يشكل عائقا أساسيا أمام أي شخص ذي إعاقة ليحقق ذاته. أما البعد الثاني فيتعلق بمدى توفر المعلومات والدراسات والبيانات التي تبين ما هو مخفي، فالمعاناة الصامتة للأشخاص ذوي الإعاقة في الوطن العربي شديدة. والبعد الثالث هو السجون المتعددة، فالشخص ذو الإعاقة موجود في مجموعة سجون، وكلّ منها أكبر من غيره؛ السجن الأول أنّه لاجئ، والسجن الثاني أنّه ذو إعاقة، والثالث أنّه يعيش في دولة فقيرة، والرابع دولة لها أوضاع إنسانية، وبالتالي فالمعلومات المتوفرة تعتبره شخصاً ذا إعاقة فحسب، بينما هو في الواقع هو لاجئ وإنسان غير قادر على الوصول إلى حقوقه الأساسية. وأضاف شبانة: "الأهم غياب النموذج الحقوقي في التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، فالمتوفر هي الحاجات الأساسية كالتعليم الخاص، الذي يعزل الأشخاص ذوي الإعاقة، ما يزيد من المعاناة والإحباط، لأنّ الأساس الاندماج الكامل".

وحول المطلوب من الحكومات حتى تحقق العدالة، يوضح شبانة، أنّ على الحكومات إدراك أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة مساهمون أساسيون في عمل المجتمع، فبحسب دراسة لمنظمة العمل الدولية، فإنّ الدول العربية تخسر نحو 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعدم الاستفادة من الأشخاص ذوي الإعاقة، فمثلاً، بدلاً من إنشاء مدرسة عازلة، لماذا لا تستقبل كلّ المدارس الأشخاص ذوي الإعاقة؟ وتابع أنّ المطلوب وضع استثمارات كافية للأشخاص ذوي الإعاقة، ولا يكفي أن تقرر الحكومات نسبة 5 في المائة من الوظائف للأشخاص ذوي الإعاقة وهي نسبة تنخفض عند التنفيذ إلى 3 في المائة، وعلى أرض الواقع تتدنى إلى 1 في المائة، وبالتالي على الحكومات وضع استثمارات حقيقية فعلية للأشخاص ذوي الإعاقة.

الشيخة موزا مع فتاة ذات إعاقة مشاركة في المؤتمر (مؤسسة قطر)












واعتبرت ‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في الكويت، إيمان عريقات، لـ"العربي الجديد" أنّ المؤتمر جاذب لكلّ الفئات المعنية، ومهم لأنّه يتحدث بصوت مليار ونصف مليار شخص من الأشخاص ذوي الإعاقة، مشيرة إلى أنّ البيئة هي المعيقة وليس الأشخاص ذوي الإعاقة. وأشارت إلى أنّ أكبر تحدٍّ هو دمج هؤلاء حتى يكونوا فاعلين بشكل كامل، من دون الشعور بالتمييز ضدهم أو الشفقة عليهم، فتوفير البيئة الداعمة للاندماج أكبر التحديات التي تواجه هذه الفئة، وكذلك محاربة النظرة النمطية إليهم باعتبارهم مساكين محتاجين دائماً إلى مساعدة.

كذلك، قال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أحمد بن محمد المريخي، لـ"العربي الجديد" إنّ قطر سبّاقة إلى استضافة المؤتمرات المميزة، ومنها هذا المؤتمر الهام الذي له دلالة على الشراكة الحقيقية بين دولة قطر ومنظمات الأمم المتحدة المختلفة، خصوصاً أنّ الدوحة تستعد لافتتاح مكاتب للمنظمات الإنسانية. أما أبرز التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة فأكد المريخي أنّها كثيرة، وأهمها غياب القوانين التي تفتح الباب أمامهم لمزيد من العطاء، وللاستفادة منهم وتوظيفهم وتوفير الأماكن المناسبة لهم في المرافق العامة، لدمجهم في المجتمع وعدم إشعارهم بأنّهم مختلفون عن البيئة والمجتمع.

ألقى المؤتمر الضوء على عدد من قصص النجاح الشخصية لأشخاص ذوي إعاقة من داخل قطر وخارجها، وقد رويت هذه القصص على لسان أبطالها لتؤكد قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على التفوق والنجاح واستحقاقهم الحصول على المساواة الكاملة في المجالات كافة، أسوة بغيرهم، وهي القناعة التي يؤمن بها المؤتمر ويهدف إلى نشرها وترسيخها.

من المعرض المرافق للمؤتمر (العربي الجديد) 












وكانت من أبرز نماذج الأشخاص ذوي الإعاقة التي شاركت في المؤتمر، خلود أبو شريدة، التي سردت قصة نجاحها في التعليم، وكيف تغلبت على جميع العوائق التي واجهتها بالرغم من إعاقتها البصرية الكاملة منذ ولادتها، فاستطاعت الحصول على درجة الماجستير والحصول على عمل والتقدم حالياً لنيل درجة الدكتوراه. وهناك إدوارد ندوبو، الذي قيل عنه إنّه سيموت قبل أن يصل إلى الخامسة من عمره، لكنّه تحدى الواقع وأصبح واحداً من أكثر الشباب تأثيراً على مستوى العالم وواحداً من سفراء الأمم المتحدة الداعمين لأهداف التنمية المستدامة. وكذلك، منيبة مزاري التي يسمونها "المرأة الحديدية" في بلادها باكستان، بسبب كثرة المعادن في جسدها لتثبيت عظامها، وهي الآن رسامة ومغنية وناشطة حقوقية.

وشهد اليوم الأول من المؤتمر انعقاد جلسة عامة وجلستين رئيسيتين وأربع جلسات موازية، وتناولت الجلسات ضرورة الالتزام السياسي للدول بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال دفع القادة العالميين لإطلاق تعهدات عالية المستوى تلزمهم بدعم حقوقهم. كذلك، ناقشت الجلسات آلية فتح مسارات للعمل يمكنها أن تربط بين اتفاقية الأمم المتحدة للأشخاص ذوي الإعاقة وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وتحقيق الاستفادة القصوى من الاتفاقيات الأممية.




ويُقام على هامش المؤتمر، معرض بعنوان "إنجازات رغم التحديات" يلقي الضوء على إنجازات الأشخاص ذوي الإعاقة بالإضافة إلى عرض عدد من المبادرات المحلية والمشروعات والتقنيات المساعدة في هذا المجال.
دلالات