يتعرّض الأطفال الذين يشكون من صعوبات واضطرابات في التعلّم إلى تحامل في أحيان كثيرة، ويوصفون بأنّهم "كسالى" و"أغبياء". وهذه الحال في تونس كما في غيرها من البلدان
يعاني ما بين 10 و12 في المائة من الأطفال في تونس صعوبات واضطرابات في التعلّم، وهي نسبة لا يمكن غض النظر عنها. ولأنّ عدد هؤلاء الصغار في تزايد مستمرّ، فقد ارتأى المعنيون ضرورة إيلائهم اهتماماً كافياً والتوعية حول المشاكل التي يواجهونها. رتاج من هؤلاء الأطفال، وهي تبلغ من العمر 10 أعوام وتتابع تعليمها بصعوبة في الصف الخامس الابتدائي، بحسب ما تخبر والدتها منى "العربي الجديد". وتشكو الوالدة من "وضع صغيرتي التي تحاول متابعة ما يُكتب على السبورة من دون أن تتمكّن من التمييز بين الحروف عند نسخها على كرّاسها".
يقول المتخصص في علم النفس ورئيس الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلّم، محمد السندي، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا بدّ من التمييز أوّلاً ما بين صعوبات التعلّم واضطرابات التعلّم، فأسباب اضطرابات التعلّم عصابية ولها علاقة بالنموّ، فالطفل يولد بها ولا تظهر إلا في أثناء التعلّم والتركيز وإبراز المهارات. فيعاني مشكلات في الحساب والقراءة ما يؤثّر على نتائجه الدراسية وعلاقته بعائلته وبالمدرّس، لا سيّما أنّه قد يُعَدّ طفلاً كسولاً وبطيء الفهم، في حين أنّ الأمر خارج عن إرادته". يضيف أنّ "اضطرابات التعلم تعني أنّ جزءاً صغيراً من الجهاز العصبي لا يعمل بالطريقة المثلى، بالتالي يحتاج الطفل إلى عناية خاصة". أمّا صعوبات التعلم، فيوضح السندي أنّها "تختلف عن الاضطرابات، إذ إنّ الطفل يكون سويّاً ويبدأ تعليمه بطريقة عادية، لكنّ في أثناء تمدرسه يتعرّض إلى مشكلة نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية تؤثّر على تعلّمه. وعلى سبيل المثال، اضطراره إلى تغيير المدرسة أو السكن أو السفر المفاجئ أو فقدان أحد الأبوَين أو طلاقهما. من شأن تلك العوامل أن تؤثّر على نفسيّة الطفل، فيصير مهموماً ويتراجع تركيزه وانتباهه. وهذه الصعوبات التي تكون ظرفية يمكن علاجها بمجرّد التنبّه إليها، عن طريق رفع معنوياته والعمل على إعادة ثقته في نفسه".
ويشير السندي إلى أنّ "التعامل مع طفل يعاني صعوبات أو اضطرابات في التعلّم يتضمّن عادة الإهانة والشتم، من دون أيّ تدخّل عائلي أو من قبل المدرّسين لاكتشاف الخلل. هكذا، يُضاف التأخّر الدراسي إلى صعوبات أو اضطرابات التعلّم وتتراكم المشاكل النفسية ويتفاقم الفشل الدراسي. ومن شأن ذلك أن يخلق سلوكيات عدوانية تجاه الأقران والمحيط، ويُسجَّل بالتالي نفور من المدرسة والمجتمع". ويتابع السندي أنّه "لا يمكن لوم المدرّسين لأنّ الظروف التي يعملون فيها تجعلهم لا يتنبّهون للأطفال الذين يعانون صعوبات واضطرابات في التعلّم، وذلك بسبب كثافة البرامج والمواد الدراسية وأعداد التلاميذ الكبيرة في الصفوف". ويؤكّد أنّ "المدرّسين ضحايا المنظومة التربوية لأنّ البرامج المكثفة لا تستجيب لاحتياجات الطفل ولا تشجّعه على التفكير وحلّ المشكلات، بل هي تقوم على التلقين وعلى علاقة عمودية، وأحياناً على العنف والسيطرة. والمدرّسون الصالحون هم الذين يحسنون السيطرة على فصولهم".
وعن التلاميذ، يقول السندي إنّ "علاقتهم بالمواد وبالمدرسة تكون قائمة على الكره في أحيان كثيرة. كذلك فإنّ الدوام الطويل يجعل الطفل سجيناً، وبالتالي لا ينمّي مهارته الحركية ولا النفسية. لذا نجد أطفالاً يدرسون التربية المدنية من دون أن يكون سلوكهم مدنياً ويتعلّمون التربية الموسيقية من دون فنّ وبطريقة تقليدية ومنفرة". ويشدّد السندي على أنّ "العناية بالتلاميذ من ذوي الصعوبات والاضطرابات في التعلّم لا بدّ من أن تكون من ضمن مشروع وطني للإصلاح التربوي وبدعم من خبراء في علم النفس للوقوف على احتياجات الأطفال".
من جهته، يقول الطبيب المتخصّص بالأمراض النفسية والعقلية وكذلك أمراض الأطفال، وحيد قوبعة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اضطرابات التعلّم عند الأطفال تتمثل في صعوبات في الكتابة والقراءة والتذكّر والتركيز والإدراك والربط بين الحروف وبين الكلمات". يضيف أنّ "ثمّة صعوبات واضطرابات خفيفة لا تظهر في أثناء الدراسة في المرحلة الابتدائية ليتنبّه لها المعنيون في فترة المراهقة. والصعوبات والاضطرابات متوسّطة تظهر في العام الثالث الابتدائي، لأنّ التلميذ حينها يُضطر إلى الاتكال على نفسه عند قراءة النصوص. أمّا الصعوبات والاضطرابات الكبرى فتظهر منذ العام الدراسي الأوّل، ويكون الصراع أوّلاً مع الورقة والكتابة".
ويتابع قوبعة أنّ "صعوبات واضطرابات التعلّم تؤثّر على نفسية الطفل. ثمّة من يكون قادراً على تحمّل الانتقادات وثمّة من يكون حساساً لا يحتمل أيّ انتقاد لدرجة أنّ الأمر يؤدّي إلى الفشل المدرسي"، مشيراً إلى أنّ "الصعوبات والاضطرابات قد تظهر في مادة دون أخرى وفي لغة دون أخرى. ومتابعة هؤلاء الأطفال تتطلب عناية خاصة، وثمّة منشور أصدرته وزارة التربية ينصّ على ضرورة منحهم وقتاً إضافياً وقراءة النصّ لهم في الامتحان. لكنّ الأمر يتطلب في بعض الأحيان مزيداً من العناية وتكوين (تدريب) المدرّسين ليتمكّنوا من مساعدتهم". ويكمل قوبعة أنّ "هؤلاء الأطفال أذكياء وفي إمكانهم النجاح في حياتهم لو تلقّوا الاهتمام اللازم. وثمّة من يتابع دراسته الجامعية اليوم بعدما شُخّص مع صعوبات أو اضطرابات في التعلّم في الصغر، وثمّة من هو من أصحاب المشاريع الرائدة. بالتالي، لا بدّ من العناية بهم وعدم إهمالهم حتى لا يفشلوا وينقطعوا عن الدراسة ويضيّعوا مستقبلهم".
في سياق متصل، كانت المكلفة بالحالات الخاصة في وزارة التربية، إلهام بربورة، قد قالت في تصريح إعلامي سابق إنّ عدد الأطفال الذين يعانون صعوبات واضطرابات في التعلّم في تزايد مستمرّ، ولا بدّ من الاهتمام بهذه الفئة في إطار حقّ كلّ الأطفال في التعلّم مثلما نصّت على ذلك المواثيق الدولية وحتى الوطنية ولضمان تكافؤ الفرص. وأوضحت بربورة أنّ وزارة التربية وضعت برنامجاً لمتابعة هذه الحالات من خلال متخصصين في علم النفس وأقرّت إجراءات خاصة لهؤلاء الأطفال في الامتحانات، علماً أنّ المتابعة لا تكون في المدرسة فقط بل كذلك في البيت، وكلّما كان التشخيص مبكراً أتى التدخّل والعلاج بطريقة أفضل.