تحت عنوان التعدّي على "حُرمة الشوارع" في مصر، أطلق مصريون في مناطق ومدن عدّة نداءات استغاثة متكررة، وذلك بسبب تحويل طبقات أرضية في مبان كثيرة إلى مقاهٍ شعبية، نظراً إلى عوائدها الكبيرة وإيجاراتها المضاعفة. ويعمد أصحابها إلى احتلال الشوارع من اليمين واليسار بطاولات وكراسٍ، خصوصاً بعد صلاة العصر وحتى وقت متأخر من الليل، من دون أخذ الطريق العام وحركة السكان بعين الاعتبار، مع إصدار أصوات عالية تتخللها ألفاظ تخدش الحياء، من دون أن ننسى ما تصدح به مكبّرات الصوت عند عرض المباريات الرياضية.
وتلك المقاهي التي يُطلق على أصحابها "تجّار الميّة السخنة"، ليست فقط وسيلة لإقلاق راحة السكان وحرمانهم من النوم ليلاً، إنّما هي كذلك مساحة للاتجار بالمخدرات وتعاطيها وعقد صفقات بمعرفة أصحاب تلك المقاهي في مقابل بدلات مالية، بالإضافة إلى أنّها الموقع المناسب لمن يرغب في معاكسات النساء. وتعرقل تلك المقاهي حركة المرور في الشوارع التي تحتلّ أطرافها، الأمر الذي يؤدّي إلى ازدحامات مرورية، علماً أنّ الأمر يُسجَّل خصوصاً في محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية) نتيجة ارتفاع الكثافة السكانية.
تقدّم الأهالي بشكاوى على أكثر من صعيد، إلا أنّها ضاعت في مهبّ الرياح، لا سيّما أنّ أصحاب المقاهي أصرّوا على احتلال الأرصفة من دون أيّ رادع. وهو الأمر الذي دفع كثيرين إلى اتهام بعض المحليات في المحافظات وأجهزة الأمن المصرية بعدم تطبيق القانون على خلفية انتشار الرُشى. وبحسب ما يبدو، فإنّ تلك الرُشى سمحت لـ"تجّار الميّة السخنة" بالتمادي في استغلال الشوارع في الأعوام الأخيرة بشكل مبالغ فيه، مع الإشارة إلى أنّ أكثر من 90 في المائة من المقاهي غير مرخصة.
على الرغم من الانتقادات التي تلاقيها تلك المقاهي، فإنّ ثمّة من يرى فيها متنفساً للبعض، خصوصاً الشباب، في ظلّ البطالة من جهة ومن أخرى افتقار عدد من الأحياء إلى أماكن للتسلية، علماً أنّه في حال توفّرت أماكن مثل الأندية فإنّ التذاكر الخاصة بها تكون مرتفعة الثمن، والأمر نفسه ينطبق على ما تقدّمه من مشروبات، فلا تدخلها بالتالي إلا فئة محدودة من الشعب المصري. كذلك يرى آخرون أنّ هذا النوع من المقاهي يُعَدّ وسيلة للاسترزاق.
تجدر الإشارة إلى أنّ مجلس النواب المصري كان قد صادق في يوليو/ تموز الماضي على قانون المحال العامة الذي يسمح لوزير التنمية المحلية بمنع إقامة أيّ مقهى أو "كافيه" إلا بترخيص مسبق، فيما يحظر التشريع على تلك المحال تقديم "الشيشة" (النرجيلة) إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق بذلك، لقاء رسوم لا تتجاوز 10 آلاف جنيه مصري (نحو 620 دولاراً أميركياً)، على أن تذهب نسبة 10 في المائة من تلك الرسوم إلى موازنتَي وزارة الصحة والسكان ووزارة البيئة مناصفة، لكنّ القوانين معطّلة على أرض الواقع.
يكشف الدكتور سيد إمام من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية لـ"العربي الجديد" أنّ "مصالح تجّار الميّة السخنة يتجاوز عددها المليونَين، معظمها غير مرخّص ويقع في محافظات القاهرة الكبرى، فلا يخلو منها شارع أو حارة". ويؤكد أنّ "أرباح المقاهي كبيرة جداً، في حين أنّها ليست مكلفة على أصحابها، في المقابل"، شارحاً أنّ "كيلوغرام السكّر الواحد وباكو (علبة) الشاي الواحدة يكفيان لتحضير عشرات الأكواب، بخلاف المشروبات الساخنة الأخرى التي يزداد الإقبال عليها في خلال فصل الشتاء". يضيف إمام أنّ "ثمّة تمادياً كبيراً على الرغم من رقابة الجهات الحكومية على المقاهي، علماً أنّها تحت إشراف وزارات المحليات والداخلية والبيئة والصحة"، مشدداً على أنّ "تلك الجهات الحكومية لا تؤدّي دورها في مواجهة هذا الغول الذي يزداد بطريقة بشعة يومياً".
ويتابع إمام أنّ "تلك المقاهي صارت المشروع التجاري المفضّل لكلّ من لا يملك مهنة، لذا فهي تتمدّد في مصر فيما يقف أمامها المحافظون ورؤساء الأحياء عاجزين عن مواجهتها. فالباب الخلفي لفتح أيّ مقهى في أيّ منطقة من دون إذن أو تصريح، هو من خلال الإكراميات"، لافتاً إلى أنّ "آلاف البلطجية يعملون في تلك المقاهي غير المرخصة، ويتردد عليها أمثالهم الذين يرتكبون يومياً شتى أنواع الجرائم". ويكمل أنّ "أكثر الأماكن العامة ضرراً بالصحة هي تلك المقاهي، لا سيّما مع ما تسبّبه من أمراض مرتبطة بالتدخين لمرتاديها ولسواهم في الجوار. كذلك، صارت وسيلة لخراب البيوت بسبب إنفاق أرباب الأسر مالهم فيها ليلياً، الأمر الذي يؤدّي إلى نشوب خلافات عائلية تصل إلى حدّ الطلاق. وإلى جانب كلّ ذلك، هي تُعَدّ بؤراً للفوضى وترويج المخدّرات والتحرّش والإزعاج والضوضاء وإهدار الوقت، ما يؤدّي إلى إزعاج السكان الذين يقطنون في المباني نفسها، فضلاً عن سرقة الكهرباء والمياه والتهرّب الضريبي، من دون أن ننسى تسكّع التلاميذ والطلاب فيها".
من جهتها، تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتورة سامية الساعاتي لـ"العربي الجديد"، إنّ "المقاهي صارت ملاذاً للشباب والعاطلين من العمل بسبب وقت الفراغ الكبير لديهم. بالنسبة إليهم، فإنّ الجلوس في تلك الأماكن وسيلة لقتل ذلك الفراغ، وسط غياب القيم والأخلاق في المجتمع". تضيف أنّ "المقاهي صارت موجودة في كلّ شوارع مصر، سواء الرئيسية منها أو الحواري، وتحوّلت إلى أوكار لأصدقاء السوء وللمدمنين، في ظل غياب الرقابة الأمنية المشدّدة على المقاهي عموماً وكذلك عدم متابعة الأسرة لأولادها".
وتشير الساعاتي إلى أنّ "ثمّة مقاهي عمدت، في زمن التطوّر التكنولوجي، إلى إتاحة خدمة الإنترنت بهدف جذب أكبر عدد من الأشخاص، وهو ما أدّى إلى حالات من التبلّد والخمول لدى شبّان كثيرين، وإصابة بعضهم باضطرابات نفسية، في حين تغيب المؤسسات الثقافية والرياضية والإبداعية".
في سياق متصل، يعبّر مصريون من سكان الشوارع حيث تنتشر تلك المقاهي، عن استيائهم من عدم وضع ضوابط تحدّد عملها. كرم عبد الرحمن الموظف في القطاع العام واحد من هؤلاء، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "عمل تلك المقاهي يزعج السكان، لا سيّما مع المشاجرات اليومية التي تقع بين الشبّان الذين يرتادونها". ويضيف أنّ "الكارثة تحلّ عند بثّ مباراة كرة قدم مهمّة، فعندها لن يتمكّن أحد من السكان من الشعور بالراحة، وذلك من دون أيّ مراعاة لظروفهم أو احترام للأطفال الصغار الذين يحتاجون إلى قسط كبير من النوم وكذلك للتلاميذ الذين يستيقظون باكراً للتوجّه إلى مدارسهم وللمرضى المضطرين إلى الراحة".
اقــرأ أيضاً
أمّا محمود حسن، وهو موظف في القطاع الخاص، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "كراسي المقاهي وطاولاتها وصلت إلى حدّ إغلاق الشوارع ومداخل المباني في تحدٍّ للجميع". ويشكو من "عرقلة حركة المارة والمضايقات والمعاكسات والتحرّش بالفتيات من قبل مرتادي تلك المقاهي، فضلاً عن معاناتنا كسكان من رائحة الدخان والضجّة".
من جهته، يرى محمد جمال، وهو محامٍ، أن "المحليات والأجهزة الأمنية هي السبب في انتشار تلك المقاهي بهذه الطريقة"، لافتاً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "ثمّة مقاهٍ تعود ملكيتها إلى أشخاص أمنيين رفيعي المستوى ومسؤولين في الوحدات المحلية". يضيف أنّ "مشاجرات كثيرة تقع في تلك المقاهي تُستخدَم فيها الأسلحة البيضاء من دون تحرّك أيّ من الجهات المسؤولة".
وتلك المقاهي التي يُطلق على أصحابها "تجّار الميّة السخنة"، ليست فقط وسيلة لإقلاق راحة السكان وحرمانهم من النوم ليلاً، إنّما هي كذلك مساحة للاتجار بالمخدرات وتعاطيها وعقد صفقات بمعرفة أصحاب تلك المقاهي في مقابل بدلات مالية، بالإضافة إلى أنّها الموقع المناسب لمن يرغب في معاكسات النساء. وتعرقل تلك المقاهي حركة المرور في الشوارع التي تحتلّ أطرافها، الأمر الذي يؤدّي إلى ازدحامات مرورية، علماً أنّ الأمر يُسجَّل خصوصاً في محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية) نتيجة ارتفاع الكثافة السكانية.
تقدّم الأهالي بشكاوى على أكثر من صعيد، إلا أنّها ضاعت في مهبّ الرياح، لا سيّما أنّ أصحاب المقاهي أصرّوا على احتلال الأرصفة من دون أيّ رادع. وهو الأمر الذي دفع كثيرين إلى اتهام بعض المحليات في المحافظات وأجهزة الأمن المصرية بعدم تطبيق القانون على خلفية انتشار الرُشى. وبحسب ما يبدو، فإنّ تلك الرُشى سمحت لـ"تجّار الميّة السخنة" بالتمادي في استغلال الشوارع في الأعوام الأخيرة بشكل مبالغ فيه، مع الإشارة إلى أنّ أكثر من 90 في المائة من المقاهي غير مرخصة.
على الرغم من الانتقادات التي تلاقيها تلك المقاهي، فإنّ ثمّة من يرى فيها متنفساً للبعض، خصوصاً الشباب، في ظلّ البطالة من جهة ومن أخرى افتقار عدد من الأحياء إلى أماكن للتسلية، علماً أنّه في حال توفّرت أماكن مثل الأندية فإنّ التذاكر الخاصة بها تكون مرتفعة الثمن، والأمر نفسه ينطبق على ما تقدّمه من مشروبات، فلا تدخلها بالتالي إلا فئة محدودة من الشعب المصري. كذلك يرى آخرون أنّ هذا النوع من المقاهي يُعَدّ وسيلة للاسترزاق.
تجدر الإشارة إلى أنّ مجلس النواب المصري كان قد صادق في يوليو/ تموز الماضي على قانون المحال العامة الذي يسمح لوزير التنمية المحلية بمنع إقامة أيّ مقهى أو "كافيه" إلا بترخيص مسبق، فيما يحظر التشريع على تلك المحال تقديم "الشيشة" (النرجيلة) إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق بذلك، لقاء رسوم لا تتجاوز 10 آلاف جنيه مصري (نحو 620 دولاراً أميركياً)، على أن تذهب نسبة 10 في المائة من تلك الرسوم إلى موازنتَي وزارة الصحة والسكان ووزارة البيئة مناصفة، لكنّ القوانين معطّلة على أرض الواقع.
يكشف الدكتور سيد إمام من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية لـ"العربي الجديد" أنّ "مصالح تجّار الميّة السخنة يتجاوز عددها المليونَين، معظمها غير مرخّص ويقع في محافظات القاهرة الكبرى، فلا يخلو منها شارع أو حارة". ويؤكد أنّ "أرباح المقاهي كبيرة جداً، في حين أنّها ليست مكلفة على أصحابها، في المقابل"، شارحاً أنّ "كيلوغرام السكّر الواحد وباكو (علبة) الشاي الواحدة يكفيان لتحضير عشرات الأكواب، بخلاف المشروبات الساخنة الأخرى التي يزداد الإقبال عليها في خلال فصل الشتاء". يضيف إمام أنّ "ثمّة تمادياً كبيراً على الرغم من رقابة الجهات الحكومية على المقاهي، علماً أنّها تحت إشراف وزارات المحليات والداخلية والبيئة والصحة"، مشدداً على أنّ "تلك الجهات الحكومية لا تؤدّي دورها في مواجهة هذا الغول الذي يزداد بطريقة بشعة يومياً".
ويتابع إمام أنّ "تلك المقاهي صارت المشروع التجاري المفضّل لكلّ من لا يملك مهنة، لذا فهي تتمدّد في مصر فيما يقف أمامها المحافظون ورؤساء الأحياء عاجزين عن مواجهتها. فالباب الخلفي لفتح أيّ مقهى في أيّ منطقة من دون إذن أو تصريح، هو من خلال الإكراميات"، لافتاً إلى أنّ "آلاف البلطجية يعملون في تلك المقاهي غير المرخصة، ويتردد عليها أمثالهم الذين يرتكبون يومياً شتى أنواع الجرائم". ويكمل أنّ "أكثر الأماكن العامة ضرراً بالصحة هي تلك المقاهي، لا سيّما مع ما تسبّبه من أمراض مرتبطة بالتدخين لمرتاديها ولسواهم في الجوار. كذلك، صارت وسيلة لخراب البيوت بسبب إنفاق أرباب الأسر مالهم فيها ليلياً، الأمر الذي يؤدّي إلى نشوب خلافات عائلية تصل إلى حدّ الطلاق. وإلى جانب كلّ ذلك، هي تُعَدّ بؤراً للفوضى وترويج المخدّرات والتحرّش والإزعاج والضوضاء وإهدار الوقت، ما يؤدّي إلى إزعاج السكان الذين يقطنون في المباني نفسها، فضلاً عن سرقة الكهرباء والمياه والتهرّب الضريبي، من دون أن ننسى تسكّع التلاميذ والطلاب فيها".
من جهتها، تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتورة سامية الساعاتي لـ"العربي الجديد"، إنّ "المقاهي صارت ملاذاً للشباب والعاطلين من العمل بسبب وقت الفراغ الكبير لديهم. بالنسبة إليهم، فإنّ الجلوس في تلك الأماكن وسيلة لقتل ذلك الفراغ، وسط غياب القيم والأخلاق في المجتمع". تضيف أنّ "المقاهي صارت موجودة في كلّ شوارع مصر، سواء الرئيسية منها أو الحواري، وتحوّلت إلى أوكار لأصدقاء السوء وللمدمنين، في ظل غياب الرقابة الأمنية المشدّدة على المقاهي عموماً وكذلك عدم متابعة الأسرة لأولادها".
وتشير الساعاتي إلى أنّ "ثمّة مقاهي عمدت، في زمن التطوّر التكنولوجي، إلى إتاحة خدمة الإنترنت بهدف جذب أكبر عدد من الأشخاص، وهو ما أدّى إلى حالات من التبلّد والخمول لدى شبّان كثيرين، وإصابة بعضهم باضطرابات نفسية، في حين تغيب المؤسسات الثقافية والرياضية والإبداعية".
في سياق متصل، يعبّر مصريون من سكان الشوارع حيث تنتشر تلك المقاهي، عن استيائهم من عدم وضع ضوابط تحدّد عملها. كرم عبد الرحمن الموظف في القطاع العام واحد من هؤلاء، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "عمل تلك المقاهي يزعج السكان، لا سيّما مع المشاجرات اليومية التي تقع بين الشبّان الذين يرتادونها". ويضيف أنّ "الكارثة تحلّ عند بثّ مباراة كرة قدم مهمّة، فعندها لن يتمكّن أحد من السكان من الشعور بالراحة، وذلك من دون أيّ مراعاة لظروفهم أو احترام للأطفال الصغار الذين يحتاجون إلى قسط كبير من النوم وكذلك للتلاميذ الذين يستيقظون باكراً للتوجّه إلى مدارسهم وللمرضى المضطرين إلى الراحة".
أمّا محمود حسن، وهو موظف في القطاع الخاص، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "كراسي المقاهي وطاولاتها وصلت إلى حدّ إغلاق الشوارع ومداخل المباني في تحدٍّ للجميع". ويشكو من "عرقلة حركة المارة والمضايقات والمعاكسات والتحرّش بالفتيات من قبل مرتادي تلك المقاهي، فضلاً عن معاناتنا كسكان من رائحة الدخان والضجّة".
من جهته، يرى محمد جمال، وهو محامٍ، أن "المحليات والأجهزة الأمنية هي السبب في انتشار تلك المقاهي بهذه الطريقة"، لافتاً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "ثمّة مقاهٍ تعود ملكيتها إلى أشخاص أمنيين رفيعي المستوى ومسؤولين في الوحدات المحلية". يضيف أنّ "مشاجرات كثيرة تقع في تلك المقاهي تُستخدَم فيها الأسلحة البيضاء من دون تحرّك أيّ من الجهات المسؤولة".