عراقيون يساندون المحتجين بدعم عوائلهم

19 نوفمبر 2019
ليس عليه القلق على عائلته (مرتضى سوداني/ الأناضول)
+ الخط -

في حين يتفرّغ عراقيون كثر للاحتجاج، يسعى آخرون إلى دعمهم بطريقة أو بأخرى، ويُترجَم الأمر كذلك بمساندة عوائلهم.

يمثّل التكافل بصوره المختلفة إحدى السمات البارزة التي تميّز التظاهرات العراقية المتواصلة منذ بداية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في بغداد وجنوبي البلاد ووسطها، من قبيل تأمين الطعام للمحتجّين في ساحات التظاهر وكذلك توفير احتياجات أسر تفرّغ أبناؤها أو معيلوها للاحتجاجات وللمرابطة في ساحات التظاهر، علماً أنّ هذا التكافل في العراق اليوم لا يقتصر على الأقرباء أو المعارف أو الجيران فحسب.

في ساحة التحرير، نقطة الاحتجاجات في العاصمة العراقية التي تُعَدّ الكبرى ما بين المناطق العراقية المنتفضة، يمكن للمراقب أن يلاحظ عوائل عراقية مع مركبات محمّلة بالطعام الذي توزّعه على المحتجّين في الساحة. فاتن عبد الجبار وزوجها وأولادها من هؤلاء الذين يحرصون على إعداد وجبات غذائية وتوزيعها هنا. تقول لـ"العربي الجديد": "هذا واجب وطني، فالمحتجوّن في ساحة التحرير إخوتنا وأبناؤنا وأهلنا وهم بدورهم أصرّوا على عدم الخروج من ساحة التظاهر من أجلنا جميعاً".

فاتن وعائلتها عيّنة من الذين يحرصون على عدم السماح للناشطين في ساحة التظاهر بأن يجوعوا حتى لو بقوا في الساحة أياماً، وبالتالي تسهل ملاحظة وفرة الطعام هنا. في المقابل، ثمّة عراقيون آخرون يحرصون على ألا يتجوع عوائل المتظاهرين الذين تركوا أعمالهم وحياتهم اليومية وتفرّغوا للاحتجاج. يخبر زيد عباس في السياق، وهو واحد من المتظاهرين الذين قرّروا البقاء في ساحة التحرير منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أنّه ترك عمله الذي تعتاش منه عائلته، أي زوجته وابنه الذي يتابع تعليمه في المرحلة الابتدائية. ويقول عباس الذي كان عاملاً في أحد المخابز، لـ"العربي الجديد"، إنّ "زوجتي اتصلت بي بعد يومَين من مشاركتي في الاحتجاجات في ساحة التحرير، لتخبرني بأنّ جيراننا طلبوا منها عدم تحضير الطعام وتكفّلوا هم بإحضار الغذاء لها ولطفلنا. كذلك، فإنّ بعضهم زوّدها بمبلغ من المال لتتمكّن من تأمين احتياجاتها، فيما طمأنها الجميع أنّهم سوف يتكفلون بكل طلباتها وطلبات الصغير ما دمت متفرّغاً للاحتجاجات". ويؤكد عباس أنّه ليس حالة معزولة، "فكثيرون هنا مثلي يتكفّل جيرانهم أو أقاربهم باحتياجات عوائلهم".




ويثمّن العراقيون، جميعهم، انخراط الشبّان في الاحتجاجات من أجل تحقيق مطالب الشعب وهي الحصول على حقوقه، من خلال توفير الخدمات الأساسية وفرص العمل. بالنسبة إليهم، لن يتحقق ذلك إلا بتغيير الطبقة السياسية الحاكمة برمّتها، وفقاً للشعارات التي يرفعونها. ولأنّ في ذلك أهميّة كبرى، يحرص الناس على دعم المحتجّين والمقيمين في ساحات التظاهر من خلال تقديم المساندة إلى عوائلهم.

أخذت على عاتقها تأمين الخبز للمتظاهرين (مرتضى سوداني/ الأناضول)

الحاج فواز الهيتي واحد من هؤلاء، وهو يملك محلّاً كبيراً لبيع المواد الغذائية في أحد أحياء جانب الكرخ من بغداد، فيخصص كميات من اللحوم والأرزّ والبقوليات والسكر ومواد أخرى لتسع عوائل تسكن بجوار منزله. يقول الهيتي لـ"العربي الجديد" إنّ "أرباب هذه الأسر أو معيليها يتظاهرون في ساحة التحرير، بالتالي أقسم بأنّني سوف أستمر في رفد عوائلهم بالغذاء ما داموا يتفرّغون للاحتجاج". يضيف: "وعند انتهاء التظاهرات وعودة هؤلاء إلى عوائلهم، فإنّ الأخيرة سوف تبقى متمايزة عن سواها وسوف تُحظى بمعاملة خاصة". ويؤكد الهيتي: "لست الوحيد الذي أتحمّل مثل هذه المسؤولية، فكثيرون يفعلون ما أفعله وأكثر. وأعرف تجّاراً وميسورين تكفّلوا باحتياجات مثل هذه العوائل. هؤلاء الشبّان يتظاهرون من أجلنا جميعاً وليس من أجل مصلحتهم فحسب".



لا يقتصر الأمر على ذلك، فثمّة سائقو سيارات أجرة كثر باتوا لا يتقاضون أيّ أبدال لقاء توصيل الشبّان الى ساحات الاحتجاج، لا سيّما ساحة التحرير. بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّه من العيب استيفاء أجر منهم لا بل هو إهانة لوطنيّة السائق، فهؤلاء يدافعون عن حقّه. من جهة أخرى، يقول محمد الساعدي، وهو إمام مسجد في مدينة الصدر، شرقي بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أئمة المساجد جميعهم يحثّون العراقيين اليوم على التكافل الاجتماعي ومساعدة العوائل المحتاجة التي يتفرّغ أبناؤها للاحتجاج. ويشدّد على أنّ "شبابنا اليوم يخوضون معركة إنّما بشكل آخر، هي معركة سلاحهم فيها الصمود والكلمة. أمّا نحن، فيتوجّب علينا دعمهم من خلال مساندة عوائلهم". وكلّ ما سلف ليس إلا محاولات يأتي بها مواطنون عراقيون لدعم مواطنين آخرين أخذوا على عاتقهم تبنّي مطالبهم وإيصال صوتهم إلى المعنيين.