إلى أين يهرب الغزيون؟

15 نوفمبر 2019
لا بدّ من تأمين ملجأ للصغار (محمد الحجار)
+ الخط -

فجر الثلاثاء 12 نوفمبر/ تشرين الثاني، عاد التوتّر إلى غزّة مع عملية الاغتيال التي نفّذها الاحتلال الإسرائيلي بحقّ القيادي في سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي"، بهاء أبو العطا.

يستعيد أهالي غزة في الأيّام الأخيرة أجواء الرعب نفسها التي سبق أن عاشوها في خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر في عام 2014. ويستهدف الاحتلال في قصفه كلّ محافظات القطاع، لا سيّما المناطق السكنية فيشرّد أهلها وسط مخاوف من الموت ومن خسارة ما يملكون. ولعلّ هلع الغزيين يبدأ مذ سماعهم دويّ القذائف وإدراكهم أنّه عليهم الهرب إلى مكان آمن. لكنّ كثيرين لا يملكون "مكاناً آمناً" يلجأون إليه، لا سيّما مع عدم توفّر ملاجئ تحميهم من الصواريخ الإسرائيلية. ويجد الغزيون أنفسهم في حيرة من أمرهم، غير أنّ همّهم الأوّل يكون بإخراج أولادهم من مرمى النيران، وإن كان الجميع يسلّم بأنّ القطاع مستهدَف من جنوبه إلى شماله.

بعد عملية الاحتلال الأخيرة، فجر الثلاثاء الماضي، انتشر الذعر بين الناس الذين تعددّت حكايات خروجهم من بيوتهم بحثاً عن "الأمان" مع توالي القصف. أهداب العجلة، غزيّة تبلغ من العمر 17 عاماً، اضطرّت إلى إخلاء منزلها مع عائلتها في اليوم نفسه، على خلفيّة القصف الإسرائيلي على مدينة غزة. وقد دوّنت أهداب ما خبرته من لحظات حرجة عندما أصيبت شقة سكنية في المبنى نفسه الذي تسكنه عائلتها، واصفة الحيرة التي وقع فيها أهلها لجهة تأمين الأطفال وعدم ترك أوراقهم الثبوتية في المنزل. وتخبر أهداب "العربي الجديد": "عندما تعرّض منزل جيراننا في الطبقة الخامسة للقصف، لم ندرك ماذا حصل، فنحن نسكن في الطبقة الثانية عشرة من المبنى. لكنّني لم أعد أقوى على التنفّس وبالتالي على الصراخ، ووقفت أنتظر والدتي وإخوتي لنهرب معاً"، مؤكّدة أنّ "عائلتي هي أهمّ شيء لديّ". تضيف أهداب: "قبل ذلك بثوانٍ، كنّا نتابع الأخبار وكنّا نظنّ أنّنا في مأمن. ثمّ انقطعت الكهرباء بالتزامن مع القصف الذي أصاب مبنانا، قبل أن يظهر دخان أسود كثيف من النوافذ. لا أدري كيف نزلنا وكيف خرجنا من المبنى وكيف أنّنا ما زلنا على قيد الحياة". وتتابع: "على مدى ساعات، بقينا في الشارع، فنحن لا نملك مكاناً بديلاً آمناً نلجأ إليه. ثمّ عدنا إلى منزلنا في النهاية".



لم يوفّر القصف أيّاً من المناطق، وفي حيّ التفاح شرقيّ مدينة غزة، استهدفت قوات الاحتلال دراجة نارية على متنها ثلاثة أشخاص من عائلة عياد، استشهدوا جميعهم. بالقرب من المكان، يقع منزل أمّ نبيل فلفل التي هلعت عندما لم تعثر على سعيد (14 عاماً) واحد من أولادها الثلاثة، وراحت تصرخ وهي تبحث عنه بين القتلى والجرحى. تخبر أمّ نبيل "العربي الجديد" أنّه "في لحظة مماثلة، من الطبيعي أن تظنّ الأمّ أنّ أبناءها هم المستهدفون. وهو أمر لا يمكن شرحه، خصوصاً عندما لا تجد الواحدة منّا ولدها. عندها، تسيطر عليها فكرة استشهاده وتبدأ بالبحث عنه بين الجثث أينما وُجدت". تضيف: "لكنّني في النهاية عثرت عليه سالماً".



ومساء يوم الثلاثاء نفسه، في بلدة بيت حانون الواقعة شماليّ القطاع، كان نديم المصري مع عائلته مجتمعين في وسط منزلهم، إذ إنّهم يُفضّلون البقاء بعيداً عن النوافذ والأبواب في مثل هكذا ظروف. لكنّه، على خلفيّة المستجدّات، قرّر الخروج من المنزل لحماية أسرته، فوجد نفسه في الشارع مع بقيّة عائلات الحيّ، إثر قصف جويّ نفّذته طائرات الاحتلال. وبعد نحو ساعة، عاد الجميع أدراجه. ويحكي المصري لـ"العربي الجديد" عمّا "يعيشه الوالدان في خلال القصف، فكلّ همّهما هو كيفية حماية أطفالهما والتخفيف من خوفهم. والمعضلة الحقيقية تكون عندما لا يعرفان إلى أين الهرب. وعندما لا يتوفّر أيّ مكان آمن، يضطر الوالدان إلى اصطحاب أولادهما مرّات عدّة إلى الشارع في اليوم الواحد قبل العودة أدراجهما، بحسب وتيرة القصف".



في سياق متّصل، يقول مدير العمليات في الدفاع المدني في قطاع غزة، المقدّم رائد الدهشان، إنّ "إمكانياتنا شبه معدومة وهذا ما يهدّد استمرارنا في تقديم خدماتنا. لكنّنا نحاول التأقلم والعمل بحسب المتاح، سواءً أكان ذلك في خلال ظروف أمنية مماثلة أو في خلال الأزمات اليومية غير الاستثنائية". ويؤكّد الدهشان أنّ "لا أماكن آمنة في غزة نرشد الناس إليها للاحتماء من القصف الإسرائيلي، لا سيّما أنّ البنى التحتية متردية في ظلّ عدم توفّر ملاجئ مجهّزة. بالتالي، فإنّ حياة كلّ واحد من الغزيين معرّضة إلى الخطر في أيّ لحظة". يضيف: "لذا لطالما عمدنا إلى إرشادات نزوّد بها المواطنين عبر الإذاعات المحلية ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حول كيفية التصرّف في خلال العمليات الأمنية والعدوان، لا سيّما لجهة البقاء في نقاط أكثر أماناً من غيرها في البيوت والمباني".




ويلفت الدهشان إلى أنّه "منذ أطبق الاحتلال الإسرائيلي حصاره على قطاع غزة، منع دخول شاحنات ومعدّات خاصة بالدفاع المدني لتعزيز إمكانياتنا، علماً أنّنا نعمل بقدرة 750 فرداً موزّعين على 17 مركزاً، وهو عدد ليس كافياً وسط الأزمات التي نعيشها".