أطفال تونسيّون... ظروف تدفعهم إلى الجريمة

10 أكتوبر 2019
ماذا تكون ظروفه الاجتماعية؟ (تييري موناس/ Getty)
+ الخط -

على غرار مجتمعات أخرى، تدفع الظروف الاجتماعية وغيرها الأطفال إلى ارتكاب الجنح، ما يؤدي لإحالتهم إلى إصلاحيات. والمساعي كثيرة لتأمين الدعم والإحاطة النفسية لهؤلاء الأطفال، إضافة إلى إبرام اتفاقيات صلح، مع الحرص على احتواء العائلات أطفالهم

يقضي محمد (اسم مستعار)، والبالغ من العمر 15 عاماً، عقوبة في مركز إصلاح الأطفال الجانحين (الإصلاحية) بعد مشاركته في عملية سطو. ليست المرة الأولى التي يوضع فيها محمد في هذا المركز. فقد سبق وأن قضى عقوبة مماثلة، كما تقول الأخصائية الاجتماعية في الاتحاد الوطني للمرأة عربية لحمر لـ "العربي الجديد".

وتكشف لحمر أنّ محمد طفل لأمّ عزباء، وقد علم بحقيقة ولادته حين كان في الرابعة عشرة من عمره. لم تتقبّل عائلة والدته أنه ولد خارج إطار الزواج، وقد نُعت بصفات عدّة. الرفض الأسري أدى بالطفل إلى الانحراف. وتوضح الأخصائية الاجتماعية أن الظروف جعلت من محمد مجرماً على الرغم من ملامح وجهه البريئة.

وترى لحمر أنه لو عاش محمد ظروفاً أفضل لكان وضعه مختلفاً، فقد دفع فاتورة وضع ليس مسؤولاً عنه في ظلّ عدم مسامحة العائلة لأمه التي تعاني بدورها، والرفض المجتمعي الذي أدى إلى شعوره بالتهميش. وتبيّن أن غالبية التهم الموجهة للأطفال الجانحين ترتبط بالسرقة والعنف والمخدرات، مضيفة أن بعض الأطفال في المدارس يتعاطون المخدرات ويدمنون على الكحول، علماً أن بعضهم يُعتقل ويُعاقب على تصرفاته المخالفة للقانون. تضيف أنّ الظروف الاجتماعية والمادية تعدّ أحد عوامل ارتكاب الأطفال العديد من الجنح، على الرغم من أنها ليست دائماً السبب الرئيسي لانحراف الأطفال.

وتلفت لحمر إلى أنّ العنف الذي تتعرّض له المرأة والطلاق والفقر والتهميش وغياب موارد الرزق وغيرها من العوامل الأخرى، تؤثر على شخصية الطفل وتجعل استقطابه من قبل المنحرفين سهلاً. وتمكنت دورية أمنية تابعة لمركز الأمن الوطني بالعالية من ولاية بنزرت في الخامس من إبريل/نيسان الجاري من إلقاء القبض على فتاة (18 عاماً) تورطت في ترويج مخدر القنب الهندي "زطلة" بين التلاميذ.



إلى ذلك، يكشف وزير العدل السابق غازي الجريبي أنّ عدد الأطفال الجانحين الذين يدخلون السجون سنوياً هو 1250 طفلاً خلال عامي 2017 و2018. ويبيّن أن الأطفال الذين يرتكبون الجرائم يخضعون للبرامج التربوية والنفسية والتعليمية الضرورية بحسب برنامج مراكز الإصلاح.

ويشرح المندوب العام لحماية الطفولة التابعة لوزارة المرأة مهيار حمادي لـ "العربي الجديد"، أن المشرع التونسي ومجلة حماية الطفل، تحديداً الصادرة في عام 1995، وصفت هؤلاء الأطفال بالجانحين. لكن نظراً لكون هذه العبارة تحمل وصماً للأطفال، فقد تم مراجعة هذه التسمية وإطلاق عبارة "أطفال" في خلاف مع القانون، بحسب المنظومة الأممية وهيئات حقوق الإنسان.

ويلاحظ حمادي أن الطفل الذي لا يجد من يتواصل معه، وفي ظل غياب الحوار والسند، يرتكب أعمالاً مخالفة للقانون تؤدي إلى تبعات جزائية. ويبيّن أن الطفل يصبح محل مساءلة في تونس انطلاقاً من سن 13 عاماً أو أقل، لكنه لا يعاقب مهما كان الفعل سواء جنحة أو جناية، لأن تونس موقعة على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. ويبين أن بعض البلدان اختارت محاسبة الأطفال الجانحين انطلاقاً من عمر العشر سنوات.

الطفل يصبح محل مساءلة في تونس انطلاقاً من سن 13 عاماً (ياسين غيدي/ الأناضول) 


ويقول حمادي إن المشرع التونسي كرس في مجلة حماية الطفل العديد من التدابير الوقائية للطفل المخالف للقانون. وفي الحالات القصوى، يوضع في مركز متخصص نظراً لصعوبة بقائه في المحيط الخارجي، مبيناً أن العقوبات ترتبط بطبيعة الفعل. يضيف أن أقصى الجرائم التي قد يرتكبها الطفل هي القتل، التي لا يمكن إبرام صلح فيها.
من جهته، يوضح حمادي أنه أطلقت حالياً في تونس تجربة "مندوب الحرية المحروسة"،

وتعني متابعة سلوك الطفل ومدى التزامه بما تعهد به، لكن لم يتم بعد تفعيل هذه الآلية قانوناً، وهي عبارة عن تدابير ذات بعد اجتماعي تربوي. يضيف: "من بين الآليات الأخرى، نجد آلية الوساطة، أي إبرام صلح مع المتضرر يوقع لدى مندوبي حماية الطفولة ثم يرفع إلى أية جهة متعهدة بالملف. ويتم هذا الصلح قبل وأثناء أو حتى بعد المحاكمة"، مبيناً أن أحد المتضررين مثلاً كان في المستشفى، وتم إبرام الصلح لصالح الطفل في المستشفى. كما يذكر إبرام اتفاق صلح في منزل أحد المتضررين لأن الإدارات مغلقة، وحتى لا يقضي الطفل العيد في مركز الإصلاح، وهي استثناءات تتجاوز أحياناً حدود المكاتب.

بدوره، يقول رئيس الجمعية التونسية "أولادنا" لحماية الأطفال رضوان الفارسي لـ "العربي الجديد" إن انحراف الطفل تتحمله الأسرة بالدرجة الأولى، ثم نجد المؤسسات الخارجية كالمجتمع والشارع. يضيف أنّ المجتمع يتحمل مسؤولية جنوح الطفل أو بالأحرى من يكونون في نزاع مع القانون.

ويُطالب بتفعيل دور الأسرة، التي يتوجّب عليها توفير الرعاية حتى لا يبحث الطفل عمّا يفتقده في الشارع، حيث يكون طريق الانحراف ممهداً. ويلفت إلى أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية تلعب دوراً في حماية الأطفال من الجنوح والمجتمع المدني. وتتولّى مراكز الدفاع والإدماج الاجتماعي الاهتمام بمشاكل هؤلاء الأطفال والتعهد بتأمين الحماية التربوية والنفسية.



ويشير إلى أنهم عملوا على الإحاطة بهؤلاء الأطفال نفسياً واجتماعياً وتوجيه العائلات. ويلاحظ أن الجنح التي ارتكبها الأطفال هي السرقة والعنف، مشيراً إلى وجود مؤشرات على الأسرة الانتباه إليها، منها سرقة الطفل أبويه أو أشقاءه وأصدقاءه. ومن بين هذه المؤشرات ضرب الطفل زملاءه والاعتداء عليهم مسبباً أضراراً لهم. يتابع أنّه من بين الملفات التي يتذكرها، والتي أدت إلى جنوح أحد الأطفال، هي أنه ضحية من ضحايا التحرش من قبل أحد أفراد عائلته. ولأنه فقد الحماية من أقرب الناس إليه، فقد بحث عنها في الشارع ما أدى إلى جنوحه.

يقول الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للسجون سفيان مزغيش، إن الأطفال الجانحين يخضعون إلى مجلة حماية الطفولة، والتدابير التي تتخذها محكمة الأطفال وقائية تقضي إما بوضع الأطفال تحت رقابة الوالدين لأن مصلحة الطفل تكون في العائلة، أو في أحد مراكز الإصلاح بحسب حالة الطفل. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ غالبية القضايا تتمحور حول العنف والسرقة، مبيناً أن غالبية الجنح البسيطة لا تمر عبر مراكز إصلاح الأطفال الجانحين، وعادة ما يتم العمل على تقليص العقوبات وتخفيفها.