النظام يطمس هوية دير الزور

05 أكتوبر 2019
الحياة اختلفت (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -
لم تعد الحياة في مدينة دير الزور الملقّبة بـ "عروس الفرات" سهلة بالنسبة لأهلها. كثيرون غادروها، ومن بقي من أهلها يعيش تحت سطوة عناصر النظام ومليشياته. وعلى الرغم من وعود النظام الذي أحكم قبضته عليها في نوفمبر/تشرين الثاني في عام 2017، بتحسين الواقع المعيشي، لم يتغير شيء حتى الآن، ولا يسمع أهالي المدينة أكثر من الوعود.

يقول الناشط من دير الزور محسن عبد الكريم لـ "العربي الجديد": "خدمات الكهرباء متوفرة في مدينة دير الزور التي يسيطر عليها نظام الأسد حالياً، وإن لم تشمل كل الأحياء. أما في القرى المحيطة فيها، فتوجد مولدات. وتعتمد بعض القرى على نظام الاشتراكات، وتشغل مولدات ضخمة لسد احتياجات الأهالي. أما في المناطق التي تسيطر عليها قسد، فيتم العمل بنظام الاشتراكات بمولدات الكهرباء، وهذا كافٍ بالنسبة للأهالي".

وفيما يتعلّق بالواقع الصحي، فإنه ما زال سيئاً جداً، كما يؤكد عبد الكريم. يقول: "في مناطق سيطرة النظام، يعدّ الوضع الصحي سيئاً إلى حد كبير. لا أطباء متخصصين، والأدوية شبه مفقودة. وإن وجدت فهي مرتفعة الثمن. كما أن الأدوية الخاصة بأمراض القلب والضغط والسكري نادرة. لكن في مناطق سيطرة قسد، يعد الوضع الصحي أفضل، في ظل انتشار المستشفيات والمراكز الصحية. لكن غالبية الحالات المرضية تحال إلى مستشفيات الحسكة، وتقتصر معظم المستشفيات على الإسعافات الأولية".

وعلى الرغم من وعود النظام بتوفير نحو 90 في المائة من الأدوية للمدينة والمناطق التي يسطر عليها، إلا أن مصادر طبية تابعة له تؤكّد الافتقار الكبير إلى الكوادر الطبية في تخصصات الجراحة. ويبلغ عدد الأطباء العاملين في المحافظة، بحسب تلك المصادر، نحو 181 طبيباً فقط، إضافة إلى 26 مركزا صحيا وست عيادات متنقلة، بينها عيادة نسائية.



وبالنسبة للمواصلات بين المدينة وريفها وباقي المدن التي يسيطر عليها النظام، يقول عبد الكريم: "حالياً، المواصلات تعمل بين القرى والبلدات من خلال السرفيس (سيارات الأجرة)، لكن الأجور مرتفعة نسبياً. من جهة أخرى، عادت البلديات للعمل وتنظيف بعض الطرقات والشوارع، في حين ما زال الدمار والركام موجودين في معظم أحياء المدينة والقرى التي يسيطر عليها النظام. أما المدن والبلدات التابعة لمحافظة دير الزور، والتي تسيطر عليها قسد، فتعتبر المجالس المدنية هي المسؤولة عن مشاريع النظافة وتعبيد الطرقات وبناء الجسور. لكن على غرار المناطق التابعة لسيطرة النظام، هناك تهويل وإيهام للناس بأن الخدمات جيدة. نعلم أن مناطق كثيرة في المحافظة تعاني بسبب الركام والدمار وتفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات".

يتحدث محمد تبان، من مدينة البوكمال، لـ "العربي الجديد"، عن الواقع في الريف الشرقي الخاضع لسيطرة النظام، إضافة إلى مدينة دير الزور. يقول: "أعداد المدنيين العائدين إلى مناطق سيطرة النظام قليلة جداً. ومن عاد وأجرى تسوية مع النظام مرغم على التطوع في المليشيات الإيرانية كالحشد الشعبي أو غيرها لحماية نفسه، فقد يعتقل أو يقتل إذا لم يفعل ذلك.
وهذا الوضع عام في كل المناطق التي يسيطر عليها النظام في المحافظة. أما المدارس والواقع التعليمي، خاصة أن العام الدراسي بدأ، فيمكن وصفه بالسيئ جداً، فنسبة لا تتجاوز 5 بالمائة من مدارس المحافظة تعمل فقط، ففي مدينة البوكمال وريفها من أصل 220 مدرسة هناك 25 مدرسة فقط يتم التدريس فيها، والنقص كبير في الكوادر التدريسية، فضلا عن المدارس التي تحتاج إلى بنية تحتية من مقاعد وسبّورات وغيرها، والنظام يتعمّد عدم توفيرها أو صيانتها، وهذا الواقع في كل من البوكمال والميادين ومدينة دير الزور. ونحن في الوقت الحالي أمام واقع غير مقبول إطلاقاً. وأيضا المليشيات أجبرت حتى المدرسين في مناطق دير الزور على الانتساب إليها".

وبالنسبة لمدينة البوكمال، يقول تبان إن "مسؤولين في النظام أبلغوا الأهالي أن الكهرباء لن تصل إلى المدينة إلّا بعد عامين. وبالنسبة للصحة، هناك مستوصف صحي واحد في المدينة تابع للهلال الأحمر السوري ويضم 3 أطباء فقط، ولا توجد مستشفيات في مدينتي الميادين ودير الزور، وهي أيضاً لا تفي بالغرض. ومن يريد العلاج يضطر للذهاب إلى دمشق أو مدينة حماه".



أما عمر أبو ياسين (52 عاماً)، فيقول لـ "العربي الجديد": "الفوضى تعمّ دير الزور، ولم تعد الأشياء كما في السابق. السلاح منتشر بين أيدي الجميع، والحياة لا تطاق أبداً. عندما غادرت المدينة، لم أظن أن العودة إليها ستكون قريبة، وهذا ما حدث بالفعل. يعيش من بقي من أقاربي فيها وهم يتخوفون دائماً من النظام أو المليشيات الإيرانية. الابتزاز قائم وعمليات تشويه تاريخ دير الزور وأهلها مستمرة. المليشيات تجبر الأهالي على التخلّي عن تراثهم وثقافتهم، كما أنها تتحكّم في كل شيء. أظن أن النظام لن يترك الأهالي وشأنهم حتى يمحي ما في المدينة من إرث ثقافي وعادات لطالما تمسّكوا بها على مر السنين".

من جهته، يقول الشاب سلامة العمر: "بالنسبة لي، أتمنى العودة إلى مدينتي التي نشأت فيها لكنها مخطوفة اليوم. والعودة إليها انتحار. دائماً أفكر في ذكريات عن رحلات قضيتها مع أصدقائي قرب نهر الفرات، منها الكباب الديري المعروف في كل مناطق سورية. في هذه الأيام، أنا وكثير من أبناء مدينة دير الزور لا يسعنا سوى ترقب العودة إليها، وإن كان هذا الترقب مبنياً على الأمل فقط".

ويقسم نهر الفرات مدينة دير الزور إلى قسمين، وقدّر عدد السكان فيها قبل اندلاع الثورة السورية بنحو 300 ألف نسمة، وتعرف بتاريخها العريق الذي يعود إلى عصر الملك حمورابي. واشتهر أهلها بالزراعة والتجارة عبر التاريخ، وكانت من مقدمة المدن السورية التي انضم أبناؤها إلى الثورة عام 2011.